أسباب حصار غزة

26 فبراير 2016
+ الخط -
تنطلق السياسة الأميركية التي تقود النظام الدولي، في تعاطيها مع الدول، من سلطة أبوية تشابه ما يحصل في منطقتنا العربية، فمن لم يلتزم بسياساتها وتوجهاتها، تشرع في توجيه سياسية العصا والجزرة إلى الأصدقاء والخصوم، ومن يراجع نفسه، ويسير في ركب السياسة الأميركية ينعم بالجززة، وهي: استقرار حكمه، والتغاضي عن سيئاته، وينعم بحزمة من المساعدات الاقتصادية والمالية، والدعم السياسي والعسكري والأمني ... إلخ.
أما من يرَ أن السياسة الأميركية تقوم على نهب الثروات وسلبها، وحماية الكيان العبري، والعمل على دمجه ضمن الشرق الأوسط الجديد، بل قيادته المنطقة؛ فإن مصيره الحصار، والعزل السياسي، وتجفيف المنابع، والتصنيف على قوائم الإرهاب الدولي، ومصادرة الأموال والممتلكات، وتسليط أدوات السياسة الأميركية الناعمة عليه من منظمات حقوق الإنسان والإعلام، وربما تصل إلى درجة التدخل العسكري المباشر، أو التدخل عن طريق وكلاء محليين أو إقليميين أو دوليين.
ليس قطاع غزة وحده المحاصر، بل السودان ومن قبلهما إيران والعراق قبل نهاية حقبة الرئيس صدام حسين، وكوريا الشمالية، وكوبا حتى وقت قصير ... إلخ. لكن حصار قطاع غزة امتد عشر سنوات، وأثر تأثيرًا مباشرًا على كل شيء يتحرك بالقطاع، ما دفع الأمم المتحدة إلى أن تصدر تقريراً تحذر فيه من أن القطاع لن يصلح للحياة، بعد أربع سنوات، أي في عام 2020.
أسباب الحصار الدولي لقطاع غزة تناقض منظومة القيم الغربية التي طالما صدعت رؤوس الشعوب النامية بترديدها، والضغط على الدول والحكومات لتطبيقها، وهي الديمقراطية، ففلسطين شهدت في يناير 2006 عرساً ديمقراطيًّا شهد العالم أجمع بنزاهته، لكنه جاء بنتائج لم يتوقعها الغرب، وهي فوز حركة حماس التي يصنفها الغرب حركة إرهابية، ففرض عليها ما اصطلح على تسميتها شروط الرباعية الدولية، وهي: "الاعتراف بـ(إسرائيل)، ونبذ "العنف"، والالتزام بالاتفاقات الموقعة".
يدرك العالم أن حركة حماس التي كانت تشعر بنشوة النصر والقوة التي منحها لها الشعب الفلسطيني، في تلك المدة، سترفض تلك الشروط، وهو ما حصل، ففرض الحصار المشدد، وشن الاحتلال ثلاث حروب مدمرة على قطاع غزة، وهذا يطرح تساؤلًا مهمًّا: لماذا يحاصر العالم قطاع غزة؟
أول الأهداف تدجين المقاومة، فالقطاع هو حاضنة للمقاومة الفلسطينية، وهي تشكل الخطر الأبرز على الكيان العبري ومشاريعه التهويدية والاستيطانية، وفرص دمجه في الإقليم، وثانيها كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي يشهد التاريخ له بأنه واجه وجابه كل أشكال الاستعمار عبر التاريخ، وثالثها لأن الشريط الذي مساحته 365 كيلو متر مربعة، ويعيش على أرضه مليونا نسمة قد يشكل تحديًا كبيراً للكيان وعملية التسوية، فقد تكون فكرة تفريغ قطاع غزة من سكانه أمراً غير مستبعد على طاولة صانع القرار الدولي، ورابعها لكي وعي الرأي العام الفلسطيني، ليصبح ضد المقاومة، وحشده نحو الانفجار بوجهها، وهو ما يراهن عليه الكيان والعالم، ومن يتابع سياسة فتح المعابر وإدخال البضائع؛ يلاحظ المنهجية التي تؤسس للموت البطيء. وخامسها لأن القضاء على المقاومة وحركاتها خطوة في طريق تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ويساهم في دمج الكيان العبري في الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، ما يضمن تفوقه وقيادته المنطقة.
فلسطين وطننا، وهي محتلة منذ عقود، والانتماء للوطن يعني تحمل الحصار والصعاب من أجل الخلاص من الاحتلال بكل الوسائل والأدوات المتاحة. أما من يختار الإقامة، فمن حقه أن يبحث عن الرفاهية بمعناها الشامل. وفي المقابل، قد يجدها في أي مكان من المعمورة، وهنا نستحضر مقولة جورج حبش: "نضالنا سيستمر مائة عام أو أكثر؛ فعلى قصيري النفس التنحي جانبًا"، من دون أن يعني ذلك ألا نقوّم تجربتنا ومسيرتنا من وقت إلى آخر، من أجل تحسين الأداء، وأن نؤسس لبناء مؤسسات دولة تحفظ المواطنة وتحارب الفساد، وتعمل على تجاوز الحصار وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.
CCB0F5AF-8280-4DBC-BBFF-2FC8D118B0C0
CCB0F5AF-8280-4DBC-BBFF-2FC8D118B0C0
حسام الدجني (فلسطين)
حسام الدجني (فلسطين)