قمة بروكسل... أزمة اللجوء تهدد مرورالبضائع بين الدول الأوروبية

27 يونيو 2018
صفوف المهاجرين في إيطاليا (Getty)
+ الخط -

من المتوقع أن يكون ملف الهجرة من المواضيع الرئيسية للقمة الأوروبية التي بدأت في بروكسل وتستمر غداً وبعد غد، لكن حتى الآن تعارض العديد من الدول عقد هذه القمة التي دعت لها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تواجه أزمة سياسة مع شريكها في الحكم. 

وترفض دول مثل المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا والنمسا سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن استقبال اللاجئين، وذلك حسب رويترز، كما تهدد ولاية بافاريا بإغلاق حدودها أمام المهاجرين.
وخلال الشهور الأخيرة، باتت قضية الهجرة المتفاعلة سياسياً لا تهدد فقط اتفاقية شينغن للعبور بين دول الاتحاد الأوروبي دون حواجز، لكن تهدد كذلك عبور تجارة الشاحنات بين أوروبا، خاصة على الحدود الإيطالية النمساوية والحدود النمساوية الألمانية.


ووفقاً لأرقام أوروبية رسمية في موقع الاتحاد الأوروبي حول التجارة البينية، فإن 2.25 مليون شاحنة تعبر سنوياً معبر "برينرباسيت"، أو باسو ديل برينيرو، كما يطلق عليه الإيطاليون، بين بلدهم والنمسا، شرق الألب. وهذا الرقم الضخم يعني أنه من بين أكثر المعابر الأوروبية انشغالاً، بواقع 6.250 شاحنة يومياً، أي 260 شاحنة كل ساعة، وفي المتوسط 4 شاحنات كل دقيقة.

وتعبر هذه الشاحنات التجارية حالياً بسلاسة في مقاطعة بولسانو، أو جنوب تيرول، في شمال إيطاليا، دون وجود رقابة حدودية أو جمرك يوقف السيارات للتفتيش والتحقق.

وإذا أضفنا الخطوط الأخرى، الفرنسية الإيطالية، فمن الممكن أن تصاب أوروبا بكارثة حقيقية، إذا ما غاب بالفعل التوافق الأوروبي حول سياسة الهجرة، بإعادة نصب حدود وتفتيش ما سيجعل الاكتظاظ وتوقف هذا العدد الهائل من الشاحنات على الحدود أمر لا يطاق اقتصادياً وبشرياً.

ببساطة إذا ما غاب الاتفاق سيعني ذلك أن بافاريا، التي يهدد زعيم حزبها "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، هورست سيهوفر، الشريك في الحكومة الائتلافية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بتطبيق سياسات هجرة خاصة بالولاية، وهو ما يعني تفكك أوروبا، بحسب وقائع الأزمة، وبالتالي، فإن التهديد الموجه للمستشارة ميركل بإيجاد حل سريع، يمنح الولايات الألمانية حق تقرير سياسة الهجرة الخاصة بها، أو اتفاق أوروبي بوقف الهجرة.
يذكر أن جغرافية بافاريا هي المشكلة للحدود الألمانية النمساوية، وبوجود شبه توافق بين المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، يمين متشدد، وسيهوفر ورئيس وزراء ولاية بافاريا، ماركوس سودر.

ويبدو التهديد بوقف امتداد هذا الخط الحدودي، أو فرض رقابة صارمة عليه، من شمال إيطاليا نحو النمسا باتجاه ألمانيا أيضاً، لوقف تدفق المهاجرين، كابوساً حقيقياً للاتحاد الأوروبي بفعل تأثير الدومينو الذي سيطاول حدود ومعابر تجارية أوروبية أخرى.
وتداعيات مثل هذا القرار إذا اتخذ، لن يطاول فقط سائقي الشاحنات، الذين يعبرون بالملايين سنوياً، والآلاف يومياً في مختلف المعابر، بل لن يستثني التنقل الداخلي الحر بين حدود الاتحاد.

ورغم أن أعداد المهاجرين واللاجئين شهدت انخفاضاً كبيراً مقارنة بما كان عليه الوضع في 2015، بعد التدفق الهائل على شوارع الدول الأوروبية، إلا أن ألمانيا ظلت في المقدمة كوجهة لأكثر من 740 ألفاً من الباحثين عن لجوء وهجرة نحوها في 2016، وفي العام الماضي 2017 وصل نحو 222 ألفاً. وهذه الأرقام تثير غضباً لدى ساسة بافاريا، الحدودية، كمعبر أساسي لهذه الهجرة مروراً بدول أوروبية أخرى. ومنذ يناير/كانون الثاني وحتى إبريل/نيسان هذا العام تقدم نحو 63 ألفاً باللجوء في ألمانيا.
ولكن لم يخفف هذا الانخفاض في عدد المهاجرين من خوف المهاجرين لدى المعسكر الألماني المناوئ للهجرة والذي يرى بأن بلده "غير قادر على استيعاب كل تلك الأعداد ودمجها في الحياة وسوق العمل".

ويشير هؤلاء إلى التكلفة الاقتصادية الكبيرة على شكل تأمين مأوى وتعليم ومعونات مالية (مساعدة شهرية بحسب الوضع الخاص للأسرة وحجمها)، مع أرقام يبرزها بشكل دائم ساسة اليمين حول "استنكاف كثيرين من الانخراط في سوق العمل"، إلى جانب الدوران في حلقة مفرغة حول طبيعة الإقامات التي تمنح بصفة مؤقتة (سنوياً) ما يجعل وضع اللاجئ "غير مستقر بغياب أفق لم شمل الأسرة وغياب التركيز على الاندماج"، كما يصف هذا الواقع محاضر عربي في شؤون الدمج في بافاريا لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم نشر اسمه.

وإذا كان الجانب السياسي في الخلاف الأوروبي حول الهجرة هو الحاضر الأقوى إعلاميا، فإن الجانب المالي والاقتصادي حاضر بقوة على طاولات البحث والضغوط، في الأروقة والتشريع. فإيطاليا تكرر مراراً أنها "صرفت أكثر من 5 مليارات يورو على نحو 140 ألف لاجئ خلال 4 سنوات"، وذلك وفقاً لتصريحات وزير الاقتصاد من اليمين المتشدد في حركة "خمسة نجوم"، لويجي دي مايو.

وأثارت اليونان سابقاً مثل هذه الأعباء الاقتصادية، في ظل اقتصادها المأزوم، بل لم تتردد دول اسكندنافية ثرية بطرح التكلفة المالية والاقتصادية لإيواء اللاجئين، وهو ما يعول عليه اليمين المتشدد في السويد والدنمارك لزيادة حصتهما في صفوف الناخبين على أبواب انتخابات عامة.
الخطاب الشعبوي الأوروبي، في تركيزه على الأعباء الاقتصادية، يضرب مراراً أمثلة في ألمانيا والسويد والدنمارك والنمسا وإيطاليا حول "واجب مساعدة المواطنين الأكثر فقراً قبل صرف المليارات على اللاجئين".

ومثل هذا الخطاب يلقى استحساناً وقبولاً في الشارع، خصوصاً مع تفاقم أزمات اجتماعية ومالية لأكثر الطبقات الاجتماعية فقراً، وليس غريباً أن يستدعي المعسكر الشعبوي حالة "أشخاص وطلاب بلا مأوى" لإجراء "مقارنة مع ما يحصل عليه اللاجئون من دعم مالي".
بل إن بعض القصص التي يركز عليها هذا اليمين المتشدد تذهب للاستعانة بتصريحات بعض اللاجئين "هؤلاء ممتعضون من تناقص قيمة المساعدة المالية لأنهم بالأصل مهاجرين اقتصاديين وليسوا لاجئين"، كما جاء مؤخرا في حملة لليمين المتشدد في الدنمارك، ولدى زملائهم في "البديل" لأجل ألمانيا و"ديمقراطيي السويد".

وذلك على الرغم من خفض قيمة المعونات المالية المقدمة للاجئين في عدد من دول الاتحاد الأوروبي. ففي الدنمارك ومنذ العام 2015، تم تخفيض قيمة المساعدة المالية، ووقف سهولة لم الشمل، ما جعل وزيرة الهجرة الدنماركية إنغا ستويبرغ تتفاخر بمثل هذه السياسة التي سمتها "جعل بلدنا أقل جذباً"، وبالفعل لم تشهد الدنمارك منذ تلك التشديدات أي تدفق كبير. وتبعتها دول أخرى في تخفيض المساعدة المالية.

وتتراوح معظم المساعدات الشهرية الممنوحة لطالبي اللجوء بين 150 و200 يورو للمقيمين في المعسكرات، ونحو 250 إلى 300 يورو للمقيمين خارج المعسكرات. وهذا ينطبق على دول اسكندنافيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا، فيما إسبانيا وإيطاليا واليونان لا تقدم مثل هذه المساعدات الثابتة.

وفي الدنمارك، يعتبر امتلاك طالب اللجوء ما قيمته 1500 يورو (10 آلاف كرونة دنماركية)، على شكل أموال أو ممتلكات ثمينة قابلة للبيع، مانعة لتلقي المساعدة قبل صرفها، فيما النرويج تطبق سياسة حوالي 400 يورو.

ورغم ذلك تفيد الأرقام الرسمية لبعض الدول بقاء نسبة كبيرة من المهاجرين خارج السوق، وأجرت كوبنهاغن واستوكهولم وأوسلو العديد من الإصلاحات على نظام المعونة الشهرية بحيث تكفي فقط "للبقاء على قيد الحياة"، مع إمكانية الحصول على إعانة إضافية لمن لديهم أطفال تتراوح بين 200 إلى 300 يورو فوق مبلغ المساعدة الذي يصل في المتوسط إلى نحو 600 يورو شهرياً. وبالنسبة للعلاج، تكتفي بعض الدول بتقديم "علاجات ضرورية" فقط لطالبي اللجوء في المعسكرات وخارجها.