مرّ أسبوع كامل على إطلاق الجيش المصري للعملية الشاملة "سيناء 2018" من دون تحقيق إنجازات ذات أهمية، مساوية لحجم القوات المشاركة في العملية، والزخم الإعلامي المحيط بها، بينما كشفت المعلومات الواردة من سيناء عن تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين، في مقابل خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش المشاركة في العملية.
في هذا السياق، شدّدت منظمة "العفو الدولية"، أمس الخميس، على أنّ "استخدام الجيش المصري للقنابل العنقودية يجب أن يتوقف فوراً"، وذلك بعد نشر القوات المسلحة المصرية، شريط فيديو رسمي، أظهر استخدامها القنابل العنقودية كجزء من عملياتها الأخيرة في شمال سيناء. وذكرت المنظمة، على موقعها الإلكتروني، أنّ "خبراءها قاموا بتحليل شريط فيديو تم نشره على حساب تويتر الرسمي للمتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، في 9 فبراير/شباط الحالي". وأظهر الفيديو أنّ "أفراد القوات الجوية العسكرية يقومون بتحميل طائرات مقاتلة مصرية بقنابل عنقودية".
بدورها، أكدت النائبة الإقليمية لمنظمة "العفو" الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجية بونعيم، في حديث صحافي، أنّ "القنابل العنقودية هي أسلحة عشوائية بطبيعتها، تسبّب معاناة لا يمكن تصورها لسنوات بعد استخدامها، وهي محظورة دولياً لهذا السبب". وأضافت أنّ "تصويرها (القنابل العنقودية) في هذا الفيديو يوحي بأنّ القوات الجوية المصرية قد استخدمتها بالفعل أو تعتزم استخدامها، مما يدل على تجاهل صارخ لحياة الإنسان".
ولم تأتِ النتائج حسبما أرادت القيادة العسكرية للجيش المصري، عبر تحقيق الضربات الجوية المكثفة والقصف المدفعي في سيناء ضربةً موجعة لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، كتكرار لحملات سابقة، عبر الاكتفاء بالقصف الجوي والتحرّكات الميدانية المحدودة في محيط انتشار معسكرات الجيش جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
وفي التفاصيل الميدانية لتطورات العملية العسكرية الشاملة، كشفت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الجيش عملت على مدار أسبوع على تجريف واسع النطاق للمزارع من مناطق كرم القواديس في محيط مدينة الشيخ زويد إلى مناطق جنوب مدينة رفح، فيما استكمل عمليات هدم المنازل المتبقية في المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة في مدينة رفح، كما دهم عشرات المنازل في مدينة الشيخ زويد والعريش وبئر العبد".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "قوات الجيش حاولت فرض السيطرة على مناطق جديدة جنوب مدينة رفح، إلا أنها فوجئت باستعداد عسكري من قبل مجموعات تنظيم ولاية سيناء، التي تصدّت لحملة الجيش في أكثر من مرة على مدار الأسبوع المنصرم، ما أدى لمقتل وإصابة عدد من الضباط والجنود المشاركين في الحملة. كما أن الجيش لم يدخل ولو بعض المناطق في غرب مدينة رفح وشمالها، تحديداً مناطق بلعا وياميت، الواقعة ضمن نطاق التحرك الدائم للتنظيم على مدار السنوات الماضية.
في سياق متصل، أدى إغلاق محاور الطرق ومعديات قناة السويس المؤدية إلى سيناء ضمن العملية العسكرية، إلى إيجاد حالة من الحصار الشامل على محافظة شمال سيناء، ما منع وصول المواد الغذائية والخضروات والمحروقات إلى المحافظة بشكل كامل. لكن الجيش عمد إلى توفير كميات من الطعام وفتح منافذ بيع متحركة تابعة لمشاريع الجيش الاقتصادية.
وقال مصدر مسؤول في محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد"، إن "حالة من الإرباك تسود في أروقة المحافظة بسبب شكاوى المواطنين المتتالية، حول عدم توافر أدنى مقومات الحياة من طعام وماء في عشرات القرى بالمحافظة منذ يوم الجمعة، مما أدى إلى تواصل دائم بين قيادة المحافظة وقوات الجيش التي في نهاية المطاف استجابت للمناشدات ووفرت نقاط بيع متحركة في عدد كبير من القرى". وأضاف أن "ما لا يقل عن 10 قرى ما زالت خارج نطاق الإمدادات الغذائية والتموينية".
وكشف المصدر ذاته أن "قوات الجيش استثنت كافة قرى مدينتي رفح والشيخ زويد من نقاط البيع المتحركة، ما زاد الأوضاع الإنسانية خطورة، في ظل مرور أسبوع كامل على الإغلاق، ومنع دخول المواد الغذائية للمحال التجارية في كلتا المدينتين"، مشيراً إلى أن "المناشدات ما زالت تصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بضرورة التحرك الفوري لإنهاء حالة الحصار المفروضة على آلاف المواطنين في المدينتين".
في المقابل، تواصلت الخسائر البشرية من قوات الأمن، خصوصاً الجيش على يد تنظيم "ولاية سيناء"، مع تأكيد مصادر طبية في مستشفى العريش العسكري لـ"العربي الجديد"، أن "ما لا يقلّ عن 15 قتيلاً من قوات الجيش والشرطة قُتلوا في أول أسبوع من العملية الشاملة، غالبيتهم جنوب مدينتي العريش ورفح، وفي اشتباكات مسلحة مع أفراد تنظيم ولاية سيناء، وأن غالبية القتلى أصيبوا بطلقات نارية".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "قيادة العمليات العسكرية في سيناء طلبت من إدارة المستشفى فرض تعتيم كامل على إحصائيات القتلى والجرحى نتيجة العملية العسكرية، ونقل جثث القتلى إلى عائلاتهم لتشييعهم لمثواهم الأخير في وقت لاحق بعد هدوء الأوضاع الأمنية"، مشيراً إلى أن "من بين القتلى ضباطاً في قوات الصاعقة التابعة للجيش".
من جهة أخرى، صبّ الجيش جام غضبه على المدنيين فقتل 14 مواطناً من سكان مدينتي رفح والشيخ زويد ووسط سيناء على مدار الأسبوع الماضي، وألقى بجوار جثثهم قطع أسلحة وأجهزة اتصال لاسلكي بعد أن فشل في الوصول إلى أفراد التنظيم وتصوير جثثهم، كما ادّعى في البيانات العسكرية بأنه تم قتل عشرات "الإرهابيين"، فيما اعتقل الجيش 250 مواطناً من مدن العريش وبئر العبد والشيخ زويد.
وقالت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش صفّى عدداً من المعتقلين من دون تهمة أو دليل، ونقل جثثهم إلى مستشفى الإسماعيلية؛ حرصاً على عدم وصول أهالي القتلى إلى جثثهم في مستشفى العريش العام، وانفضاح أمر الجيش بقتله المدنيين بادّعاء أنهم مقاتلون في صفوف التنظيم"، مضيفةً أنه "بانتهاء العملية العسكرية ستنكشف الكثير من الحقائق التي تخفيها بيانات الجيش في الوقت الحالي".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "قوات الجيش صادرت مئات الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب (لابتوب) من منازل المواطنين في شتى مدن محافظة شمال سيناء، وأبلغت أصحابها أنه سيجري إرجاعها بعد أسبوعين من تاريخ المصادرة، فيما لم تسجل قوات الجيش أي معلومات تستدل من خلالها على أصحاب الهواتف مما يشكك في إمكانية إرجاعها لأصحابها في وقت لاحق". وبالإضافة إلى ما سبق، لا تزال كافة المرافق التعليمية في شمال سيناء مغلقة منذ بدء العملية الشاملة، فيما أعلنت جامعة سيناء الخاصة "تأجيل الدراسة للمرة الثانية في مختلف كليات الجامعة، ولأجل غير مسمى، وذلك بسبب الظروف الأمنية التي تشهدها محافظة شمال سيناء". وكانت الجامعة قد أعلنت مع بداية العملية عن تأجيل الدراسة حتى يوم 17 فبراير/شباط الحالي بسبب الظروف التي تشهدها محافظة شمال سيناء، فيما سبق أن قرر المحافظ اللواء عبد الفتاح حرحور تأجيل الدراسة في جميع المراحل التعليمية بالمدارس "حتى إشعار آخر".
وسبق أن قرر وزير التعليم العالي تأجيل الدراسة في الكليات والمعاهد داخل شمال سيناء، وقررت وزارة التربية والتعليم أيضاً تأجيل الدراسة بالمدارس لنفس السبب. ورأى مراقبون أن "عملية سيناء 2018 ستضاف إلى سجل الحملات العسكرية التي لم تؤتِ ثمارها في سيناء على غرار حملات حق الشهيد المتكررة، وعملية نسر 1 و2، مما يفتح الباب واسعاً أمام التشكيك في نتائج العملية الحالية، ومآلات المشهد في سيناء في حال تأكيد فشل العملية، وكذلك الحال في حال نجاحها".