ومنذ أسابيع تراوح تونس مكانها بخصوص الحكومة، في سيناريو تُعاد حلقاته بنفس الطريقة تقريباً وبنفس العوامل واللاعبين، إذ يعجز النظام بكل مؤسساته عن إيجاد حل كلما كانت هناك مشكلة.
ويتضح اليوم أن النظام السياسي شبه البرلماني أو البرلماني المعدَّل، الذي وضعه المؤسسون إبان كتابة الدستور في المجلس التأسيسي، قد صيغ بمخاوف كثيرة من إمكانية تغوّل النظام الرئاسي، أو انزياح القرار نحو قصر الرئاسة قي قرطاج على حساب الشعب وممثليه، أي البرلمان. لكن ما لم يتوقعه المؤسسون هو أن تتحول الأزمات داخل السلطة التنفيذية نفسها، الدولة والحكومة، ما ينعكس بشلل كبير على كل مؤسسات الدولة ويعطل حلحلة الأزمات التي تعترض البلاد.
واليوم برغم أن أحزاباً ومنظمات تريد أن تغيّر رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتلتقي معها الرئاسة في ذلك، إلا أن أحداً منها لا يستطيع ذلك، ويمكن للأزمة أن تدوم طويلاً إذا رفض رئيس الحكومة أن يستقيل من تلقاء نفسه، أو فشلت أغلبية برلمانية في التشكل والدعوة لسحب الثقة من الحكومة.
ومثال اليوم مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد يقدم الدليل على أن هناك أزمة مؤسسات في تونس، إذ لا إجماع داخل الأحزاب ولا إجماع في البرلمان ولا توافق حول المخرج كما كان يحدث منذ سنوات.
وبقطع النظر عما إذا كانت هذه الدوائر على صواب في إقالته، وبقطع النظر أيضاً عن الجانب السياسي والحسابات الخاصة لكل جهة في ذلك، إلا أن القضية أصبحت دستورية وينبغي البحث عن حلها بالنسبة إلى المستقبل، حتى لا تلقى النخب السياسية المقبلة ميراثاً دستورياً يحكم عليها إما بالتوافق سياسياً بالضرورة أو دخول أزمات دورية كل نصف عام.
وربما يجدر بالمشرّع التونسي أن يكون حاسماً في خياراته، إما بمنح السلطة كاملة للبرلمان، أو يوضح العلاقة بين رئيسي السلطة التنفيذية، أي رئيس الدولة ورئيس الحكومة. ومن المفارقات أن الرئيس الذي هو منتخب مباشرة من الشعب ويعيّن رئيس حكومته، محدود الصلاحيات تنفيذياً ولا يستطيع تغيير الحكومة إلا بالمراهنة على مصيره في البرلمان، في حين أن رئيس الحكومة غير المنتخب يملك كل الصلاحيات ويحتفظ لنفسه بأحقية البقاء أو إدخال البلاد في أزمة.