أردوغان - أوجلان .. والحل السلمي

29 ابريل 2014

أوجلان وأردوغان

+ الخط -

 

لا جديد في القول إن القضية الكردية في تركيا من أهم القضايا التي واجهتها الحكومات التركية المتتالية، منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، وقد كانت، على الدوام، مشكلة تهدد أمن البلاد، وترهق اقتصادها، وتشكل عاملاً لتوتر العلاقات مع معظم دول الجوار.                     
في العقود الماضية، ولا سيما في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، قمعت الحكومات التركية المتتالية انتفاضات كردية عديدة مسلحة، وأنكرت وجود مشكلة كردية، ومارست ضدها سياسة الإنكار والتهميش والإقصاء، إلى أقصى حد. لكن، مع القضاء على كل انتفاضة، كان الأكراد يتمسكون بقضيتهم أكثر فأكثر، ويثبتون قدرتهم على تنظيم أنفسهم من جديد، وعلى اسئتناف دورة العنف، بحثاً عن حقوق حرموا منها، حقوق دونها لا يبدو أن لدى الكرد استعداداً للتنازل عن البندقية، خصوصاً بعد أن اكتسبت قضيتهم بعداً إقليميا ودولياً في السنوات الأخيرة، وفي ظل ثورات الربيع العربي التي أوحت للأكراد بوجود فرصة تاريخية لنيل حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم القومية.                                      
باستثناء مقاربة الرئيس التركي الراحل، تورغوت أوزال، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، لم تشهد تركيا محاولةً جديةً لحل هذه القضية التي بقيت تفرض نفسها على أجندة الحكومات التركية المتتالية، ولعل المحاولة الثانية بدأت مع حكومة حزب العدالة والتنمية، وتحديداً عندما كلف رئيسها، رجب طيب أردوغان، في عام 2009 رئيس الاستخبارات، هاكان فيدان، بالتواصل مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المعتقل في سجن إيمرالي منذ 1999 للبحث عن حل ممكن.                                
ويعرف الجميع أن الجهود، والاتصالات واللقاءات، أفضت إلى ما يشبه خريطة طريق، أعلنها أوجلان، في رسالةٍ، باللغتين الكردية والتركية، في الاحتفال بعيد النوروز عام 2013، ومع أن إعلان أوجلان للسلام قوبل بترحيب في الأوساط التركية، إلا أن الحكومة التركية لم تغير من سياستها في وضع حزب العمال الكردستاني في خانة الإرهاب، ورفض الحوار معه، أو الاعتراف به. وفي المقابل، ظلت قيادات من الحزب المذكور تقول إن الحكومة التركية غير جدية في تحقيق السلام التركي الكردي، وتناور للالتفاف على الحقوق القومية الكردية، وكسب مزيد من الأصوات الكردية في الانتخابات، لكن، على الرغم من وجود الشكوك لدى الطرفين، ظل كل طرف يحرص على الحفاظ على العملية السلمية.                                                                 
في الجانب الكردي، برز أوجلان، ورغم وجوده في المعتقل، على أنه العقدة والحل معاً، فالرجل الذي تم ترشيحه، أخيراً، لنيل جائزة نوبل للسلام، ظل صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد مصير القضية الكردية في تركيا، وفي تحديد سياسة حزب العمال الكردستاني. في المقابل، تعاملت الحكومة التركية، والتي تدرك هذه الحقيقة، مع الأمر بتكيتك سياسي دقيق، إذ لم تعد تصف أوجلان بالإرهابي الذي يستحق الإعدام، بل ترسل المبعوثين إليه في المعتقل، لإقناعه بتوجيه المزيد من الرسائل إلى القيادات العسكرية لحزبه، من أجل نزع سلاحه، والانخراط في تسوية سياسية، من دون أن تقدم هي على خطواتٍ عمليةٍ، تجعل عملية السلام التركي الكردي تنطلق بأسس قوية، وتشق طريقها إلى المستقبل. 

"
يدرك أوجلان أن الطريق إلى أن يكون مانديلا الأكراد بحق، ويدخل التاريخ، لا يمكن أن يكون إلا من خلال السلام، وأن العودة إلى الكفاح العسكري ليس سوى نوع من الانتحار السياسي، وهدر مزيد من الدماء والأرواح

"

                                
اليوم، وبعد الانتخابات المحلية التركية، والفوز الذي حققه فيها حزب العدالة والتنمية، وعلى أبواب استحقاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بات حل هذه القضية أكثر من مُلِحّ ٍ، لا لوقف مسيرة القتل والدم، وإنما لتحقيق رؤية تركيا المستقبل، فمن دون إيجاد حل لهذه القضية، لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الداخلي في البلاد من جهة، ومن جهة ثانية، بناء علاقة إيجابية مع الكرد، في المنطقة، والذين يتوزعون بين تركيا وإيران والعراق وسورية، حيث باتت قضيتهم تحظى باهتمام إقليمي ودولي، ويتحولون، يوماً بعد آخر، إلى لاعبٍ إقليميٍ مؤثر، بعد أن كانوا طوال العقود الماضية ورقةً في الصراعات الإقليمية والدولية.                                 
يتعلق المشهد الحالي في تركيا بكيفية ترتيب البيت الداخلي، على أبواب الانتخابات الرئاسية، المقررة في العاشر من أغسطس/آب المقبل، التي ستليها الانتخابات البرلمانية. ويدرك أردوغان، والذي يتطلع إلى الجلوس في قصر شنقايا الرئاسي في أنقرة، أن هذه هي المرة الأولى التي سينتخب فيه الرئيس التركي مباشرة من الشعب، وهو يدرك أن تحالفاته الإسلامية تعرضت للشرخ، بعد أن تحول حليفه القديم، فتح الله غولن، إلى خصم شرس، وأن المعارضة العلمانية، المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري، والذي يمثل الإرث التاريخي للأتاتوركية، تعمل بكل الوسائل لإسقاطه، وربما وضعه خلف القضبان بتهمة الفساد، كما أن الحركة القومية المتطرفة لا تحظى بوزن انتخابي. وعليه، يجد، في كل حساباته، نفسه أمام المكون الكردي، والذي له كتلة انتخابية هائلة، تعبر ملايين الأصوات، وهو يدرك، في العمق، أن الوصول إلى هذا الناخب يمر عبر الساكن في معتقل إيمرالي، أي أوجلان                             .                                      
في المقابل، يدرك أوجلان أن الطريق إلى أن يكون مانديلا الأكراد بحق، ويدخل التاريخ، لا يمكن أن يكون إلا من خلال السلام، وأن العودة إلى الكفاح العسكري ليس سوى نوع من الانتحار السياسي، وهدر مزيد من الدماء والأرواح. شعور، بل ربما حاجة متبادلة لدى أردوغان وأوجلان، تدعمها قناعة راسخة، مفادها عدم جدوى النهج العسكري، والإحساس بالحاجة إلى حل سلمي للقضية الكردية، لكن ما سبق لا يعني بالضرورة أن الحل بات قريباً، لا لأن الثقة مفقودة فحسب، بل، ربما، لاختلاف سقف تصور كل طرف عن الحقوق والتنازلات. لكن، على الرغم من ذلك كله، فإن من يدقق في مسار هذه القضية، لا بد أن يرى أن كلاً من أردوغان وأوجلان يضعان تكتيتاتٍ وخططاً كثيرة، وكأنهما ينطلقان من قاعدة واحدة، تبحث عن مشهد يعد تحت الطاولة.  
واقع يؤكد أن حل القضية الكردية في تركيا سلمياً يحتاج إلى قرارات تاريخية، وإرادة حقيقية، ونية صادقة، ويحتاج إلى شجاعة قادة نادرين، وخطوات عملية غير مسبوقة، لأنه من دون ما سبق، لا يمكن وضع القضية على سكة الحل، والذي من دونه قد تعود دوامة النار والدم.     
                            

 

 


 

 

 

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.