أريد شعراً أصفر وحُلة قرمزية

23 مارس 2017
حبستها الأم في أربعة ألوان فقط وحرمت عليها الباقي(Getty)
+ الخط -
ظلت في حجرتها لفترة طويلة حتى بدأتُ أشعر بالقلق، في كل مرة كنت أذهب لأطمئن عليها وأطلبها للجلوس معنا كانت ترفض وتخبرني بأنها تتابع برامج مهمة على الكمبيوتر اللوحي خاصتها، تركت لها المجال حتى خرجت علينا وهي ترتدي ملابس مختلفة الألوان وقد أرسلت شعرها على غير عادتها، وفجأة ذهبت ثم عادت وقد أبدلت كل ذلك وكانت دموعها قد سبقت كلماتها المريعة: "لماذا أنا سمراء بشعر مجعد، أنا لست جميلة حتى اسمي الذي لا أعرف معناه يؤلمني سماعه".

أحسست أن خطباً ما قد أصاب فتاتي الصغيرة فقد كانت طيلة سنوات عمرها الثماني، فتاة قوية وذكية حتى وأنها رغم صغر سنها على ثقة كبيرة بنفسها، حاولت أن أخفف عنها ما طرأ عليها من هموم فوجدتها تنعي حظها الذي أتى بها إلى الدنيا بوجه أسمر وشعر مجعد، وأننا قد أضفنا إليها هماً جديداً – على حد قولها – بأن اخترنا لها اسماً قديماً معقداً للغاية.

نجدية فتاة ذكية من ريف أسوان إحدى محافظات صعيد مصر، عاشت وتربت على قيم وتقاليد الريف، لم تشعر باختلاف كبير بينها وبين قريناتها حتى قرر والداها الهجرة إلى كندا، وهناك التحقت نجدية بمدرسة جديدة وأصبح لها أصدقاء جدد.

مضى أول عام لها بسلام، لا تدري أم نجدية ما حل بإبنتها بعد ذلك، كتبت لي رسالة بما حدث وأكدت أن حالة طفلتها تسوء يوماً بعد يوم وأنها ترفض نفسها وتكره مقابلة الآخرين حتى أنها طلبت منها أن تأخذها إلى صالون التجميل لتصبغ شعرها باللون الأصفر، وأن تغير اسمها من نجدية إلى آخر أكثر دلالاً.

بعد أن قرأت الرسالة كنت أتخيل أن المشكلة لدى الطفلة وأنها من الممكن أن تكون قد عقدت مقارنة بينها وبين زميلاتها فوجدت نفسها مختلفة إلى حد ما عنهم، وعلى الرغم من أنها التقت هناك ببعض من الطالبات العربيات والمصريات أيضاً، إلا أنها قد تأثرت بالأغلبية، هذا ما دار في ذهني حتى أجريت اتصالاً بوالدتها، تحاورت معها في بعض المواقف الحياتية وقد خرجت من هذا النقاش بنتيجة مفزعة حقاً، فقد كانت الأم هي من أورثها هذه العقد وأربكها بهذا الشكل.

تقول الأم إنها كانت تختار ملابس طفلتها دائماً وقد حبستها في أربعة ألوان فقط وحرمت عليها الباقي، كانت نجدية تحب اللون الأحمر وكانت دائماً ما تقول لها أمها: لن يكون لائقاً على لون بشرتك، واستطردت أنها كانت دائماً ما تلف لها شعرها بضفائر قاسية لأن شعرها مجعد ولا يمكن أن ترسله فيسبب لها الحرج أمام الناس، كما أنها لم تحاول أن تشرح لها يوماً معنى اسمها أو سبب التسمية، لم تحاول أن تهتم بتفعيل عنصر الثقة بالنفس إلا فيما يخص دراستها، نعم كانت نجدية طفلة متفوقة وذكية نتيجة اهتمام أمها بذلك، ولكنها أهملت باقي جوانب حياتها.

كثير منا يتابع أبناءه ويحاول إرضاءهم بكل الطرق، إلا أننا وفي أحيان كثيرة نتوه عما يحبون ويرغبون هم في تحقيقه، الشكل مسألة ربانية لا دخل للإنسان في اختيارها، فقط نمط التربية هو القادر على تغيير مسار رؤيتنا لأنفسنا وتقبلنا لذواتنا.

فى هذا الوقت الذي نعيشه تبدلت وسائل التلقي لدى الأطفال تماماً، فحينما كانت تمسك نجدية بلوحها الإلكتروني لم تكن الأم تعرف أن طفلتها كانت تتعرض لبرامج دعائية كثيفة، فحينما طلبت من والدتها أن تراجع الفيديوهات التي تعرضت لها طفلتها سابقاً، وجدت في غالبيتها إعلانات عن عرائس وألعاب وموديلات ملابس وقصات شعر وأيضاً أدوات تجميل للأطفال، وغالباً ما تستخدم هذه الشركات موديلز أطفال غاية في الجمال.
ليصبح الجمال بمنطق نجدية يتمثل في فتاة بشعر أصفر وعيون خضراء ترتدي فستاناً قرمزياً، أما أنا فأرى الجمال في رقة هذه الفتاة، في ذكائها أراها فتاة صغيرة وجهها لامع وشعرها مموج يرسم لوحة فنية رائعة.
المساهمون