أسئلة جماعة الإخوان المندهشين
(1)
"نحن صمدنا أمام مؤامرات العسكر سنة كاملة، وفعلنا كل ما علينا، بقدر اجتهادنا، ولو كان أي أحد فاز بالرئاسة غيرنا، لم يكن سيتحمل أكثر من شهر". هكذا تحدث أحد أهم قيادات "الإخوان" أمام شباب من جماعته، وهكذا، أيضاً، يعتقد أفراد القواعد الإخوانية الذين يرددون عند أي انتقاد لتجربتهم، مثل ما ورد في مقالي السابق في "العربي الجديد" عن التعامل مع وزارة الداخلية، سؤالهم الأثير: "طيب قولي إنت كنت عايزه يعمل إيه؟"، يقولونه بدهشة وحيرة حقيقية، كأن كل ما جرى كان قدراً محتوماً.
(2)
تخبرنا تجارب كل الثورات وحركات التغيير أنه لا يوجد سوى طريقين لإصلاح مؤسسات الدولة: أولهما صدام كامل، يتطلب قتال تنظيمات السلطة، وكذلك ظهيرها الشعبي، وهكذا كانت تكلفة الثورات الروسية والإيرانية والفرنسية عشرات آلاف القتلى، بل وصلت كلفة الثورة الروسية إلى مليون ونصف قتيل، وما يحدث حولنا في سورية وليبيا صورة حديثة من ذلك الطريق.
لكن، هذا مستحيل تماماً في مصر، ليس فقط لارتفاع كُلفته، بل، أيضاً، لأنه يتطلب حاضناً شعبياً عميقاً في مجتمع منقسم، مثل الطبقية الحادة في المجتمع الفرنسي، أو الروسي القديم، أو اختلافات القبائل في ليبيا، أو صراع السنة والعلويين والشيعة في سورية والعراق. انعدام هذه القاعدة الشعبية هو ما انتهى بالتنظيمات الإسلامية المسلحة في الثمانينيات والتسعينيات، على الرغم من ضراوة قتالها وانتشار قواعدها، إلى هزيمة ساحقة، فلماذا يتمنى بعضهم تكرار ما أثبت فشله؟
(3)
الطريق الثاني هو التغير التدريجي أو "البنيوي"، أقرب إلى التغيير من الداخل تحت ضغط الخارج، وله ركنان أساسيان، هما توفر الدعم الشعبي، وتفكيك آليات السلطة.
يتوفر الدعم الشعبي عبر تشكيل تحالفاتٍ مع قوى سياسية وشعبية، وحتى أطراف من مؤسسات الدولة، على قيم شراكة حقيقية، وتقديم خطاب وطني جامع، يبتعد عن أي خلاف أيديولوجي.
تقولون إن الجميع يعاديكم منذ البداية؟ لن يكون وضعكم أسوأ من رجب طيب إردوجان، مثلكم الأعلى، والذي تمكن، عبر تقديم خطاب وطني جامع يرتكز على التنمية الاقتصادية والسعي إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، من احتواء خصومه، أو تخفيف شعبية خطابهم، ولم يبدأ التعديل التدريجي في الدستور والقوانين، والصراع السياسي الحاد، إلا بعد سنوات من الإنجازات، أسست له قاعدة شعبية عامة خارج معسكره.
وهذا ما فعلته تجارب التحول الديمقراطي، بعد الحكم العسكري في دول جنوب أميركا، وشرق أوروبا، وما يفعله، الآن، إخوانكم في حزب النهضة في تونس.
يبدأون القصة من مشهدها الثاني، ويتجاهلون مشهدها الأول: مختلف رموز القوى السياسية والشبابية من الاتجاهات كافة حول مرسي في اجتماع فندق "فيرمونت"، يؤيدونه ضد أحمد شفيق، تحت شعار "قوتنا في وحدتنا"، وهم أنفسهم الذين تحولوا تدريجياً إلى أشد أعداء الجماعة الذين يتلقون السُباب والتخوين من قواعدها الذين تحول شعارهم إلى "الشرعية والشريعة".
يتناسون أن جميع رموز المعارضة، بكبارهم وشبابهم، ذهبوا إلى لقاءات مع الرئيس، أو مستشاريه في القصر الجمهوري، للتوافق حول لجنة الدستور، وقد شاركت، شخصياً، في بعضها، وتوصلنا إلى حلول وسط بالفعل، ثم يُفاجأ الجميع، في الأسبوع التالي مباشرة، بهذا الإعلان، ونُصبح جميعاً في نظر قواعد الجماعة خونة، أو مغفلين، لأننا لم نؤيد ما لم يُسأل أي أحد فيه، بمن فيهم مستشارو الرئيس أنفسهم الذين استقالوا احتجاجاً. يريدون التوحد على أساس التبعية، لا الشراكة، ثم يندهشون من عدم قبول ذلك!
ثم كان أسوأ ما حدث اتخاذ "الإخوان" قراراً جنونياً بتعميق الاستقطاب الإسلامي العلماني، وبالاكتفاء بتحالفٍ يشمل حزب النور والجماعة الإسلامية وحزب العمل وأمثالهم، منذ لجنة الدستور، وحتى مظاهرات "الشرعية والشريعة"، أو مؤتمر الاستاد لنصرة سورية، حيث رددت الحشود هتافات التهديد للمعارضين العلمانيين أعداء الإسلام، ثم يتساءلون بدهشة، لماذا لا يقف الشعب والقوى السياسية معنا؟ لماذا يخافون من "الأخونة"؟
(4)
الخطوة الثانية هي تفكيك أدوات السلطة، أو آليات القمع، ويتم ذلك، بشكل رئيسي، بتغيير القوانين الحاكمة لهذه الأدوات، وأيضاً، عبر دعم بؤر التغيير داخل هذه المؤسسات. بشكل عام، تقوم البنية القانونية في النظام المصري على تركيز السلطة في رأس كل مؤسسة، وتخلو من آليات رقابة فعالة. كان المطلوب تغيير هذا الوضع بالضبط.
في مشهد يلخص كل شيء، يلوم وكيل مجلس الشعب الإخواني الأسبق، الدكتور فريد إسماعيل، ضباط الشرطة الذين يلقون القبض عليه، ويذكرهم بأنه، أقر، مع اللواء عباس مخيمر (رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، والفائز على قوائم الإخوان) قانون الشرطة من أجلهم، والذي يكاد يقتصر على رفع الأجور.
كان السيناريو البديل هو مشروع قانون مختلف جذرياً يعتمد على المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة، والذي تم تجهيزه من عدة منظمات حقوقية، وبمشاركة ممثلين عن ائتلاف "ضباط ولكن شرفاء"، ويتضمن تفاصيل كثيرة، تتلخص في آليات للرقابة على أداء الشرطة وأماكن الاحتجاز، وتغييرات إدارية كبيرة في هيكل الوزارة وأفرادها، وآليات للمحاسبة أو المحاكمة، بالإضافة إلى جوانب تخص تخفيف قبضة السلطة على أفراد الشرطة، منها تغيير آلية قرارات النقل والانتداب، وأيضاً إقرار حقهم في التنظيم النقابي (على الرغم من أن الشرطة قانوناً هيئة مدنية، لكن، تم حرمان أفرادها من أي تنظيم ذاتي، لكي يظلوا تحت يد السلطة).
دعم البؤر الإصلاحية هو جانب آخر تم إغفاله. بعد الثورة مباشرة، برز دور ائتلاف "ضباط ولكن شرفاء"، الذي كان شريكاً حقيقياً في مشاريع الإصلاح، فقامت قيادات الوزارة بالضغط على أعضائه، وأحالت منسقه، المقدم محمد عبد الرحمن، إلى المحاكمة التأديبية. وفي المقابل، تم دعم "الائتلاف العام لضباط الشرطة"، وسمحت الوزارة بوجوده في نوادي الشرطة، لأن مطالبه كانت تقتصر على الأجور والتسليح.
ويتم دعم مسار تفكيك آليات السلطة بشِقيه، بالضغط المجتمعي عبر القوى السياسية، وعبر القواعد الشعبية الإخوانية والشبابية. مثلاً، كان يمكن أن يكون تقرير مركز النديم عن وقائع التعذيب حدثاً قومياً جامعاً، يُفرد له الرئيس خطاباً، ويصدر قرارات حاسمة، بعد إيجاد رأي شعبي وسياسي عام حوله.
ما ينطبق على الشرطة ينطبق على الإعلام الذي ظل واقعاً تحت سطوة الموافقات الأمنية، وإدارة "المنطقة الحرة" في وزارة الاستثمار، وهو ما منع محاولة الاكتتاب العام لتأسيس قناة "الشعب يريد" بعد الثورة. لو كان تم رفع كل القيود عن إنشاء الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية كانت ستظهر طفرات إعلامية مستقلة مختلفة، تماماً عن إعلام رجال الأعمال.
لكن، بدلاً من ذلك، حاول الإخوان السيطرة بالآليات القائمة نفسها، عبر قرار محيي حامد، وزير الاستثمار الإخواني، يوم 27 يونيو/حزيران 2013، بإعادة تشكيل مجلس إدارة المنطقة الحرة، واستبعاد بعض رجال الأعمال منها، وإرسال إنذارات إلى القنوات.
وينسحب النموذج نفسه إلى إصلاح القضاء الذي كان يمكن فيه تغيير نظام اختيار دوائر التقاضي، ونزع سلطات رؤساء النيابات على عمل الوكلاء، وفصل سلطات التحقيق عن توجيه الاتهام، وبالمثل، ينطبق ذلك على قانون حرية تداول المعلومات الذي تجاهله وزير العدل، أحمد مكي، تماماً، على الرغم من تسلمه نسخة منه.
بعد عهد "الإخوان"، كررت رموز القوى المدنية، شريكة تحالف 30 يونيو الرهان الخاطئ نفسه، قاموا بدورهم بتكريس آليات السلطة، حتى طال القمع بعض أفراد أحزابهم وأبناء معارفهم، وتشوه تاريخهم إلى الأبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.