أركيلة للربو

31 مايو 2019
تدخين مع حرص على الصحّة... مفارقة هزليّة (حسين بيضون)
+ الخط -

بين أحواض أزهار الأُرْطاسية - معظمها من اللون الزهريّ - التي تزنّر الساحة الجانبيّة لمنزل الجدَّين المستأجَر في تلك البلدة الجبليّة، تجلس المرأة السبعينيّة وإلى جانبها أركيلة (نرجيلة) يُمنَع علينا لمسها أو حتّى الاقتراب منها. بشعرها الأبيض المعقود ونحافتها وقامتها القصيرة، تدخّن عمتو ليندا - هكذا يدعوها الجميع - أركيلتها بتبغها "العجميّ".

مشهد حفظته ذاكرة الطفلة الصغيرة قبل زمن طويل، ليعود في كلّ موسم صيف. المرأة السبعينيّة هي عمّة الجدّ - رحمهما الله كلَيهما - وكانت حريصة جدّاً على صحّتها. لذا كانت تقصد، سنويّاً في فصل الصيف، تلك البلدة الجبليّة المشهورة بأشجار الصنوبر وبالتالي بـ"هوائها النظيف". تدخين وحرص على الصحّة! مفارقة هزليّة. لمَ الاستهجان؟! عمتو ليندا كانت مصابة بالربو والأركيلة كانت علاجاً لها. لطالما ظنّت الصغيرة ذلك. سنواتها المعدودة كانت كفيلة بجعلها تتمسّك بتلك المعادلة، من دون معرفة سبب تبنّي ذلك. حتّى يومنا هذا، ما زال الأمر يحيّرني. ربّما أُوَفَّق في حلّ ذلك اللغز في جلسة علاج بالتنويم المغنطيسيّ تكشف خبايا طفولة بعيدة.

اليوم، في الواحد والثلاثين من مايو/ أيّار، تحتفل منظّمة الصحّة العالميّة باليوم العالميّ للامتناع عن تعاطي التبغ، في محاولة منها - ومن شركائها - لتوعية أهل المعمورة حول مضاره. لن نردّد هنا اللازمة نفسها حول تأثيرات التبغ المضرّة، سواءٌ من خلال استهلاكه أو من خلال التعرّض غير المباشر له. الأمر مسلّم به من قبل الجميع. هؤلاء الذين يتعاطونه يدركون الأمر كذلك، غير أنّهم يجدون مائة حجّة وحجّة للمضيّ في استهلاكه. مفارقة مأساويّة - هزليّة.

"التبغ والصحّة الرئويّة" عنوان اليوم العالميّ لعام 2019. فتشدّد حملة المنظمّة وشركائها على تأثير التبغ السلبيّ على صحّة الرئتَين، محذّرةً من الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسيّة المزمنة، ومسلّطةً الضوء على أهميّة الرئتَين في تمتّع الناس جميعاً بالصحّة والعافية. تجدر الإشارة إلى أنّ الربو من الأمراض التنفسيّة المزمنة، ومن شأن استنشاق التبغ بأنواعه أن يفاقمه، سواءٌ أكان ذلك من خلال التعاطي أو التعرّض غير المباشر له.




في مشروع موازنة الحكومة اللبنانيّة الأخيرة، تنصّ المادة 60 منه على "فرض رسم مقطوع على تقديم النرجيلة في الأماكن المرخّص بها". الضريبة الجديدة قدرها ألف ليرة لبنانيّة (نحو ثلثَي دولار أميركيّ) على كلّ أركيلة تُستهلَك في الفنادق والملاهي والمطاعم والمقاهي والحانات. كثر هم اللبنانيّون، مدخّنو الأركيلة، الذين استهجنوا الأمر وقد اشتكوا من أنّ "الدولة ما فيها إلا علينا". كان حريّ على "الدولة" أن تضاعف تلك الضريبة عشر مرّات وأكثر. من خلالها، كانت ستنعش خزينتها نظراً إلى عدد متعاطي النرجيلة في البلاد. من خلالها، كانت ستحول دون تدخين كثيرين الأركيلة نظراً إلى الوضع الاقتصاديّ المتدهور، فتنقذهم بالتالي من مخاطر تتهدّدهم وتتهدّد سواهم من غير المتعاطين.... لعلّ أولادهم من بين هؤلاء.
المساهمون