13 فبراير 2022
أسئلة الزمن "الداعشي"
قبل سبع سنوات، كتب الصديق الراحل حسام تمام، المتخصص في الحركات الإسلامية، مقالاً بعنوان "أسئلة الزمن السلفي"، طرح فيه مجموعة من الأفكار والإشكالات التي أثارها بروز التيارات والأفكار السلفية، وهيمنتها على الفضاء العام في العالم العربي آنذاك. كان تمام من أوائل الباحثين الذين تنبأوا بموجة الصعود السلفي التي سادت النصف الثاني من العقد الماضي، وتُرجمت، بشكل واضح، بعد "الربيع العربي". وقد طرح، رحمه الله، أسئلة مهمةً فتحت النقاش حول طبيعة المرجعية الفقهية الفكرية للقوى والتيارات السلفية، فضلاً عن مواقفهم من قضايا كثيرة، كالديمقراطية والمواطنة والمرأة والأقليات. وكانت نقطة الانطلاق فيما طرحه تمام هو فشل المشروعات الفكرية والإصلاحية لتيارات الإسلام السياسي التقليدية مثل جماعة "الإخوان المسلمين" وتراجعها وافتقادها الجاذبية، ما دفع إلى انتشار التيارات والأفكار السلفية وبروزها.
يمكن القول، الآن، بقدر من الثقة، إن العالم العربي تجاوز مرحلة "الزمن السلفي"، ولو مؤقتاً، ودخل فيما يمكن أن نسميها مرحلة "الزمن الداعشي" أو "الحقبة الداعشية"، والتي تطرح، أيضاً، أسئلة وإشكالات معرفية وفكرية وسياسية كثيرة، نحن بحاجة للإجابة عنها. وربما من نافل القول، إنه مثلما أن الأفكار هي بنت بيئتها، فكذلك القوى والتيارات السياسية، فتنظيم داعش ليس "نبتاً" شيطانياً، مثلما يذهب بعضهم، كما أنه ليس "تنظيماً" هبط علينا من كوكب المريخ في لحظة غفلة. وإنما هو انعكاس لحالة الفراغ السياسي، والخواء الفكري والأيديولوجي، الموجودة، الآن، في المنطقة العربية، وسط حالة من الاضطراب الإقليمي غير المسبوقة. من هنا، تبدو داعش كما لو كانت تعبيراً عن "حالة تمرد" جذرية على الواقعين العربي والدولي، أكثر من كونها تطرح نموذجاً فكرياً أو سياسياً متماسكاً. حتى الحديث عن "الخلافة" باعتبارها مشروعاً للحكم والسيطرة، فإنه يجري استخدامه بطريقة أداتية، من أجل التعبئة والحشد، تساعد على ملء الفراغ الموجود حالياً، بسبب فشل المشاريع السياسية والفكرية الأخرى، ناهيك عن انتكاسة "الربيع العربي" التي أعطت أطروحة "داعش" قدراً من الجاذبية.
لا تكمن جاذبية المشروع "الداعشي"، إذاً، في محتواه أو أطروحته، وإنما في قدراته "العدمية" وتمثلاتها الظاهرية التي تترواح من "الذبح" وحتى "تفجير الطائرات" والمطاعم والحانات، والتي تعطي شعوراً بالقوة والسيطرة، وإن لدى مؤيديه. وما يطرحه "الداعشيون" هو أقرب
إلى ما سماه الصديق محمد أبو رمان، في مقاله أمس (الاثنين، 23 نوفمبر/تشرين ثاني 2015) في "العربي الجديد"، "الرواية الأخرى" للواقع، والتي نجحوا، من خلالها، في جذب وتجنيد الآلاف من الشباب العربي والمسلم، سواء في منطقتنا أو خارجها. هذه "الرواية"، وبغض النظر عن صدقيتها وتماسكها، هي ما تلهم هؤلاء الشباب، وتدفعهم إلى الانضمام لـ "داعش". وهي روايةٌ، وإن كانت خيوطها تُنسج في خيال هؤلاء الشباب، إلا أنها تستمد قوتها وتأثيرها من تشابكها مع الواقع. فعندما يطرح تنظيم داعش نفسه باعتباره الطرف القادر على وقف اضطهاد السنة في العراق، أو بأنه المدافع عن المنطقة إزاء "التغول الشيعي"، أو باعتباره الطرف الوحيد الذي يستطيع، ليس فقط مقاومة "الصليبيين"، وإنما هزيمتهم وإرهابهم في عقر دارهم، مثلما حدث في فرنسا، قبل أيام، فهو إنما يستثمر في واقع سياسي واستراتيجي معقد ومتداخل، بشكلٍ يمنحه الدليل والبرهان على صدق أطروحته، أو "روايته"، ويغري كثيرين لتبنيها، بل والموت لأجلها.
بكلماتٍ أخرى، "داعش" هي أقرب ما تكون إلى حركة "عصيان" مسلحة، لا تختلف كثيراً، من حيث الأدوات والاستراتيجية والتكتيك، وليس قطعاً من حيث الأفكار والأهداف، عن الحركات التمردية والثورية التي ظهرت، طوال القرن العشرين، في أميركا اللاتينية، على غرار الحركات الشيوعية أو الماركسية. تبنت هذه الحركات، أيضاً، نموذجاً للحكم والسلطة، كانت ترفضه أنظمة إقليمية وقوى دولية كثيرة، لعبت دوراً في إفشاله وإجهاضه، مثلما تفعل الآن مع "داعش".
بيد أن الأخطر في "الرواية الداعشية"، خيالاً وواقعاً، يكمن فيما هو مسكوت عنه من أسئلة، وما تطرحه من تحدياتٍ، يجب الاشتغال عليها، من أجل تفكيك هذه الحالة "الداعشية". ولعل أهم هذه الأسئلة: هل نجحت "داعش"، بروايتها واستراتيجيتها وأدواتها، في أن تملأ الفراغ الأيديولوجي والفكري في العالم العربي، خصوصاً في ظل حالة القمع التي تتعرّض لها جماعات أخرى مؤثرة كـ "الإخوان المسلمين"، أو نتيجة لتراجع وانكفاء تنظيمات أخرى متشددة، كالقاعدة والسلفية الجهادية؟ وما هي تأثيرات هذا النجاح وتداعياته، إن صح، على مستقبل المنطقة العربية وأنظمتها ومجتمعاتها؟ وما السيناريوهات المطروحة إذا ما فشل "داعش" في تحقيق ما يصبو إليه من إقامة "إمبراطوريته"؟ هل سنجد أنفسنا إزاء نسخة وطبعة جديدة "داعشية" أكثر وحشية وهمجية وإفساداً، أم أن "داعش" نفسها سوف تذوب وتتحلل بلا رجعة؟ وما البديل الذي يمكن أن تطرحه القوى السياسية والأيدولوجية، إسلامية وغير إسلامية، لملء الفراغ الموجود حالياً في الفضاء العربي، والذي سمح لـ "داعش" بالتمدد فيه؟ وما موقفنا، نحن العرب والمسلمين، إذا ما استمرت "داعش" معنا فترة طويلة؟ هل سيأتي الفعل، أي فعل، من جانبنا لوقف هذه الحالة "الوحشية" من الفكر والسلوك والأيديولوجيا؟ وما الثمن الذي قد تدفعه مجتمعاتنا وشعوبنا ومنطقتنا، ما لم نقم بذلك؟
يمكن القول، الآن، بقدر من الثقة، إن العالم العربي تجاوز مرحلة "الزمن السلفي"، ولو مؤقتاً، ودخل فيما يمكن أن نسميها مرحلة "الزمن الداعشي" أو "الحقبة الداعشية"، والتي تطرح، أيضاً، أسئلة وإشكالات معرفية وفكرية وسياسية كثيرة، نحن بحاجة للإجابة عنها. وربما من نافل القول، إنه مثلما أن الأفكار هي بنت بيئتها، فكذلك القوى والتيارات السياسية، فتنظيم داعش ليس "نبتاً" شيطانياً، مثلما يذهب بعضهم، كما أنه ليس "تنظيماً" هبط علينا من كوكب المريخ في لحظة غفلة. وإنما هو انعكاس لحالة الفراغ السياسي، والخواء الفكري والأيديولوجي، الموجودة، الآن، في المنطقة العربية، وسط حالة من الاضطراب الإقليمي غير المسبوقة. من هنا، تبدو داعش كما لو كانت تعبيراً عن "حالة تمرد" جذرية على الواقعين العربي والدولي، أكثر من كونها تطرح نموذجاً فكرياً أو سياسياً متماسكاً. حتى الحديث عن "الخلافة" باعتبارها مشروعاً للحكم والسيطرة، فإنه يجري استخدامه بطريقة أداتية، من أجل التعبئة والحشد، تساعد على ملء الفراغ الموجود حالياً، بسبب فشل المشاريع السياسية والفكرية الأخرى، ناهيك عن انتكاسة "الربيع العربي" التي أعطت أطروحة "داعش" قدراً من الجاذبية.
لا تكمن جاذبية المشروع "الداعشي"، إذاً، في محتواه أو أطروحته، وإنما في قدراته "العدمية" وتمثلاتها الظاهرية التي تترواح من "الذبح" وحتى "تفجير الطائرات" والمطاعم والحانات، والتي تعطي شعوراً بالقوة والسيطرة، وإن لدى مؤيديه. وما يطرحه "الداعشيون" هو أقرب
بكلماتٍ أخرى، "داعش" هي أقرب ما تكون إلى حركة "عصيان" مسلحة، لا تختلف كثيراً، من حيث الأدوات والاستراتيجية والتكتيك، وليس قطعاً من حيث الأفكار والأهداف، عن الحركات التمردية والثورية التي ظهرت، طوال القرن العشرين، في أميركا اللاتينية، على غرار الحركات الشيوعية أو الماركسية. تبنت هذه الحركات، أيضاً، نموذجاً للحكم والسلطة، كانت ترفضه أنظمة إقليمية وقوى دولية كثيرة، لعبت دوراً في إفشاله وإجهاضه، مثلما تفعل الآن مع "داعش".
بيد أن الأخطر في "الرواية الداعشية"، خيالاً وواقعاً، يكمن فيما هو مسكوت عنه من أسئلة، وما تطرحه من تحدياتٍ، يجب الاشتغال عليها، من أجل تفكيك هذه الحالة "الداعشية". ولعل أهم هذه الأسئلة: هل نجحت "داعش"، بروايتها واستراتيجيتها وأدواتها، في أن تملأ الفراغ الأيديولوجي والفكري في العالم العربي، خصوصاً في ظل حالة القمع التي تتعرّض لها جماعات أخرى مؤثرة كـ "الإخوان المسلمين"، أو نتيجة لتراجع وانكفاء تنظيمات أخرى متشددة، كالقاعدة والسلفية الجهادية؟ وما هي تأثيرات هذا النجاح وتداعياته، إن صح، على مستقبل المنطقة العربية وأنظمتها ومجتمعاتها؟ وما السيناريوهات المطروحة إذا ما فشل "داعش" في تحقيق ما يصبو إليه من إقامة "إمبراطوريته"؟ هل سنجد أنفسنا إزاء نسخة وطبعة جديدة "داعشية" أكثر وحشية وهمجية وإفساداً، أم أن "داعش" نفسها سوف تذوب وتتحلل بلا رجعة؟ وما البديل الذي يمكن أن تطرحه القوى السياسية والأيدولوجية، إسلامية وغير إسلامية، لملء الفراغ الموجود حالياً في الفضاء العربي، والذي سمح لـ "داعش" بالتمدد فيه؟ وما موقفنا، نحن العرب والمسلمين، إذا ما استمرت "داعش" معنا فترة طويلة؟ هل سيأتي الفعل، أي فعل، من جانبنا لوقف هذه الحالة "الوحشية" من الفكر والسلوك والأيديولوجيا؟ وما الثمن الذي قد تدفعه مجتمعاتنا وشعوبنا ومنطقتنا، ما لم نقم بذلك؟