لم يكن قدر المواطن المقدسي ثلجي سليمان، من ضاحية بيت حنينا، إحدى الضواحي الشمالية لمدينة القدس المحتلة، أسوأ مما يُمكن أن يكون. فقد فوجئ الرجل بتهديم بلدية الاحتلال في القدس، فجر يوم الأربعاء الماضي، مبنى سكني له مكوّن من طابقين، وذلك إثر محاصرة المبنى بقوات كبيرة، من دون سابق إنذار. تكمن المفاجأة في أن عملية الهدم، أتت بعد أقل من عشر ساعات على تأجيل محكمة تابعة للاحتلال أمر الهدم الصادر عن البلدية لمدة شهرين، فيما كانت عائلة سليمان تبذل جهوداً على أكثر من صعيد، للحصول على ترخيص من بلدية الاحتلال، لكن ما حدث هو أن طواقم الهدم التابعة للاحتلال ضربت قرار المحكمة بعرض الحائط، ورفض الضابط الذي أشرف على عملية الهدم الاعتراف بأمر المحكمة بعد إبرازه له، وأعطى التعليمات بالهدم فوراً.
في هذا السياق، كشف رياض، نجل صاحب المبنى، ثلجي سليمان، لـ"العربي الجديد"، أن "عائلته تكبّدت خسائر مادية فادحة، جرّاء هدم المبنى السكني، الذي بات مجهّزاً بمعظمه وكانت العائلة على وشك الإقامة فيه، بعد نحو عامين من الانتظار".
وبعد عملية الهدم، انهمك سليمان مع باقي أفراد العائلة، في إزالة جزء من الأنقاض، لكن عليهم أيضاً أن يزيلوها بالكامل من المكان، وأن يدفعوا لطواقم الهدم ولشرطة الاحتلال، التي تولت حماية الطواقم، رسوم الهدم التي تصل إلى نحو 100 ألف شيكل (26.3 ألف دولار).
مع العلم أن الفلسطينيين اتهموا بلدية الاحتلال بتصعيد غير مسبوق في هدم منازل المقدسيين منذ مطلع العام الحالي، وذلك بعد أن هدمت بلدية الاحتلال نحو 170 منزلاً ومنشأة اقتصادية، وفقاً لخبير الاستيطان في القدس أحمد صب لبن. وأضاف لبن لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات الهدم التي سجلت منذ مطلع العام الحالي، تجاوزت بكثير أعداد المنازل المهدمة في أعوام سابقة". في حين يستدل من معطيات لمركز معلومات واد حلوة، أن بلدية الاحتلال هدمت خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ستة منازل، بينها مبنى سكني من طابقين، يشتملان على أربع شقق سكنية في منطقة الصلعة، من أراضي جبل المكبر، جنوب القدس المحتلة".
كما تفرض بلدية الاحتلال قيوداً مشددة على البناء الفلسطيني في القدس المحتلة، وترفض المصادقة على مخططات هيكلية لأحياء وبلدات فلسطينية على تخوم البلدة القديمة، بينما أطلقت العنان لمشاريع ومخططات استيطانية ضخمة. وظهر ذلك في توسع المستوطنات القائمة حالياً، التي سجلت ارتفاعاً كبيراً في أعداد المستوطنين خلال العامين الحالي والسابق، ما أدى إلى ارتفاع أعداد المستوطنين لتقارب أعداد المقدسيين الذين يبلغ عددهم أكثر من 320 ألف نسمة، وفقا لمدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، الخبير في شؤون الاستيطان خليل تفكجي.
وكشف أن "حكومة الاحتلال الإسرائيلي تخصّص سنوياً قرابة خمسة مليارات شيكل (1.34 مليار دولار)، لتهويد المدينة المقدسة، من خلال مخططات ومشاريع الاستيطان التي تنفذها على الأرض باعتبار القدس ذات أفضلية وطنية، على ما دونها من أولويات وأفضليات".
وكان آخر مشاريع الاستيطان اليهودية في القدس المحتلة، مصادقة الحكومة الإسرائيلية على بناء 180 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "جيلو" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في بلدة بيت صفافا، جنوب المدينة المقدسة. بالإضافة إلى تدشين أكبر مشروع استيطاني على مداخل القدس الغربية قبل أيام، يطلق عليه "وجه القدس"، ويشمل بناء عشرات الأبراج السكنية والمنشآت الاقتصادية ومراكز الترويح. كما ستقام أجزاء كبيرة منه على أراضي قرى فلسطينية مهجّرة ومدمّرة، مثل لفتا ودير ياسين، في حين سيحكم هذا المشروع سيطرة الاحتلال على قطاع جغرافي واسع من أراضي قرى شمال غربي القدس، التي تضمّ نحو 15 قرية يقطنها نحو مائة ألف فلسطيني، صنّف الاحتلال غالبيتها كمناطق ضفة غربية وألحقت لسيطرته العسكرية.
بدوره، حذّر وزير شؤون القدس ومحافظتها، عدنان الحسيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، من "تداعيات هذا المخطط الاستيطاني التهويدي الجديد على الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة داخل الحدود المصطنعة للقدس، والمترافق مع عمليات تهجير واقتلاع قسري للمقدسيين". وأشار إلى أن "أخطرها هو ما يجري من عمليات هدم شبه يومية للمنازل، وتحويل أعداد إضافية من سكان المدينة إلى لاجئين جدد داخل مدينتهم، أو دفعهم للسكن خارج حدود بلدية الاحتلال في مساكن شعبية أقيمت على أطراف الضفة الغربية، تحديداً في مخيمي قلنديا وشعفاط".
ولفت إلى أن "ذلك يحصل في وقت يتهدد الاقتلاع مئات العائلات البدوية شرق القدس المحتلة، لصالح أكبر المستوطنات اليهودية هناك، وهي معاليه أدوميم، حيث تصاعدت الدعوات الإسرائيلية أخيراً لضمّها للقدس وبسط السيطرة الإدارية الاحتلالية عليها، لتصبح ضمن حدود القدس الجديدة، أو ما يعرف بالقدس الكبرى، التي تقارب مساحتها نحو 15 في المائة من مساحة الضفة الغربية".
وقد كان وزير البناء والإسكان الإسرائيلي أوري أريئيل، من حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، واضحاً في حديث أدلى به للإذاعة الإسرائيلية العامة أخيراً، حين توقع أن "ترتفع أعداد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة لتتجاوز نسبة 50 في المائة بحلول عام 2019". وأردف قائلاً إن "المفاوضات بشأن تأسيس دولة للفلسطينيين تلفظ أنفاسها الأخيرة"، مبدياً اعتقاده بأنه "خلال خمسة أعوام سيصل عدد اليهود في يهودا والسامرة (مصطلح إسرائيلي تلمودي يشير إلى الضفة الغربية)، إلى ما بين 550 ألفاً و600 ألف مستوطن مقارنة بـ400 ألف حالياً". وقدّر أريئيل أعداد المستوطنين الموجودين في القدس الشرقية بحوالي 300 ألف إلى 350 ألف شخص.
في مقابل اتهام المقدسيين السلطة الفلسطينية بالتقاعس عن دعم وجودهم، في مواجهة غلواء سياسة الهدم والاستيطان والاستيلاء على عقاراتهم، اعتبر وزير القدس الأسبق حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موازنة السلطة للقدس المحتلة لا تتعدى ستة ملايين دولار. وهي موازنة لا تكفي لتعويض العائلات البدوية المقتلعة من خيامها، في حين لا تفي حتى بدفع رسوم وأتعاب المحاماة لآلاف من منازل المقدسيين المنظورة في محاكم الاحتلال".
كما قدّر المحامي أحمد الرويضي أعداد المنازل التي يتهددها الهدم في القدس المحتلة، بأكثر من 20 ألف منزل، وهي تقارب الأعداد ذاتها من المنازل التي تقول بلدية الاحتلال في القدس إن المقدسيين شيدوها دون ترخيص منذ العام 67 وحتى الآن، وقد خصصت بلدية الاحتلال سنوياً نحو عشرة ملايين دولار لتمويل هدم منازل المقدسيين تأتي غالبيتها من الضرائب والرسوم التي تجبى من الفلسطينيين في القدس المحتلة عنوة.