أرخِ قبضتك

03 نوفمبر 2017
الأمر ليس بتلك السهولة... (أليكس وونغ/ Getty)
+ الخط -

لا تشغل بالك. لا تشغلوا بالكم. كلّ شيء سوف يكون على خير ما يرام. الأمور كلّها تحت السيطرة. عبارات سحريّة من شأنها أن تريح من حولنا. نحن الذين نتولّى زمام الأمور. نحن الذين نضمن أن تكون تلك الأمور ميسّرة. سوف نعمل على ذلك، لا تقلقوا.

ونسعى كثيراً إلى التحكّم بالأمور التي تحيط بنا وضبطها، فنكبح أنفسنا ونهدر طاقتنا ونخسر الطمأنينة والأمان. ويأتي هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة ليقدّموا النصح لنا بأن "نرخي قبضتنا" ونهدّئ من روعنا وندع الأمور تجري بسلاسة. هو موقف أو سلوك داخليّ يتيح لنا الانفتاح على الحياة وعلى الآخرين، بحسب ما يؤكّد الكاتب والمؤلّف الموسيقيّ الفرنسيّ جيل فارسيه.

وتلك النصيحة لا يقدّمها لنا فقط أهل الاختصاص، بل كلّ من يصادفنا ونحن في حالة تأكيد إمساكنا بزمام الأمور. أمّا المفارقة فهي أنّنا نجد أنفسنا ونحن نقدّم النصيحة نفسها إلى آخرين، في حين نعجز نحن أنفسنا عن العمل بها. الأمر ليس بتلك السهولة، وينطبق كذلك على مواقف ونصائح أخرى. نحن - جميعنا - نبرع في تقديم النصح ونبتدع الحجج المقنعة لحمل كلّ من يهمّنا أمره ومن ليس بقدر الأهميّة نفسه، على "إرخاء قبضته".

أن نرخي قبضتنا ونشيح بنظرنا عن ضغط أو خوف أو ضغينة أو أيّ انفعال سلبيّ كان، يعني أن نشيح بنظرنا عن مشكلة أو أخرى من دون أن نهرب منها. وأن نسلّم بأنّ إنقاذ العالم ليس من ضمن مسؤوليّاتنا، يعني أن نخفّف من أحمال لا طائل فيها من دون أن نتخلّى عن "شهامتنا" و"نخوتنا".

نحن لن نخذل أنفسنا في حال لم نغرق في مشكلاتنا وحاولنا الإبقاء على مساحة بيننا وبينها. بذلك، قد ننجح في إيجاد حلّ لها. ونحن لن نخذل الآخر - سواء كان عزيزاً أو غير ذلك - في حال لم نهبّ لنجدته. فنحن لسنا بأبطال خارقين. هؤلاء الأبطال لا يسكنون سوى القصص المصوّرة وأفلام هوليوود ومخيّلات الأطفال. تجدر الإشارة إلى أنّه لا إدانة هنا للأطفال ومخيّلاتهم. فتلك المخيّلات هي التي ساهمت في تكوين هؤلاء الراشدين الذين هم "نحن" اليوم.

الأمور كلّها تحت السيطرة. هي السيطرة نفسها التي تجعلنا نروّض ذواتنا ومشاعرنا حتى نتمكّن من مواجهة "الحياة". هي السيطرة نفسها التي تجعلنا نفوّت سعادات صغيرة ولحظات ما إن تنقضي حتى تصير محرّمة علينا، إذ نعجز عن استرجاع ولو نتف منها.

يوم كنّا تلاميذ، علّمونا - يكثر الفاعلون - كيف نشدّ قبضاتنا في الطوابير الصباحيّة ونحن في وضعيّة تأهّب قبيل البدء باليوم المدرسيّ الطويل. أن نرخي تلك القبضات اليوم لا يعني خيانة هؤلاء الفاعلين، بل محاولة للاستمتاع - ولو قليلاً - بحياة وجدنا أنفسنا متورّطين فيها.


دلالات
المساهمون