أسرار صغيرة

30 مارس 2015
احكِ أنت سرّاً صغيراً (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

قالت له، إنها ليست مستعدة بعد. يجب عليهما أن ينتظرا ريثما يعود إليها الشعور، أي شعور كان. جلسا على طرف السرير. ثبّت قدميه على الأرض، فيما بالكاد تُلامس قدماها غباراً عالقاً بين الأرض وأصابعها. سألته إن كان يريد أن تحكي له سرّاً صغيراً يخصها. لم يجب. قالت بهدوء: "الحياة حلوة لكن الموت أحلى". ردّ بهدوء أكبر يميل إلى اللامبالاة: "يجوز".

عندما انتبهت إلى أنه لن يسألها عن السبب، تابعت حديثها: "تخيّل أنني لو متّ، الآن، فسوف تختفي كل الأوجاع من جسمي، وتذوب الكيلوغرامات الزائدة من دون أي جهد. حينها، لن أستيقظ، مثلاً، في الصباح الباكر لأتمنى لو كان بإمكاني أن أنام بعد. يمكن للائحة أن تطول. حسناً. من جهة أخرى، لن أقرأ كتابات مذهلة، أو أشعر بنسيم بارد خفيف وسط زحمة المدينة. والحب، لن أتمكّن عندها من أن أحبّ. لكن هذا كله كلام بلا معنى. فالأموات لا يرغبون، لكن الأحياء يتألّمون. ألا تقول شيئاً؟". قال إنه كان سيسألها عن الكتب والهواء والحب، لكنها أجابت بنفسها: الأموات لا يرغبون فعلاً.

ثم سألته: "هل أحكي لك سراً آخر؟". نظر إليها وضحك للمرّة الأولى. "لم تتوقفي بعد عن الكلام. لن يعود إليك الشعور إذا لم تسكتي دقيقة واحدة على الأقل". ردّت بنبرة حزينة: "كان السرّ أنني لا أرتاح للسكوت. احكِ أنت سرّاً صغيراً".

أخبرها أن "الموت حلو لكن أن تموتيِ الآن بين يديّ بعد أحلى". ابتسمت له. لن ينتظر بعد. سوف يعيد لها الشعور بنفسه. أمسك قدميها بيديه الاثنتين ووضعهما على أسفل السرير. رفع شعرها إلى الأعلى وجعل رأسها يتكئ عليه، بشكل يبقي عنقها عارياً. وضع قبلة صغيرة عليه. قالت: "أريد أن أحكيّ لك سرّاً أخيراً". نظر في عينيها ثم وضع قبلة بينهما. أخذها بحضنه، ثم أعادها لتستلقي كما كانت على السرير. "أعدك أن أسكت بعد هذا السر"، لكنه لا يجيب. كلما أصرّت عليه قبّلها بشراهة أكبر. كأن هذه وسيلته الوحيدة لكي يجعلها تسكت. سكتت.

شبكت أصابعها خلف عنقه، بعدما مرّرتها بين خصلات شعره الرمادية القصيرة. ابتسمت له. قلّما يبتسم هو. تفكّر في السرّ الذي تريد أن تحكيه له. لكن يداه تشتتان تفكيرها. تحاول أن تفصل دماغها عن جسدها. تهمس له بضعة حروف، ثم تتأوه مطوّلاً قبل أن تتلعثم. تتحضر لتسأله، لكنه سرعان ما يجرفها معه إلى أماكن أخرى.

أخيراً، ترفع خصرها إلى الأعلى، وتثبت أعلى جسدها بكوعها الأيمن على السرير. باليد الأخرى تداعب شعره ثم تقول: "سرّ واحد فقط". ينظر إليها مطوّلاً، كأنه يلتقط لها صورة يحفظها في رأسه. يرفع يده. يغطي بها فمها. ثم يضغط بقوة. كانت ستحكي له أنها ميتة أصلاً.
دلالات
المساهمون