أربعينية إيران وثارات أميركا

16 يناير 2019
+ الخط -
فيما تستعد إيران لإحياء الذكرى الأربعين لانتصار ثورتها، لا يبدو أن واشنطن يئست من محاولات عزلها واحتوائها، على الرغم من أن فترة الرئيس السابق، باراك أوباما، أوحت بأنها قبلت بها أخيراً، وغدت مستعدةً للتعامل معها، ففي جولته أخيرا في المنطقة، دعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى مؤتمر دولي في وارسو، لإنشاء تحالف دولي لمواجهة إيران، على شاكلة التحالف الذي نشأ ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وكان بومبيو لفت، في خطابه في القاهرة الأسبوع الماضي، إلى أن الوقت حان للانتقال من سياسة احتواء إيران إلى سياسة مواجهتها.
اختلفت القراءات بشأن التوجهات التي أعلن بومبيو عنها من على منبر الجامعة الأميركية في القاهرة، فبعضهم رأى فيها تسويقاً "لخمور قديمة في عبوات جديدة"، ورأى آخرون فيها تحولاً عميقاً في السياسة الأميركية تجاه إيران. وبين هذا التحليل وذاك، غابت نقاط مهمة، أولها أن السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس ترامب تطغى عليها عوامل محلية، وحسابات شخصية ومادية، أكثر من أي إدارة أميركية سابقة. ولذلك لا يمكن فهمها وقراءتها من دون أخذ ما يجري في الداخل الأميركي بالاعتبار.
من سوء حظ إيران ربما، ومن سوء إدارتها أيضاً، وجود ما يشبه الإجماع على عداوتها في دوائر النخبة في واشنطن، لكن هناك خلافات أيضاً بشأن ما ينبغي فعله إزاءها، حتى داخل الإدارة نفسها، فالرئيس ترامب، مثلاً، وعلى الرغم من أنه جمع في ادارته أكثر المستشارين تشدّدا نحو إيران، مثل مايك بومبيو وجون بولتون، إلا أن مقاربته لإيران، وأسباب عداوته لها، تختلف عن مقاربة مستشاريه، وأسباب عداوتهم لها. معركته الرئيسة هي مع خصومه داخل الولايات المتحدة (من التيارات الليبرالية واليسارية وغيرهما) وليس مع الخارج، إلا بحدود ما يسهم هذا الخارج في ربح معركته مع الداخل. من هنا، تعد إيران أداةً مهمة، ومجانيةً في الوقت نفسه، لتعبئة جمهوره، ورصه خلفه، وهو جمهور معادٍ لإيران أصلاً. ومن هذه الزاوية، يجب النظر إلى عملية التصعيد التي يمارسها ترامب ضد إيران وأهدافه منها، فترامب يسعى إلى الضغط على إيران، لجلبها إلى طاولة المفاوضات، وليس للدخول في مواجهةٍ عسكريةٍ معها بهدف إضعافها أو إسقاط نظامها، غايته الرئيسة هي الحصول على اتفاق جديد معها، يحمل هذه المرة اسمه، وليس اسم الرئيس أوباما، ويفضل أن يشتمل على تحسينات يستطيع أن يفاخر بأن سلفه فشل في الحصول عليها، مثل تضمنه تنازلاتٍ بشأن برنامج إيران الصاروخي مثلا، أو جعل مدة الاتفاق السابق أطول ببضع سنوات، وقد يقبل حتى بنسخةٍ عن الاتفاق السابق مع تغيير التسمية، كما حصل مع اتفاق "نافتا" الذي جرت إعادة التفاوض عليه، ليعود بالشروط القديمة نفسها، إنما بتسميةٍ جديدة عليها توقيع ترامب.
هدف ترامب من التصعيد، إذاً، دفع إيران إلى طاولة التفاوض، من خلال مجموعة من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. دبلوماسيا، سيمثل مؤتمر وارسو، حال انعقاده، عامل ضغط غير مسبوق على إيران، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي تجمع فيها واشنطن تحالفا (دبلوماسيا) دوليا من هذا النوع، لعزل إيران والتعبئة ضدها. اقتصاديا، فرضت واشنطن عقوبات طاولت قطاعي النفط والمال، تهدف، من جهة، إلى تجفيف منابع السيولة التي تستخدمها إيران لبناء نفوذها الإقليمي، ومن جهة ثانية، زيادة الضغط على النظام في مواجهة قاعدة دعمه الاجتماعي. أما عسكرياً، فقد أولت واشنطن مهمة التصويب على إيران لإسرائيل، وقد فاجأتنا صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي بالكشف عن حجم هذه المهمة ونطاقها.
أما القول بحصول مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران فيفتقر إلى سند، فالعمل العسكري يتطلب حشد قوات وإرسالها إلى المنطقة، وليس سحب قوات منها. كما أن ضربة محدودة ضد إيران تقوّيها لا تضعفها، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وأسعار النفط كبيرة. فوق ذلك، لا يبدو ترامب صاحب شعار "أميركا أولاً" في مزاجٍ يخصّص فيه أموالا لحرب جديدة في الشرق الأوسط. حتى لو دفع العرب له تكاليفها، كما حصل في شرق الفرات، ستجده يقول من أجل من، ولماذا؟ معركتي الكبرى هناك مع الصين.