أربع رصاصات

13 اغسطس 2015
كل هذا من رصاص إنسان مخبول (مواقع التواصل)
+ الخط -
(1) 
في الرابع عشر من أغسطس/ آب، تحين الذكرى الثانية لمجزرة رابعة، وهو اليوم ذاته الذي تتم فيه ابنتي الكبرى ريم عامها الثاني عشر.. وقد أصبحت تطلق على يوم ميلادها "يوم نحس"، لأنه اليوم نفسه، الذي استشهد فيه والدها بأربع رصاصات غدراً، في أبشع مجزرة في تاريخ مصر.


ريم وهي مقبلة على مرحلة المراهقة، تحتاج إلى أبيها، كي يكون بوصلتها وحاميها، وليس أمامي سوى أن أقوم أنا بالدورين، دور الأب ودور الأم، في آن، وكل هذا بسبب رصاص إنسان مخبول.

(2)
يسألني ابني آدم ذو الأعوام الستة: "ماما هو بابا شافني وانا داخل (Kg 1)؟"
وكأن هذا السؤال خنجر طعنني في قلبي، لشعوري بافتقاده أباه ورغبته في مشاركته أهم لحظات حياته.
أجابته أخته: "لا يا آدم.. بابا استشهد قبل دخولك المدرسة".
فقال: "خسارة.. ده بابا كان بيحبني أوي وكان زمانه هيبقي فرحان بيا وأنا في الحفلة رايح (Grade 1) بابا وحشني أوي يا ماما".

ثم يحكي لنا قصة عن ولد تمزقت قطعة من ثيابه، فذهب إلى والدته كي تحيكها له، فأجابته الأم، إنها مريضة، الآن، وتحتاج الراحة. ثم أكمل.. إن الولد ذهب إلى والدته الثانية كي تصلح ملابسه!
فسألناه: من هي والدته الثانية؟
فأجاب بحزن وتردد: أقصد "باباه"!
وهذه كلمات قليلة من آدم عن والده الذي أصبح يراه بطلاً، ويتحسس في الكلام عنه، حتى لا يتوجع قلبه الصغير.

(3)
أما موسى ذو الأعوام الثلاثة، فبدأ يشب ولا يعرف كلمة "بابا" ولا يدرك معناها، أصبح الطفل يقلد أبناء خاله، فيقول لخاله "بابا"، إلى أن عرفناه من هو "بابا" من خلال الصور!.
وأصبح "بابا" في مخيلته شخصاً ملتحياً، فظل فترةً يحسب أن أي رجل ملتح، هو أبوه، إلى أن كبر قليلاً، وبدأ يدرك الفروق، وأصبح، الآن، يسأل عن أبيه، فنتحير في الإجابة، ونقول له، إنه في الجنة. ويردد وراءنا هذه الإجابة، وهو لا يعلم معنى "بابا" ولا معنى الجنة!

(4)
هذه مشاهد بسيطة من حياتنا وأفكارنا على مدى عامين، بعد استشهاد زوجي أحمد عمار.
في الذكرى الثانية.. نعيش كل لحظة بحزن على أحبابنا وأهلهم، وهم ما بين شهيد ومعتقل ومطارد ومفقود.
في الذكرى الثانية.. يزداد سخط أبنائي على وطن الدماء والظلم. يزداد حلمهم في الخروج من مصر، إلى أي مكان يشعرون فيه بالأمان.. وهو أبسط مطلب لأي إنسان.
في الذكرى الثانية.. يزداد يقينهم، أن الزي العسكري ما هو إلا رمز للقاتل الظالم الفاجر، يزداد قلقهم وخوفهم على أمهم، على فقدها قتلاً، أو اعتقالاً.

في الذكرى الثانية.. نرى هاشتاغ "مصر بتفرح"!..
تفرح!.. تفرح بمن؟!.. بأنهار دماء أبنائها؟ أم بدموع أمهات آلاف المعتقلين؟

(مصر)
المساهمون