عن 93 عاماً، رحل غاتي أول أمس في سان مانديه، بالقرب من باريس. لا تزال "كذبته" نقطة إشكالية ترمي بظلالها على مسيرته، بل إنها أخفت الكثير من مشوار صاحبها على مدى عقود طويلة من المساهمة في الثقافة الفرنسية بين المسرح والسينما والأدب والشعر والصحافة.
في الواقع، للمسألة تفرّعات إضافية، إذ إن وثائق أخرى كانت تثبت انتماءه إلى منظمات المقاومة، أي أن كذبة غاتي لم تكن مطلقة، لكن أي معنى لكل ذلك؟ بعضهم رأى أن التاريخ والتخييل كانا متداخلين سواء في ذاكرة أو نصوص غاتي، بعضهم اعتبر ذلك جزءاً من عصر ما بعد الواقع، ولكن كثيرين صنّفوه ككاتب غير أخلاقي.
لعقود طويلة، من الخمسينيات إلى التسعينيات أساساً، حقّق غاتي مجموعة من الإنجازات، قد ترسمها الجوائز التي حازها في مختلف المجالات التي مارسها؛ ففي 1954 مُنح "جائزة ألبير لوندر" للربورتاج الصحافي، وفي 1961 حاز فيلمه "لونكلو" على إحدى سعفات "مهرجان كان السينمائي"، وحقّقت مسرحيات مثل "الحياة المتخيلة لـ أوغوست جي" و"يوميات كوكب مؤقت" و"غناء عمومي أمام الكراسي الكهربائية" و"في مثل فيتنام" وغيرها أرقاماً لافتة في شبابيك التذاكر.
من موقع ما بعد 2011، يرى كثيرون أن هذا "المجد" تحقّق بفضل كذبته التي منحته مكانة اعتبارية ككاتب مناضل، ومنحت أعماله مصداقية كان يحسدها عليه مئات الفنانين. فكيف للمشهد الثقافي أن يصنّف ما اقترفه كذبة بيضاء؟
على مستوى الإصدارات المكتوبة، نشر غاتي أعمالاً تجمع بين التأمّلي والبيوغرافي مثل "شخصيات المسرح تموت في الشارع" (1970) و"العالم المقعّر" (1983) وخصوصاً روايته "الكلمة المتسكّعة" (1999). في كل هذه الأعمال غالباً ما يحضر السجن ضمن ما يشير المؤلف بأنه نابع من سيرته الشخصية، والتي ظهرت - في ما بعد - في جزء كبير منها مجرّد سيرة مخيّلة.