أساطير المشاركة في انتخابات زائفة

16 مايو 2014

تظاهرة في جامعة القاهرة ضد الانقلاب (إبريل 2014 Getty)

+ الخط -
يفكّك هذا المقال أساطير وخرافات تُحتّم المشاركة في الانتخابات الهزلية التي تهدف لشرعنة المسار الدموي العسكري في مصر. فهناك التباس وارتباك مقصودان، لإحداث بيئة مواتية لاستهلاك أساطير وأوهام المشاركة في عملية سياسية وهمية، خلفها سلاح العسكر ومسار أمني عقيم، لم يقدم للشعب المصري إلا ويلات القتل والخنق والحرق والاعتقال؛ أي انتخاباتٍ، إذن، يمكن أن تُدار في هذا الظرف الاستثنائي الملوّث ببيئة الاستقطابات، وانتهاك حرمات الإنسان وكرامته، والتمكين للدولة القمعية البوليسية والفاشية العسكرية. ومن أهم هذه الأوهام والخرافات:
وهم الاستحقاقات الانتخابية: يطلقون على هذه العملية الهزلية مسمى (الانتخابات)، فهل نحن، فعلاً، أمام استحقاق ديموقراطي تتوفر فيه الشروط كافة؟ أم أننا في إطار تمرير حاكمٍ بعينه للكرسي، تحت مسمى "إنقاذ الدولة"؟ هل يمكن أن نقارن بين كل المسارات الانتخابية قبل عامين ونصف وهذه المهزلة؟ مؤكد أن ذلك ليس استحقاقاً، ولكنه، في حقيقة الأمر، اغتصابٌ يُزيَّن بانتخاباتٍ عبثيةٍ معلومة النتائج مسبقاً، مصطنعة في مبناها، زائفة في معناها ومغزاها.
وهمُ الاستقرار والأمن: يحاولون إقناع عموم المصريين بأنها انتخابات الاستقرار والأمن، كما وعدوا من قبل بأنه دستور الأمن والاستقرار، بينما ارتكبت وزارة الداخلية، عشية التصويت على الدستور، مجزرة جديدة في جامعة القاهرة، وعمّ بعدها العنف أرجاء البلاد. فالاستقرار لن يتأتى عبر ما يتوهمون، أو يوهمون الناس بأنها انتخابات، ولكن، يتم ذلك فقط عبر القضاء على معاقل الظلم، وتجفيف كل منابع ومسالك الاستقطاب.
حالة الاستقطاب التي شاعت وذاعت، وصناعة الكراهية التي كرّست وتمدّدت في خطاب إعلامي فاجر، تبنته السلطة الانقلابية بوقاحة سافرة، في خطابٍ تحريضيٍّ، يجعل الناس على حافة حرب واقتتال أهلي، بما ينال مما تبقى للجماعة الوطنية من سبل تماسك، بما يُمكّن السلطة الانقلابية من سرقة الانتخابات التي لن تكون إلا مقدمة للمجتمعات المزورة التي تزور فيها الحقيقة والمواقف والمؤسسات، فمن المؤكد أن انتخابات الاستقطابات، وما ينتج عنها من تكوينات ومؤسساتٍ عمرها قصير، ولا يمكن أن تستند إلى قاعدة رصيد الثقة المجتمعية، ولا إلى أصول التوافق السياسي والمجتمعي.
 
أسطورة الإخوان الفزاعة: استخدمها حسني مبارك قبل عبد الفتاح السيسي، مفادها أنه لا بد من "بعبع" لكي يمر "الجنرال الفاشي"! الفزاعة الإخوانية التي تمارس، في الداخل والخارج وفي إطار مقولة الإرهاب المحتمل، تتحرك في إطار خطاب صناعة الانقسام والكراهية، فيكون ذلك مدخلاً لتمرير انتخابات الفزع، وقد سبقتها أجواء انتخابات واستفتاءات الدم، إنها عملية انقلابية ممتدة، تجعل من بعض آليات الديموقراطية في مظهرها غطاءً لحالة قمعية في جوهرها.
أسطورة الديموقراطية والدولة المدنية: الأسطورة المضحكة المبكية، فالمرشحان، العسكري والناصري هما طرفا انتخابات الدولة المدنية وطريق الديموقراطية!، إنها شراكة اللص و"الناضورجي" الذي ساعده بالمرور بسرقته والإفلات بسريقته، في مسرحية انتخابية، فضلاً عن هزليتها، فإنها تتّسم بوضعها المريب، حينما تتم بين هذين في شراكة انقلابية، لا يمرر فيها الناضورجي اغتصاب اللص فحسب، بل يقوم بدور "شاهد الزور" الذي يضفي شرعنة على حالة اغتصاب واضحة.
لسنا أمام لعبة "عسكر وحرامية"، بل أمام قائد العسكر الذي لعبت برأسه السلطة ونشوتها ورغبته القاطعة في اعتلاء كرسي الرئاسة، فتحول من عسكر إلى حرامية، يغتصب السلطة من إرادة شعبية حرة، بعد اختطاف الرئيس مع سبق الإصرار والترصد، ومنعه من الكلام، والتقوّل عليه بكلّ فريّة، متحرياً الكذب الذي صار حرفته وادعاءه. نتحدّى الجنرال أن يترك الرئيس المنتخب يتكلم، ويتواصل مع شعبه، ويتحدث إليه، ولكن، منذ متى أمِن اللص؟ ومنذ متى واجه الغادر؟
قالوا ليست الصناديق هي الديموقراطية، وخرج "الطبّالون" و"الزمّارون" الانقلابيون يلوحون، إنها الإرادة الشعبية، وفعّلوا ممارسات عد الرؤوس ولعبة الحشود. لا نقول إنه لم تكن هناك احتجاجات، أو لم تكن هناك أعداد أعلنت غضبها على سياسات الرئيس المنتخب، ولكن، نستطيع أن نقول إن الآليات المتعارف عليها، والاحتجاجات الضاغطة، كان ممكناً أن تحقق هذه المطالب الشعبية، إلا أن العسكر وقوى الثورة المضادة، وأصحاب المصلحة من النظام السابق، قادوا ثورة مضادة في مواجهة ثورة يناير أهدافاً ومكتسبات. 
وفي هذا المقام، فإن العسكر، وبتدبير مسبق، تلقّفوا هذه الاحتجاجات، ليسوّغوا بذلك انقلاباً متكامل الأركان على الثورة والديموقراطية. يصل العسكر، مرة أخرى، وباستدعاء التيار المدني، وعلى رأسهم "المرشح رغم أنفه" "الكومبارس السنّيد"، ليمهّد الطريق نحو صندوق انتخاباتٍ يهدف لشرعنة زائفة على عملية سابقة التجهيز، والتأكيد على توريث مؤسسات تضمن المصالح، وتحمي تحالفات شبكات الفساد والاستبداد. على الجميع أن يعلم أن الطريق إلى صناديق الانتخابات لا يكون عبر صناديق الذخيرة، أو انقلابات العسكر.
وهم الشرعية الدولية: لأنهم يعانون من "بطحة" العزلة الدولية، يتخيّلون أن الشرعية الدولية التي لم يتحها لهم استفتاء الدستور، ستتيحها لهم انتخابات العسكر. وفي سبيل ذلك، يوظفون مقولة "الإرهاب"، لاستدعاء مخاوف الغرب، واستجداء مساندتهم، لإضفاء شرعية على انقلاب متكامل الأركان، فضلاً عن تبرير الاستبداد والفاشية العسكرية. وبصناعة هذه الفرية وتلك الأسطورة، يتوهمون أن إضفاء شرعية دولية كاذبة يمكن أن تجلب لهم الاعتراف بمنظومة انقلابية، مغفلين أنه لا تُضفى الشرعية إلا برضا الشعب واختياره، الرضا الحقيقي، لا الكاذب، والاختيار الشفاف، لا الزائف.
وهمُ الاستنفار بالمؤامرة ووهمُ التفتيت: من أكثر الأساطير تهافتاً، مقولة "الحفاظ علي الدولة لن يتأتى إلا بالمشاركة في الانتخابات واختيار السيسي!"، والأعجب من ذلك أنهم ببلاهة يتحدثون عن السيناريو الأسود: التفتيت وتقسيم الدولة!
ها هو صحافي العسكر، مصطفى بكري، يطالب الشعب المصري بالخروج بكثافة للتصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة: "لو لم يخرج الشعب بكثافة في الانتخابات المقبلة، سينهزم السيسي من داخله، وسيتربّص به المتربصون.. ويفتح ذلك الباب أمام المؤامرات ومخططات التقسيم الخارجية التي تتربص بمصر". بهذا التصريح، يحاول أن يروّج مفهوم المؤامرة الذي طالما وصفوه بالشمّاعة، حينما كان الرئيس محمد مرسي يشير إلى هذه الأصابع الخفيّة، وجعلوا ذلك مجالاً للاستنكار والسخرية، فإذا بصحافي العسكر يصرخ بالمؤامرة، مؤكداً على أن نزول الناس واختيار المنقذ الذي طالما بشّروا به يقضي عليها. فاستنفار المؤامرة من الآليات المعتادة التي يطلقها سَحَرة فرعون الجدد للتعبئة، وصناعة حالة من النفير العام الذي يحرّك عقلية القطيع، ويستدعي ممارسات العبيد. ولا بأس من منح صك الوطنية لمَن يشارك في الانتخابات، وأن مَن انتخب السيسي هو الأكثر وطنية!

مؤسسة الافتاء ووهم خطاب التعبئة: عودة الى خطاب التعبئة وتعليب المواقف، فإن دار الإفتاء "تحثّ المصريين جميعاً على المشاركة بفاعلية في الاستحقاقات الديموقراطية كافة، وإحداث حالة من الحراك الإيجابي". حينما تتدخل المؤسسات الرسمية، ومنها مؤسسة الإفتاء، لتسويغ الحشد والتعبئة في الانتخابات، متناسية الأجواء والسياقات الانقلابية، وعلى الرغم من إعلانها الحياد في هذا المقام، فإنها تغفل هزلية الانتخابات في مساراتها وظروف مزورة في مقدماتها ونتائج زائفة في مآلاتها؛ وهذا يعبّر عمّا تقوم به هذه المؤسسات من دور مرسوم، من دون أن تدري أن مقاطعة الشعوب مثل هذا النوع من الانتخابات هو عزوف عن إبداء شهادة زور في مسرحيةٍ هزلية عبثية. ومحاولة تدخل هذه المؤسسات الرسمية الدينية بالإفتاء، أو بغيره، ليس إلا تسويغاً لحالةٍ انقلابيةٍ شاركت فيها لإضفاء شرعية دينية على اغتصاب إرادة الأمة.

بين أسطورة مرشح الضرورة، ومرشحَين لا يملكان مؤهلات الترشّح، وبما يمثله كل منهما من أنه مرشح غير صالح، وبين التزوير الممتد للانتخابات والتوريث المستمر للمؤسسات، تأتي هذه الأساطير لتجابه خيار المشاركة. هذه الأساطير تؤكد أن هذه الانتخابات الرئاسية ليست إلا مسرحية هزلية. قاطعوا.. إنها المهزلة.   
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".