غير أن هذا التغيير، إن حصل، في البرلمان، لن يغيّر المشهد السياسي كلياً، لأن "حركة النهضة"، كانت حاسمة في اعتبارها أنها "غير معنية بقيادة الحكومة"، كما أن الكتلة الجديدة المنبثقة من "النداء" أعلنت مواصلتها تأييد حكومة الحبيب الصيد، حسبما يؤكد النائب حسونة الناصفي لـ"العربي الجديد".
ويضيف الناصفي أن "الكتلة الجديدة ستضمّ أكثر من 32 نائباً، وقد تضمّ نواباً آخرين من نداء تونس ومن غيره من الأحزاب". ويشير إلى أن "لا تراجع عن هذا الموقف، لأن مناضلي نداء تونس سئموا من الحالة التي وصل إليها الحزب، على الرغم من مناشداتهم المتكررة رئيس الحزب ومؤسسه ومختلف هياكله التنظيمية، بالتدخّل لوضع حدّ لحالة الانقسام، التي طُرحت منذ ولادة ما سُمِّي بالتيار التصحيحي، الذي أعلن عنه حافظ قائد السبسي منذ أشهر. غير أنه لا أحد استجاب للنداءات المتكررة لإنقاذ الحزب".
ويتابع الناصفي: "إن الكتلة الجديدة متمسكة بانعقاد الهيئة التنفيذية للحزب، التي تمّ تعطيل اجتماعها في مدينة الحمامات بالقوة (يوم الأحد)، لأنها الهيكل الشرعي الوحيد الذي يضم النواب والمؤسسين والهياكل في مختلف الجهات، وتعكس التمثيل الحقيقي في الحزب. وفي حال لم يتم انعقاد الهيئة، في الأيام القليلة المقبلة، فسيتم تشكيل الكتلة الجديدة".
ويشدّد على أن "موقف الكتلة الحالي هو مواصلة مساندة الحكومة، حفاظاً على حالة الاستقرار السياسي، لأن البلاد لا تحتمل هزّات جديدة، قد يحدثها التراجع عن ذلك". وينفي أن "تكون هناك نية تأسيس حزب جديد". مشيراً إلى أن "الكتلة الجديدة أكدت التزامها بالمشروع السياسي الذي قام عليه حزب نداء تونس، وهو مشروع حداثوي ديمقراطي، سقطت منه للأسف الممارسة الديمقراطية".
من جهته، يتحدى النائب عن "نداء تونس" خالد شوكات، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "يتجاوز عديد المجموعة الجديدة الـ15 نائباً". كما يرى أنها "غير قادرة على تغيير المشهد السياسي". ويتساءل بعض المراقبين عن مدى تأثير قرار تشكيل كتلة جديدة، على الصراع القائم بين حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، وأمين عام "نداء تونس" محسن مرزوق، وما إذا كانت ستنتمي هذه الكتلة إلى جناح مرزوق كما يُروّج. كما يُطرح أسئلة من نوع: إلى أي حدّ يُمكن أن تبقى هذه الكتلة الجديدة، إن وُجدت، متجانسة في قراراتها داخل البرلمان، وإلى أي حدّ يُمكن أن تحافظ على دعمها للحكومة، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار النيابي والسياسي.
اقرأ أيضاً: سيناريو انشقاق "نداء تونس" يقترب
وتُعدّ الكتلة الجديدة بمثابة "خليط" بين مستقلّين انضموا إلى دعوة الباجي قائد السبسي الأولى عند تأسيس الحزب، ودستوريين تجمعّيين (نسبة إلى التجمّع المنحلّ) ويساريين ونقابيين، وأشخاص من مختلف الجهات. وهو ما يُهدّد قدرة الكتلة على الصمود كوحدة واحدة أمام تنوّع مشاربها السياسية واختلاف مكوّناتها وبرامجها. وربما قد تشهد تلك الكتلة في المرحلة التالية، حالة جديدة من "النزوح الحزبي" إلى كتل أخرى، أو تصطف خلف مواقف كتل أخرى في العمل البرلماني اليومي، ما قد يقود إلى إرهاق الحكومة تدريجياً من خلال معارضة بعض قوانينها ومشاريعها. غير أن مصادر نيابية في "مجموعة الثلاثين" تُشدّد لـ"العربي الجديد"، على أن "هذا الأمر لن يحدث، وأن مجموعتهم متجانسة، وأنهم يرفضون وضعهم تحت يافطة محسن مرزوق في صراعه مع حافظ قائد السبسي".
وهو ما تؤكده، أيضاً، القيادية البارزة في الحزب، بشرى بلحاج حميدة، المعروفة بميولها اليسارية، على صفحتها على موقع "فيسبوك"، أن "النواب الذين جمّدوا نشاطهم في الحزب ليسوا جماعة محسن مرزوق وأي قيادي، بل هم جماعة النداء، ويواصلون نشاطهم العادي في المجلس مع بقية نواب كتلة نداء تونس. وموقفنا واضح، وهو رفض العنف ووضع حدّ له والعودة إلى المكتب التنفيذي لتحديد تاريخ وصيغة المؤتمر". ويذهب نواب آخرون من "النداء" إلى حدّ القول لـ"العربي الجديد"، إن "الاصطفاف الحالي لا يتم وفق قاعدة: من مع مرزوق ومن مع السبسي، بل على قاعدة مناقضة وهي: من ضد مرزوق ومن ضد السبسي".
بالتالي، يبدو الموقف العام لـ"نداء تونس" وللحكومة التي يقودها، نظرياً، في حالة ارتباك كبيرة، فوزراء "النداء" في وضع صعب للغاية، لناحية اختيار أحد الجناحين. وفي حين اختار بعض الوزراء الإفصاح عن مواقفهم بمساندة حافظ قائد السبسي صراحة، مثل وزير الصحة سعيد العايدي، ووزير النقل محمود بن رمضان، ووزيرة السياحة، سلمى اللومي الرقيق، ووزير التربية، ناجي جلول، ووزير المالية، سليم شاكر، ومدير الديوان الرئاسي، رضا بلحاج، بقي وزير الخارجية، الطيب البكوش، ورئيس الحزب، رئيس البرلمان، محمد الناصر، على خط المراقبة وانتظار ما ستؤول إليه الأحداث.
ووفقاً لمعلومات "العربي الجديد"، فإن "الناصر يقود، منذ يومين، مساعيَّ للمصالحة"، يشكّ كثر في إمكانية توصلها إلى نتائج إيجابية حقيقية، على اعتبار أنه "حتى لو تمّ تفادي الانقسام حالياً، فإنه سيقع حتماً بعد شهرين، إذا انعقد المؤتمر، وسيكون الخاسرون إلى أي طرفٍ انتموا، في الموقف نفسه الحاصل في الانقسام الحالي، حتى نهاية العهد البرلماني الحالي في عام 2019".
من جهته، أعلن النائب الناصر شويخ أنه "سيُطلق مبادرة جديدة لحلّ الأزمة في النداء، تقوم على إعفاء الرئيس الحالي للحزب، محمد الناصر، الذي لم يعد قادراً على التوفيق في مهامه كرئيس للحزب ورئيس للمجلس النيابي، في الوقت عينه، فضلاً عن اختيار أو انتخاب رئيس جديد". ويطرح شويخ اسمي رضا بلحاج، مدير الديوان الرئاسي أو سليم شاكر وزير المالية. كما يدعو إلى تعيين مجموعة محايدة، من أجل الإعداد اللوجستي للمؤتمر، على ألّا يترشح أعضاء المجموعة لأي منصبٍ في المؤتمر، وترك المجال للقيادة الجديدة لقيادة جهود المصالحة حتى انعقاد المؤتمر.
وفي حالة فشل هذه المساعي، فستجد الحكومة التي نالت رقماً قياسياً في عدد الأصوات الداعمة لها، بلغت الـ166 صوتاً، أمام وضعية جديدة ومغايرة لوضعها الحالي. وفي هذا الصدد، ظهرت بعض الإشارات المُطالبة بالتغيير الحكومي، ومنهم القيادي البارز في "الحزب الجمهوري "عصام الشابي، الذي دعا خلال ندوة صحافية لحزبه، أمس الخميس، إلى "تغيير الفريق الحكومي ووضع برنامج وطني متفق عليه للاستجابة لمتطلبات المرحلة"، مؤكداً أن "حزبه لا يستهدف شخص رئيس الحكومة". ويحذّر الشابي من مخاطر ما وصفه بـ"الصراع المدمّر الذي يعرفه حزب نداء تونس، لأن التونسيين انتخبوهم لحل مشاكلهم فأصبحوا أكبر مشكل للتونسيين". وينتقد الشابي بشدة الرئيس، الباجي قائد السبسي، بسبب "تدخله في أزمة نداء تونس، وكأنه ما يزال رئيساً للحزب، وهو ما يُشكّل خرقاً للدستور".