يوجد في منطقة الشرق الأوسط نحو 700 نوع من الطيور البريّة التي تنتمي إلى الفئات الثلاث: المقيمة والمشتية والعابرة. وفي لبنان يوجد منها 405 أنواع، أي 58 في المائة من تلك التي تشاهد في المنطقة الممتدة من تركيا غرباً إلى باكستان شرقاً ومن أوزبكستان شمالاً إلى اليمن جنوباً.
ومن أصل عدد الأنواع المسجلة في لبنان هنالك 148 نوعاً تم اكتشافهم من قبل كاتب هذا المقال. وهنا يعود إلى الذاكرة مشهد ذلك العصفور الصغير الذي شاهده الكاتب ذات يوم من أيام أكتوبر/تشرين الأول من العام 1996 في سهل القموعة وهو من نوع الهازجة التي لا يتعدى وزنها 4 غرامات، وتدعى Plain Leaf Warbler. الغريب أن هذا العصفور قد أتى من أواسط آسيا حيث يصل شمالاً إلى تركمانستان وجنوباً إلى جنوب الهند، وكأنه يريد تمضية الشتاء في الربوع اللبنانية بدلاً من البقاء في جنوب آسيا. يومها لم يستوعب البعض كيف أن هذا العصفور سافر من الشرق إلى الغرب ليصل إلى لبنان بعد قطعه 900 كلم، خاصة أن هجرة معظم الطيور (باستثناء بعض البط) تتم من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، حتى جاءهم خبر أقل تقبلاً وتصديقاً، يتعلق بطائر الكوكو (القيقب الشائع) الذي يزن 100 غرام، والذي سافر أيضاً من الشرق إلى الغرب، ولمسافة ثمانية آلاف كلم بين الصين والصومال.
ففي إطار برنامج علمي، وضع علماء صينيون وأوروبيون أجهزة ساتلايت على ظهر ذكر وأنثى من نوع الكوكو، من أجل تتبع هجرتهما بعد فصل التفريخ، وذلك في شمال بكين. بلغ وزن الجهاز الواحد 4.5 غرامات. وتوقّع معظم الخبراء حينها أن يتجه طائرا الكوكو إلى جنوب آسيا. ولكنهما توجها كلٌّ على حدة إلى الهند. ومن هناك طارا أيضاً منفصلين، وبدون توقف، على ارتفاع نحو ألف متر، من منتصف الهند إلى الصومال، حيث مرّ أحدهما فوق جنوب سلطنة عمان وجنوب اليمن، بينما مرّ الثاني على خط متواز يبعد 800 كلم إلى جنوب الأول، أي قاطعاً المحيط الهندي بالكامل. الغريب في هذا الأمر أن الكوكو طائر ضعيف البنية للغاية، فكيف له أن يستطيع اجتياز ثلاثة آلاف كلم وهو يطير من دون توقف؟ ربما ساعدته الرياح الموسمية في ذلك.
في رحلته هذه عبر الكوكو 12 دولة خلال 5 أشهر من الهجرة، وسيعود إلى الصين مرة أخرى قاطعاً نفس المسافة في نفس المدة. فكيف يستطيع التزاوج خلال الشهرين المتبقيين من السنة بينما بقية الطيور تتطلب ثلاثة إلى أربعة أشهر تكاد تكفيها لتربي صغارها؟
في الواقع أن الكوكو طائر طفيلي. فبعد أن يقوم الذكر بتلقيح الأنثى تضع هذه الأخيرة بيضة وحيدة في عش طائر آخر وتترك لصاحب العش مهمة حضن وتربية صغيرها الذي يمتاز بحساسية جسمه ضد الأجسام الأخرى في العش، فيقوم برمي بيض أو صغار صاحبة العش خارجاً كي يتفرغ أصحاب العش لإطعامه لوحده.
*اختصاصي في علم الطيور البريّة
اقــرأ أيضاً
ومن أصل عدد الأنواع المسجلة في لبنان هنالك 148 نوعاً تم اكتشافهم من قبل كاتب هذا المقال. وهنا يعود إلى الذاكرة مشهد ذلك العصفور الصغير الذي شاهده الكاتب ذات يوم من أيام أكتوبر/تشرين الأول من العام 1996 في سهل القموعة وهو من نوع الهازجة التي لا يتعدى وزنها 4 غرامات، وتدعى Plain Leaf Warbler. الغريب أن هذا العصفور قد أتى من أواسط آسيا حيث يصل شمالاً إلى تركمانستان وجنوباً إلى جنوب الهند، وكأنه يريد تمضية الشتاء في الربوع اللبنانية بدلاً من البقاء في جنوب آسيا. يومها لم يستوعب البعض كيف أن هذا العصفور سافر من الشرق إلى الغرب ليصل إلى لبنان بعد قطعه 900 كلم، خاصة أن هجرة معظم الطيور (باستثناء بعض البط) تتم من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، حتى جاءهم خبر أقل تقبلاً وتصديقاً، يتعلق بطائر الكوكو (القيقب الشائع) الذي يزن 100 غرام، والذي سافر أيضاً من الشرق إلى الغرب، ولمسافة ثمانية آلاف كلم بين الصين والصومال.
ففي إطار برنامج علمي، وضع علماء صينيون وأوروبيون أجهزة ساتلايت على ظهر ذكر وأنثى من نوع الكوكو، من أجل تتبع هجرتهما بعد فصل التفريخ، وذلك في شمال بكين. بلغ وزن الجهاز الواحد 4.5 غرامات. وتوقّع معظم الخبراء حينها أن يتجه طائرا الكوكو إلى جنوب آسيا. ولكنهما توجها كلٌّ على حدة إلى الهند. ومن هناك طارا أيضاً منفصلين، وبدون توقف، على ارتفاع نحو ألف متر، من منتصف الهند إلى الصومال، حيث مرّ أحدهما فوق جنوب سلطنة عمان وجنوب اليمن، بينما مرّ الثاني على خط متواز يبعد 800 كلم إلى جنوب الأول، أي قاطعاً المحيط الهندي بالكامل. الغريب في هذا الأمر أن الكوكو طائر ضعيف البنية للغاية، فكيف له أن يستطيع اجتياز ثلاثة آلاف كلم وهو يطير من دون توقف؟ ربما ساعدته الرياح الموسمية في ذلك.
في رحلته هذه عبر الكوكو 12 دولة خلال 5 أشهر من الهجرة، وسيعود إلى الصين مرة أخرى قاطعاً نفس المسافة في نفس المدة. فكيف يستطيع التزاوج خلال الشهرين المتبقيين من السنة بينما بقية الطيور تتطلب ثلاثة إلى أربعة أشهر تكاد تكفيها لتربي صغارها؟
في الواقع أن الكوكو طائر طفيلي. فبعد أن يقوم الذكر بتلقيح الأنثى تضع هذه الأخيرة بيضة وحيدة في عش طائر آخر وتترك لصاحب العش مهمة حضن وتربية صغيرها الذي يمتاز بحساسية جسمه ضد الأجسام الأخرى في العش، فيقوم برمي بيض أو صغار صاحبة العش خارجاً كي يتفرغ أصحاب العش لإطعامه لوحده.
*اختصاصي في علم الطيور البريّة