أسرلة التعليم في القدس... الاحتلال يحرم مئات التلاميذ من مدارسهم

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
22 يناير 2019
1A4F9E7F-7699-42BA-8D5B-488C02FA8D41
+ الخط -

خطوة مرتقبة لتفريغ القدس من أهاليها الفلسطينيين، تقدم عليها سلطات الاحتلال، وذلك عن طريق إبلاغ مدارس عربية بإقفالها، تمهيداً لتحويل هويتها، وسط توقعات باندراجها في إطار أسرلة التعليم

تحدٍ جديد فرضه الاحتلال الإسرائيلي على مئات العائلات المقدسية التي لن يكون في مقدورها تسجيل أبنائها للعام الدراسي المقبل، في المدارس التي لطالما سجلتهم فيها، بعد قرار المنع الذي أصدرته بلدية القدس ودائرة المعارف الإسرائيليتان، والذي بلّغ شفوياً إلى إدارتي مدرستي القادسية للبنات والقدس للبنين، ويطاول أيضاً تلميذات المدرسة المولوية الملاصقة للمسجد الأقصى.




يقول الأهالي، وكذلك اتحاد أولياء الأمور في هذه المدارس، إنّ القرار ربما يشمل لاحقاً المدرسة العمرية التاريخية التي كانت سلطات الاحتلال قد وضعت يدها عليها عقب احتلال القدس عام 1967، إذ جرى إبلاغ إدارة المدرسة أنّها ستغلق في نهاية العام الدراسي الحالي لأسباب غير معلنة، علماً أنّ المدرسة تتبع لسلطة الآثار الإسرائيلية. وبحسب المعلومات، فقد أصدر القرار قسم التعليم في بلدية الاحتلال بإيعاز من رئيس البلدية الحالي، في حين نفت وزارة التعليم الإسرائيلية علمها بالأمر.



مدارس تلمودية
مدرسة القادسية، التي أطلق عليها الاحتلال اسم مدرسة "خليل السكاكيني" واحدة من أقدم المدارس التي أنشأها العثمانيون قبل أكثر من مائة وعشرين عاماً، وتعد معلماً تاريخياً وأثرياً مثلها مثل عشرات المدارس التي سيطر الاحتلال في العام 1967 على بعضها وحوّل الإشراف عليها إلى بلديته في القدس المحتلة.

أما مدرسة القدس للبنين، المكونة من غرفتين صفّيتين، فستغلق خلال العامين المقبلين بقرار من بلدية الاحتلال، فيما يؤكد اتحاد لجان أولياء الأمور على لسان رئيسه، زياد الشمالي، في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ هناك مخططاً يقضي بإفراغ البلدة القديمة من المدارس، ليشمل القسم الإعدادي في المدرستين العمرية والمولوية.



هذا التحدي الجديد الذي يواجه مئات العائلات المقدسية، دفع ممثليها، الأحد، إلى اجتماع عام عقد في منزل رئيس اتحاد أولياء الأمور في مدرسة القدس للبنين، المجاورة لمدرسة القادسية (خليل السكاكيني). وجرى التداول في الخطوات الممكنة لمواجهة هذا الإجراء الوشيك من خلال القضاء ومن خلال فعاليات ميدانية بدأها الأهالي فعلاً، الإثنين، في اعتصام كبير داخل ساحة مدرسة القادسية.

المتحدثون، ومن بينهم الشمالي، كشفوا أنّ القرار بُلّغ إلى إدارة مدرسة القادسية شفهياً، ولم تتسلم إدارات تلك المدارس أيّ إخطار مكتوب. كذلك، اعترى الإبلاغ الشفوي غموض يتعلق بطبيعة الاستخدام المستقبلي لهذه المدارس، خصوصاً أنّ شائعات تحدثت عن نية بلدية الاحتلال تسليم مباني القادسية وغيرها من مبانٍ إلى مدارس حكومية تشرف عليها دائرة الآثار الإسرائيلية، أو إلى جمعيات استيطانية، كما حدث في أحد المباني التي يتشكل منها مبنى البريد المركزي في شارع صلاح الدين، والذي تحول إلى كلية تلمودية.



هذا التخوف، أكده، أحمد صب لبن، الباحث في شؤون الاستيطان بالقدس، والذي أبلغ الحاضرين أنّ دوائر في البلدية أبلغته أنّ الاستخدام المستقبلي للمبنى سيكون لأغراض التعليم، من دون أن توضح ما إذا كان ذلك يتعلق بتقديم خدمات التعليم للتلاميذ المقدسيين، أم لصالح المدارس والمعاهد التلمودية التي شغلت على مدى السنوات الماضية عدداً كبيراً من العقارات المستولى عليها أو المسربة إليها في أنحاء البلدة القديمة، لتديرها الآن جمعيات استيطانية مثل "عطيراتكوهانيم"، و"عطيراتليوشناه"، بالإضافة إلى إدارة تلك الجمعيات نحو 80 بؤرة استيطانية داخل أسوار المدينة المقدسة، منها ما يتاخم مدرسة القادسية نفسها، ومدرسة القدس للبنين. ولا يبعد عقار آل جودة الذي سرّب أخيراً إلى المستوطنين سوى عشرات الأمتار فقط.



منهاج إسرائيلي
في حال استخدام مباني هذه المدارس من جانب جمعيات الاستيطان، أو حتى دائرة الآثار الإسرائيلية، فإنّ الخطر الكبير سينشأ في تمدد رقعة الاستيطان اليهودي في الحد الشمالي للمسجد الأقصى داخل أسوار البلدة القديمة، ليشمل البؤرة الاستيطانية عند مدخل باب الساهرة، ومنطقة برج اللقلق الملاصقة لسور القدس القديم. وتخطط سلطات الاحتلال لفتح بوابة أو ممر آمن للمستوطنين في منطقة السور، شرق باب الساهرة التاريخي، ما يعني أنّ مساحة كبيرة أخرى داخل البلدة القديمة ستكون تحت سيطرة المستوطنين معززة بإجراءات أمنية واسعة تشمل كاميرات المراقبة، والأبراج العسكرية ومنصات الحراسة.



وتشير خريطة الانتشار الاستيطاني في البلدة القديمة إلى تركيز على الناحية الشمالية منها التي تتصل جغرافياً بالمسجد الأقصى سواء ما ظهر من مبان فوق سطح الأرض، أو ما هو قائم فعلاً من أنفاق أرضية بعضها أفرغ من الأتربة وتحول إلى متاحف ومزارات سياحية كما هي الحال في نفق حائط البراق الممتد من جنوب المسجد الأقصى حتى أسفل المدرسة العمرية إلى الشمال منه، بالإضافة إلى ما أنشأته جمعيات الاستيطان أسفل البلدة القديمة عموماً من عشرات الكنس اليهودية الصغيرة.

يقول حاتم عبد القادر، القيادي في حركة فتح، إنّ ما يجري تطور خطير جداً "لا يتعلق فقط باستهداف الحجر وطمس معالم القدس العربية والإسلامية، بل سيطاول البشر من خلال عمليات تفريغ ممنهجة للعقارات وتطهير السكان منها، سواء كانوا مقيمين في منازلهم أو تلاميذ يدرسون في مدارس ومعاهد مقدسية تتعرض في هذه المرحلة لأسوأ عدوان من خلال فرض مناهج التعليم الإسرائيلية على ما تبقى من مدارس فلسطينية، ونقل مئات التلاميذ قسراً إلى مدارس جديدة أنشأتها بلدية الاحتلال أو استأجرتها خارج أسوار البلدة القديمة لإرغام أهالي التلاميذ على تسجيل أبنائهم في تلك المدارس التي تطبق المنهاج الإسرائيلي". يضيف أنّ معركة جديدة تفرض على المقدسيين، إذ سيكون لإغلاق مدرسة القادسية وغيرها من المدارس تداعيات كبيرة، ما قد يرغم مئات العائلات المتضررة من هذا الإجراء على خوض مواجهة قضائية وميدانية، وهو ما يتطلب ارتقاء الموقف الفلسطيني الرسمي إلى الفعل وعدم الاكتفاء بردّ الفعل فقط، وتوفير كلّ إمكانيات الدعم والصمود للمواطنين المقدسيين.



صروح تاريخية
أما راسم عبيدات، المحلل الإعلامي والسياسي، فيقول لـ"العربي الجديد": "الأخطر هو التفريغ الممنهج للمدارس المؤجرة لبلدية الاحتلال في البلدة القديمة من مدينة القدس، أو المدارس التي سيطرت عليها بعد عدوان عام 1967، والتي كانت تديرها وتشرف عليها الحكومة الأردنية. تلك المدارس يجري تفريغها وتحويلها إلى مؤسسات تابعة لبلدية الاحتلال في القدس، إما مراكز جماهيرية أو مؤسسات تتبع لدائرة الآثار الإسرائيلية ،أو تمنح للجمعيات التلمودية والتوراتية الاستيطانية من قبيل العاد وعطيرتكهانيم. ويجري التخطيط لإغلاق مدرسة القادسية التي تحول اسمها إلى مدرسة المربي خليل السكاكيني في البلدة القديمة، وتحويلها إلى مؤسسة تابعة لدائرة الآثار الإسرائيلية، اعتباراً من العام الدراسي المقبل، بما يضع مصير 350 تلميذة في مهب الريح. وهذا المخطط يستهدف المدرستين العمرية والمولوية في البلدة القديمة، وسيمتد ليشمل تفريغ المزيد من المدارس في البلدة القديمة من تلاميذها". يضيف: "هذه المدارس والمؤسسات مبنية قبل إيجاد إسرائيل، وتكوينها دولة على أشلائنا، وما يجري حدث خطير جداً، فأين سيذهب آلاف التلاميذ ومعلموهم؟ إلى الشوارع؟ هذا الأمر يتطلب جهات مسؤولة تدافع عن حقوق المقدسيين".




يتابع عبيدات: "مدارس البلدة القديمة بنيت زمن المملوكيين والأيوبيين والعثمانيين، وهي صروح أثرية وتاريخية، بالإضافة إلى كونها مؤسسات تعليمية. المباني المقدسية التي يجري تأجيرها لمدارس ومؤسسات إسرائيلية من بنوك ومؤسسات تعليمية وغيرها، يكبر خطر ضياعها. كذلك، فإنّ المخطط هو أسرلة التعليم بالكامل في المدينة، كما خطط له وزير التعليم الإسرائيلي المتطرف، نفتالي بينيت، والذي يشمل تصفية وإغلاق المدارس التابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية". يضيف: "هكذا نشهد على تناقص أعداد التلاميذ في مدارس دار الأيتام الإسلامية وغيرها من المدارس الأهلية والخاصة في البلدة القديمة، نتيجة سياسات وإجراءات الاحتلال بحق البلدة القديمة في القدس. وكذلك نتيجة إهمال السلطة الفلسطينية تلك المدارس، وعدم وضع خطة ذات بعد استراتيجي تضمن بقاءها وتطورها وزيادة أعداد التلاميذ فيها، وتوفير كلّ إمكانات الدعم لها".

ذات صلة

الصورة
أبو خديجة يسعى للعودة إلى الملاعب رغم الغياب الطويل (العربي الجديد/Getty)

رياضة

روى لاعب منتخب فلسطين الأول لكرة القدم أحمد أبو خديجة (28)، الذي تحرّر من سجون الاحتلال في 31 أكتوبر الماضي بعد 20 شهراً من الاعتقال، تجربته في المعتقل.

الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة
عماد أبو طعيمة لاعب فلسطيني استشهد في غزة 15/10/2024 (إكس)

رياضة

استشهد لاعب نادي اتحاد خانيونس، عماد أبو طعيمة (21 عاماً)، أفضل لاعب فلسطيني شاب في بطولة فلسطين للشباب 2022، وذلك في قصف إسرائيلي جنوبي قطاع غزة.

المساهمون