أرملة شهيد "يوم الأرض" تروي قصة "الموت ولا المذلّة"

30 مارس 2014
التعويض المادي الإسرائيلي عن الشهداء مرفوض (موسى الشاعر، GETTY)
+ الخط -

مرّت 38 عاماً، ولم تجف دموع الحاجة صبحية أبو ريا (62 عاماً) بعد، وهي ابنة مدينة سخنين، وأرملة الشهيد، رجا أبو ريا، الذي سقط في أحداث "يوم الأرض" الدامية في 30 مارس/آذار 1976.

ولم تستطع الأعوام الـ38 أن تنسي الحاجة صبحية تفاصيل أحداث ذلك اليوم المفصلي في حياتها، يوم استشهاد زوجها. تجلس صبحية في منزلها القائم في سخنين، وتعيد سرد الرواية لـ"العربي الجديد"، وكأن الواقعة وقعت أمسِ فعلاً: كانت المنطقة عسكرية مغلقة، وفُرض حظر تجوال وكان الجنود والمدراعات والمجنزارات والدبابات منتشرين، في جميع شوارع البلدة والمنطقة، ولم يسمحوا لأحد بدخولها من الخارج، حتى من أبناء القرى القريبة منها. وكان قد صدر قرار في الاضراب العام من قبل رؤساء السلطات المحلية للتصدي لمصادرة الأراضي".
وتضيف الحاجة أن "ليلة واحدة قبل استشهاده، أي في 29 من مارس 1976، عاد، رجا، إلى المنزل في ساعات الليل المتأخرة، وأخبرني أنه كانت هناك تظاهرات ومواجهات بين جنود الجيش الإسرائيلي، وأهل بلدتنا، وشارك معهم لمنعهم من مصادرة الأراضي، وأنه أعلن إضراب يوم غد، وستكون تظاهرات للدفاع عن حقنا في الأرض ولمنعهم من سلبها".

استشهد، رجا، عن 27 ربيعاً، تاركاً زوجتة، صبحية، في الثالثة والعشرين من العمر، وأربع  بنات أكبرهنّ، شادية، ابنة الأربع سنوات في حينها، وناديا، 3 سنوات، وجليلة، سنة وثلاثة أشهر. أما أصغرهن، غزالة، فلم تكن تبلغ إلا ثلاثة أشهر.

تتذكر الحاجة، صبحية، يوم استشهاد زوجها بالتفاصيل: قال لي إنه ملتزم في الاضراب، وإنه لا يريد الذهاب الى العمل من أجل المشاركة في التظاهرات. تذكر، صبحية، أن زوجها ارتدى كنزة "خمرية" اللون، وقد فتح باب شرفة المنزل ليلقي نظرة على الشارع، فوجد أن الجنود الاسرائيليين منتشرون في كل مكان، وعلى دباباتهم. حينها، رآه جندي إسرائيلي وأمره بالدخول فوراً إلى المنزل، فأجابه، رجا: أنا في بيتي، فردّ عليه الجندي مكرراً الأمر بالدخول إلى المنزل، فما كان من، رجا، إلا أن أجابه "أنا فايت يا خنزير". لكن، رجا، كان مصرّاً على الخروج من البيت للمشاركة في التظاهرات، على الرغم من محاولة عمه ثنيه عن ذلك، لكن جوابه ظلّ "الموت ولا المذلة".

لم تمر عشر دقائق على خروجه، حتى سُمع صوت إطلاق النار، فشعرت، صبحية، فوراً أن زوجها كان المستهدف. وتروي مضيفتنا: أنها أقفلت باب البيت، وتركت بناتها الصغيرات وحدهنّ، "ونزلتُ أركض الى الشارع الرئيسي، وعلمت من الناس أن زوجي أصيب في عنقه". حتى في تلك الظروف، لم تستطع الحاجة رؤية زوجها الشهيد إلى اليوم التالي "لأنهم لم يسمحوا لنا بالخروج من البيت كونها منطقة عسكرية مغلقة".

وتتابع، صبحية، كيف أنها في اليوم التالي ذهبت الى المستشفى في مدينة نهاريا مع عائلتها، "وهناك كانت قائمة بأسماء الجرحى، واسم زوجي لم يكن من بينهم. عندها أدركتُ أنه استشهد ونقل الى مستشفى أبو كبير للتشريح". 

كانت الحاجة، أبو ريا، تعرف الاستشهاد قبل أن تخسر زوجها، إذ سبقه شقيقها، حسن أبو يونس، عندما استشهد في انفجار لغم أرضي داس عليه في مسقط رأس العائلة سخنين، في منتصف الخمسينيات.

الحاجة، أبو ريا، هي شقيقة شهيد وزوجة شهيد إذاً. أما شقيقها الآخر، محمد أبو يونس، فهو من جرحى "يوم الأرض"، بعدما أصيب في رجله برصاصة جندي إسرائيلي خلال تظاهرات قرب النصب التذكاري في الشارع الرئيسي في سخنين.

عاشت عائلة الشهيد، رجا، أبو ريا، حياة صعبة بعد استشهاد الأب، فلم يكن من السهل أن تربي الحاجة بناتها وحدها من دون مصدر رزق، فهي لم تكن متعلمة، ولم يتوافر لديها العمل، ويقع على عاتقها تربية أطفالها الصغار.

لم تحظ بنات الشهيد، بفعل الظروف، بفرصة إكمال تعليمهن. وتقول أرملة الشهيد "لم يطلبن مني التوجه الى الجامعة أصلاً، لأنهن كنّ يدركن صعوبة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي كنا نعيشها. فقط عندما كبرت بناتي، استطعتُ العمل في الزراعة والفلاحة لنوفر لقمة العيش، وبين الحين والآخر، كنتُ اصطحب معي بناتي الكبيرات لمساعدتي في العمل".

تناشد الحاجة، أبو ريا، بإقامة هيئة فلسطينية ترعى عائلات الشهداء وتدعمها. وتقول إنه "على مدار 38 عاماً، لم تدقّ أية جهة فلسطينية باب دارنا لتسأل عنا. هناك مأساة جديدة تبدأ بعد مغادرة الشهيد". كما أنها تشدد على رفض أي اقتراح إسرائيلي بتعويض مادي عن الشهيد، فـ"نحن لا نتاجر بالدماء".

دلالات
المساهمون