أزمة السكر في السودان.. مرارة الأسعار وتلاعب في السوق

07 يونيو 2016
سوادنيون يزنون أكياساً صغيرة من السكر بمخيم للاجئين(فرانس برس)
+ الخط -

انقضى يوم الخمسينية السودانية سامية محمد، بينما تبحث عن اسمها ضمن قوائم توزيع سلعة السكر التي أعدها مسؤولو اللجان الشعبية في الحي الذي تقطن فيه، بعد أن تم الإعلان عبر مكبر الصوت الخاص بمسجد الحي، عن توزيع جوالات سكر سعة عشرة كيلوجرامات، بواقع جوالين لكل أسرة، قيمتهما 71 جنيها، أي ما يوازي 11 دولارا أميركيا (يبلغ السعر الرسمي للدولار مقابل الجنيه 6.39 جنيهات لكل دولار).

لم تجد الحاجة سامية اسم أسرتها ضمن القائمة، وتم تحويلها إلى لجنة شعبية تابعة لحي آخر، لكنها لم تجد اسم العائلة أيضا. وبعد إجراء اتصالات ومراجعات قرر المسؤولون إدراجها ضمن لجنة سكان الحي الأوسط بدلا من الحي الشمالي الذي تقطن فيه، "لكن للأسف عند اكتمال ذلك الإجراء كانت كمية السكر المخصصة لذلك الحي قد نفدت" كما تقول الخمسينية السودانية سامية بصوت مليء بالحسرة، إذ إن سعر الجوال من ذات السلعة في السوق وصل إلى 90 جنيها (14 دولارا)، فيما كان سعره 60 جنيها قبل شهر واحد (9.4 دولارات).


أزمة سكر متكررة

يعاني السودانيون، في هذا الوقت من كل عام، من أزمة في سلعة السكر، يصحبها ارتفاع ملحوظ في أسعار السلعة الاستراتيجية، وفقا لما أكده مواطنون سودانيون لـ"العربي الجديد"، من بينهم رب الأسرة كمال علي، الذي وصف بنبرة حادة وغضب كبير، محتكري سلعة السكر بأنهم "عديمو الرحمة"، لا يراعون حرمة الشهر الفضيل، ويستغلون قدوم شهر رمضان لتحقيق أرباح خرافية.

يضيف علي، الذي التقته معدّة التحقيق، وهو يحمل حصته من السكر التي خصصتها اللجان الشعبية لكل أسرة "أين دور الحكومة في مواجهة جشع التجار، لا يمكن أن يصل سعر جوال السكر سعة 50 كيلوجراما إلى 500 جنيه (حوالى 78 دولارا) خلال شهر رمضان ثم يعود 300 جنيه (46 دولارا) بعد انقضاء الشهر.

غير أن الستيني أحمد المبارك، بدا غير مكترث بما توزعه اللجان الشعبية من سلعة السكر، على الرغم من فارق السعر بينه وبين السوق، وبرر ذلك بأنه لن يساهم في أن تربح الحكومة فارق السعر، إذ يتم بيع الحصص الموزعة عبر اللجان الشعبية بأسعار أقل من سعر السوق، لكنها في ذات الوقت أكثر من السعر السابق قبل رمضان. فيما أكد صاحب أحد محال البيع بالتجزئة في العاصمة الخرطوم، أحمد عمر، أن أزمة السكر مفتعلة، من قبل من أسماهم بمافيا السكر، وزاد قائلاً "هناك تجار محددون تتعامل معهم شركات السكر، وهؤلاء لديهم علاقات مباشرة مع جهات حكومية".

وتمتلك الحكومة السودانية 4 مصانع لإنتاج السكر تخضع جميعها لإدارة السكر السودانية، وهي (الجنيد وحلفا الجديدة وسنار وعسلاية)، بالإضافة إلى بعض مصانع القطاع الخاص.


حماية المستهلك: سببان لأزمة السكر

يُرجع رئيس جمعية حماية المستهلك السودانية، نصر الدين شلقامي، أسباب ارتفاع أسعار السكر في الفترة التي تسبق شهر رمضان من كل عام، إلى جشع التجار وتسببهم في ندرة مفتعلة، إذ يعمدون إلى تخزين السكر، ما يتسبب في هلع للمستهلك الذي يضطر إلى شراء السلعة وفقا للسعر الذي يتحكم فيه هؤلاء التجار.

ويعتبر شلقامي، في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، أن سياسة الحكومة بتحرير السكر ورفع الدعم عن سعره أدت بصورة مباشرة إلى ارتفاع أسعاره. معتبراً أن حل المشكلة يكمن في تفعيل قانون المنافسة الحرة ومنع الاحتكار الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء. وكشف رئيس جمعية حماية المستهلك عن طلب رفعته الجمعية إلى الجهات المختصة لتفعيل التعاونيات وتوفير السلع الأساسية للمواطنين عبرها باعتبارهم شركاء في رأسمالها. واعتبر أن طرح كميات من السكر في بعض المراكز والأحياء كعلاج مؤقت للأزمة لا يعدو كونه عملية إطفاء مؤقتة لحرائق الأسعار، التي لا تلبث وتشتعل مرة ثانية.

وفي ذات السياق، كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن شركة السكر منحت الاتحاد التعاوني كمية من السكر غير المعبأ ليتم تعبئته في جولات سعة 10 كيلوجرامات ومن ثم بيعها للاتحادات والتعاونيات بسعر 71 جنيها (11 دولارا)، إلا أن الجهة التي أوكل إليها مهمة التعبئة لا تتوفر لديها الإمكانات اللازمة لإنجاز هذه المهمة، ما أدى إلى تعبئة جزء قليل لم يغط حاجة جميع المواطنين. ولفت المصدر إلى أن السكر الذي تم تعبئته عبر شركة السكر السودانية يقدر بحوالى ألف جوال زنة 10 كيلوجرامات، تم توزيعها على العاملين في الدولة عبر الاتحادات المهنية.

غير أن رئيس الغرفة التجارية في ولاية الخرطوم، حسن عيسى، يُرجع ارتفاع أسعار السكر إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السكر العالمية، قائلا لـ"العربي الجديد"، "قلة كمية السكر المستورد، وعدم طرح الشركات المحلية العامة والخاصة، إنتاجها مباشرة في السوق لسد النقص، أدى إلى جفاف السوق، ومن ثم ارتفاع الأسعار من 280 جنيها (43 دولارا) إلى 350 جنيها، وفي فترة لاحقة وصل إلى 450 جنيها (70 دولارا).

وكشف رئيس الغرفة التجارية عن ما أسماه بالسبب الرئيس في خلق أزمة السكر قائلا "الدولة تركت أمر توزيع الكميات المنتجة من السكر للشركات، والتي تقوم بتوزيعها بطريقتها الخاصة بدلا من أن توكل المهمة للتجار مع فرض رقابة عليهم". ولفت إلى أن ولاية الخرطوم تحتاج إلى ما يقارب 2000 طن من السكر في اليوم الواحد خلال شهر رمضان. وأردف قائلاً "الولاية وفرت هذه الكميات، لكنها لم توزع بالصورة الصحيحة، لذلك نجد توفر سلعة السكر لكن أسعارها مرتفعة بسبب سوء التوزيع".
 
وبحسب مصدر في شركة السكر السودانية، فإن الإنتاج الكلي للشركة، بمصانعها الأربعة لهذا العام، يبلغ 275 ألف طن، فيما يبلغ إجمالي إنتاج مصانع السكر (قطاع عام وخاص) في البلاد 800 ألف طن، ويوجه إنتاج مصانع القطاع الخاص إلى التصدير بشكل أساسي. ووفقا لخبراء واقتصاديين، فإن هذه الإنتاجية غير كافية لسد حاجة البلاد من السكر، إذ يصل العجز إلى حوالي 500 ألف طن.


مكاسب حكومية

على الرغم من تصريحات الحكومة السودانية، حول العمل على توفير سلعة السكر للمواطنين بأسعار أقل من سعر السوق، لمواجهة تلاعب التجار، فإن الاتحادات العمالية واللجان الشعبية التابعة للحكومة والتي تقوم بالتوزيع تخرج بأرباح طائلة، كما وثقت مُعدة التحقيق وفق عملية حسابية باستخدام المعطيات التي توصل إليها التحقيق، إذ إن احتياج ولاية الخرطوم اليومي من السكر والمقدر بحوالى 200 ألف جوال سعة 10 كيلوجرامات وفق إفادة رئيس الغرفة التجارية في الولاية، تبيعه شركة السكر للمؤسسات الحكومية والاتحادات بواقع 61 جنيها للجوال، فيما يصل للمواطن بسعر 71 جنيها، بواقع ربح 10 جنيهات عن كل جوال تحصدها تلك الجهات، أي بإجمالي ربح يصل إلى 2000000 جنيه.

ما الحل لمواجهة الأزمة؟ يجيب رئيس الغرفة التجارية في الخرطوم ورئيس جمعية حماية المستهلك عن السؤال السابق، بضرورة وضع ما أسمياه بالخطة الشاملة لتجنب حدوث مثل هذه الأزمة خلال الأعوام المقبلة، والتعامل مع السكر كسلعة استراتيجية، ووضع كميات منها ضمن المخزون الاستراتيجي للدولة للتدخل بشكل فوري عند تعطيش السوق وتلاعب التجار فيه.

دلالات