يستمرّ تأثير الحرب على المحافظات اليمنية الخاضعة للحكومة، خصوصاً على قطاع التعليم، الذي يعاني أزمات متراكمة. صحيح أن المعنيين متفائلون ويعملون على تأمين النقائص، إلا أن قطاع التعليم يواجه تحديات كبيرة في البلاد.
يتوجّه التلاميذ في المحافظات الخاضعة للحكومة اليمنية إلى مدارسهم، اليوم، في أول يوم دراسي للعام الجديد 2018 ــ 2019، على أمل تجاوز الصعوبات التي رافقت العمليّة التعليمية العام الماضي والناتجة عن الحرب. وواجه التلاميذ في المناطق المحررة من سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين تحديات كثيرة العام الماضي، على رأسها ازدحام المدارس وعدم توفر المدرسين والكتاب المدرسي في بعض المناطق، وتضرر عدد من المدارس من جراء المواجهات المسلحة.
في السياق، يبدو التلميذ في المرحلة الثانوية في مدرسة الأنهار في مدينة تعز محمد عبد الحق متفائلاً بالعام الدراسي الجديد، إذ أن آثار الحرب تتلاشى مع مرور الأيام، وإن ببطء. يضيف لـ "العربي الجديد": "أتمنى أن يمضي العام الدراسي الجديد من دون منغصات أمنية أو مواجهات مسلحة تمنعنا من الذهاب إلى المدرسة". ويشير إلى أن عدم توفر الكتاب المدرسي في بعض المراحل الدراسية كان إحدى أهم المشاكل التي واجهت التلاميذ العام الماضي. ويطمح عبد الحق إلى تحقيق نسبة نجاح عالية في المرحلة الثانوية. "لكن هذا يرتبط بمدى قدرة المدرسين هذا العام على تقديم الدروس بشكل جيد. يجب أن يكون للمدرسين أساليب وطرق جديدة لإيصال المعلومات بأساليب حديثة"، لافتاً إلى أن أعداد المدرسين كبيرة في بعض المدارس، "لكن عدد التربويين قليل جداً ونادر". ويوضح أنه وبقيّة زملائه يدرسون في الصف الثالث الثانوي، وهو الأكثر تضرراً في حال عدم انتظام العملية التعليمية، لأن الشهادة الثانوية تحدّد مستقبلهم الجامعي.
المدرسة بالنسبة لفتيات كثيرات تشكّل متنفساً لهن بعد بقائهن في منازلهن طوال العطلة الصيفية. من بين هؤلاء التلميذة مريم عبد الفتاح، وهي في الصف الثامن في مدرسة العبادي في عدن. تعرب عن سعادتها في العام الدراسي الجديد، وقد اشتاقت إلى زميلاتها ومدرّساتها. تذكر مريم بعض المشاكل التي رافقت العملية التعليمية العام الماضي، مؤكدة أنّ ازدحام التلاميذ في الصف يجعلها غير قادرة أحياناً على استيعاب الدروس. تقول لـ "العربي الجديد": "يبلغ عدد التلميذات في الفصل الدراسي أكثر من 85 تلميذة". واقع لا يشعرهن بالراحة، ويجعلهن غير قادرات على التنفس في ظل درجة حرارة مرتفعة في عدن، ما يزيد من معاناة التلميذات. في هذا الإطار، تعاني بعضهن من ضيق في التنفس ومشاكل صحية أخرى.
من جهته، يتحّدث حسن باحميد عن النشاطات الترفيهية الغائبة في مدارس العام الماضي. ويقول لـ "العربي الجديد": "النشاطات الرياضية والترفيهية والمسابقات التي كانت تنظّم في المدارس قبل الحرب لم تعد موجودة، علماً أنها تساهم في تعزيز وعي التلاميذ وتنمية مهاراتهم ومواهبهم". يضيف: "تأثرت الدراسة كثيراً بسبب الحرب". لكنه يؤكد أن واقع التعليم في حضرموت أفضل بكثير بالمقارنة مع بقية المحافظات اليمنية. "في حضرموت، تهتم العائلات بالتعليم. لذلك، يحرص الجميع على أن تبقى المدارس مفتوحة، وإن حدثت بعض المشاكل الأمنية".
ويشير إلى أن تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية في حضرموت يحافظون على سلامة الكتب المدرسية التي يحصلون عليها في بداية كل عام، على أن يسلموها بعد انتهاء امتحانات نهاية العام لإدارة المدرسة، التي تعيد توزيعها على آخرين في حال لم تزودها وزارة التربية والتعليم بكتب جديدة. وعلى الرغم من أن المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بدأت الالتزام بصرف رواتب المدرسين والموظفين، إلا أن المدرسين في تلك المحافظات يشكون تدهور أوضاعهم المادية. يقول جميل سلطان، وهو مُدرّس في إحدى المدارس الحكومية في تعز، إنه وغيره من المدرسين يعانون أوضاعاً معيشية صعبة بسبب تأخر حصولهم على رواتبهم وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة المعيشية من جراء ارتفاع الأسعار في الأسواق، وعدم كفاية الرواتب التي تُصرف من قبل الحكومة. ويؤكد سلطان لـ "العربي الجديد" أن العام الدراسي الجديد يحمل معه معاناة وتحديات كبيرة تتمثل في نقص الكوادر التعليمية والازدحام في الفصول الدراسية، ما يؤدي إلى عدم القدرة على الشرح والإجابة على الأسئلة الخاصة بالتلاميذ. ويشير إلى أنه يعجز عن ضبط التلاميذ في الصف بسبب العدد الكبير، "ولا يأخذ كل تلميذ حقه لناحية المشاركة والتفاعل".
الأمر نفسه يشير إليه الموجه التربوي في مكتب التربية والتعليم في محافظة تعز أبو فراس صبر. يعاني كغيره من مدرسي ومدرسات المحافظة بسبب عدم حصولهم على رواتبهم خلال الأعوام السابقة بسبب الحرب التي تشهدها البلاد. ويؤكد صبر لـ "العربي الجديد": "نزح بعض التربويين إلى الأرياف أو محافظات أخرى، وبعضهم لم يستطع العودة للعمل في المدرسة أو المديرية التي كان يعمل فيها". ويشير إلى أن غالبية العاملين في القطاع التعليمي يتواجدون خارج المديريات المحررة وغير قادرين على العودة للعمل في مدارسهم، والبعض لم تعد لديه الرغبة بالعودة للتدريس. وهذه إحدى المشاكل التي تواجه قطاع التعليم في تعز". ويتابع صبر: "تتعدد المشاكل التي تواجه العملية التعليمية في مدينة تعز المحررة، منها غياب المدرّس وتأخر صرف حقوق المدرّسين، وعدم توفير الكتاب المدرسي حتى الآن". ويلفت إلى أن بعض المدارس في مدينة تعز ما زالت تحت سيطرة قوات عسكرية تابعة للجيش والمقاومة، ولم يتم إخلاؤها على الرغم من دعوة مكتب التربية لضرورة إخلائها من التواجد العسكري، وتجهيزها لاستقبال التلاميذ مع بداية العام الدراسي الجديد. ويؤكد أن مدرسة سبأ الأساسية الثانوية للبنين ومجمع هائل سعيد للبنات ودار التوجيه الاجتماعي ومعهد الأشخاص المعوقين حركياً ومدرسة 14 أكتوبر في مديرية المظفر ما زالت مغلقة أمام التلاميذ وتستخدم كمقرات عسكرية.
يُجمع التلاميذ والعاملون في القطاع التربوي على مشكلة انعدام الكتاب المدرسي وعدم قدرة الإدارات المدرسية على توفيره للتلاميذ، ما يؤدي إلى إرباك في العملية التعليمة والتأثير سلباً على مستقبل التعليم في المناطق المحررة. يقول مدير مدرسة الوعي الثوري في تعز سرحان راجح، لـ "العربي الجديد": "الكتاب المدرسي حتى اللحظة لم يتوفر، وهذه مشكلة حقيقية، عدا عن عدم توفر المستلزمات والأدوات الخاصة بالمدارس والإدارات المدرسية مثل الأثاث، وعدم توفر الميزانية التشغيلية للمدارس". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن إدارة المدرسة والمجتمع المحلي سيبحثون عن بدائل تساهم في توفير المناهج الدراسية ليستفيد منها تلاميذ هذا العام حتى يتم توفير الكتاب المدرسي من قبل الوزارة وتوزيعه على المدارس". يضيف راجح: "هناك مشكلة أخرى تعاني منها المدارس تتمثل في النقل العشوائي للمدرسين إلى إدارة التربية في المحافظة أو أماكن أخرى، ما ينعكس سلباً على العملية التعليمية والتحصيل العلمي للتلاميذ. ويلفت إلى أن مكتب التربية والإدارة التابعة له يعملان على تجاوز الصعوبات والتحديات التي واجهت العملية التعليمية خلال العام الماضي، "ويعملان على إيجاد الحلول المناسبة وفق الإمكانيات المتاحة".
ويواجه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب شمالاً التحديات نفسها. فأعداد التلاميذ النازحين إلى ازدياد كبير، ولا جديد في البنية التحتية التعليمية في المحافظة. فيؤكّد مدير مكتب التربية والتعليم في مأرب، علي العباب، وجود تحديات كثيرة تواجه قطاع التعليم هذا العام، خصوصاً أن عدد التلاميذ النازحين إلى المحافظة تجاوزوا التسعين ألفاً، في ظلّ إمكانيات مادية وبشرية محدودة وموازنة لم تتحسّن منذ عام 2014، وبالكاد تكفي لثلاثين ألف تلميذ. ويؤكّد لـ" العربي الجديد" أنّ تعاون المحافظ سلطان العرادة كان له الأثر الواضح في تجاوز صعوبات كثيرة، منها طباعة الكتاب المدرسي خلال عامي 2018 و2019 لكلّ المراحل.
وعن توفّر المدرسين لمواجهة التزايد الملحوظ لأعداد التلاميذ في مأرب، يبدي العباب ثقته بمساهمة السلطات في التعاقد مع مدرسين. "أملنا في المنظمات والمؤسسات الخيرية بمواصلة الدعم"، مضيفاً أن "الدعم المقدّم من بعض المنظمات الدولية عبارة عن ترميم للمدارس المدمرة فقط. طالبنا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ببناء مدارس وتمويل إبرام عقود مع مدرسين، خصوصاً أن وضع محافظة مأرب مختلف عن بعض المحافظات الأخرى في ظل كثرة النازحين فيها وشحّ الإمكانيات. لكن لم تستجب لمطالبنا".
من جهته، يؤكد وزير التربية والتعليم عبدالله لملس، وجود تحديات كثيرة تواجه التعليم كنتيجة طبيعية للحرب، من دون أن يؤدي ذلك إلى عرقلة سير العملية التعليمية في البلاد. ويقول لملس إن الوزارة حددت قبل فترة موعد بدء عمل الإداريين، لإتمام الترتيبات الأولية لاستقبال العام الدراسي وتسجيل التلاميذ، "ويذهب التلاميذ إلى مدارسهم في عموم المحافظات المحررة بكل يسر". يضيف أن العملية التعليمية تواجه مشاكل كثيرة، لكنها في طريقها إلى الحل. ويقول لـ "العربي الجديد": "مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، دعا بعض المدرسين للإضراب عن العمل لأن رواتبهم لا تكفي لمواجهة الغلاء المستمر. إلا أن الحلول الاقتصادية التي أقرتها الحكومة اليمنية، على رأسها رفع رواتب الموظفين، ساهمت في إحباط هذه الدعوات".
وعن الكتاب المدرسي، يقول لملس إن الأوراق التي نحتاجها لطباعة الكتاب المدرسي وصلت البلاد في يوليو/ تموز الماضي، الأمر الذي أخّر الانتهاء من طباعة كل الكتب. ويشير إلى أن الكتاب المدرسي "الخاص بالصف الأول من المرحلة الأساسية وصل إلى المدارس، وكل أسبوع ستصل كتب إلى صفوف أخرى". ويوضح أنّ أعداد النازحين القادمين من مختلف المحافظات، على رأسها مدينة الحديدة، إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، زادت خلال الأشهر الماضية، وهذا عبء إضافي على وزارة التربية والتعليم بسبب عدم توفر مدارس في عدن.
وعن التعليم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يوضح لملس أن أولياء الأمور في تلك المناطق يشعرون بالألم وهم ينظرون لأولادهم يذهبون إلى المدارس التي حولها الحوثيون إلى مقرات للتعبئة الطائفية والتحريض على ترك مدارسهم والذهاب إلى جبهات القتال. ويلفت إلى أن مدراء مكاتب التربية والتعليم في المناطق والمحافظات الخاضعة للحوثيين لا يستطيعون التواصل مع الوزارة بسبب القبضة الأمنية المحكمة التي يفرضها الحوثيون على السكان في تلك المناطق. ويؤكد صعوبة تحديد عدد التلاميذ الذين سيتوجهون إلى المدارس هذا العام بسبب توافد أعداد كبيرة من النازحين.
ويبدأ العام الدراسي اليوم في كل من مدن عدن وحضرموت وسقطرى وأبين ولحج وشبوة ومأرب والجوف والمهرة، وكثير من مناطق تعز وبعض مناطق البيضاء والحديدة. وبحسب تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن، يبلغ عدد المدرسين في المدارس الحكومية في البلاد 242 ألفاً و434، 28 في المائة منهم يحصلون على رواتبهم بشكل مستمر، وهم موجودون في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، فيما 14 في المائة يتسلمونها جزئياً بشكل متقطع، وهم مدرسو محافظتي تعز والجوف، اللتين تتقاسم السيطرة عليهما الحكومة الشرعية والحوثيون.