في موازاة ذلك، خرج رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأخبار" الموالي للسلطة ياسر رزق، بمقالٍ جديد تحدث فيه عن أن النظام المصري بصدد إجراء تحديثات واسعة في سياساته الإدارية وتعامله مع المجال العام، نحو الانفتاح السياسي وإعطاء هامش حرية أكبر للصحافة. ويعيد ذلك إلى الأذهان سلسلة مقالاته التي كتبها قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، وبشّر فيها بمجموعة من الإصلاحات لم يتحقق أيٌّ منها، وتبين لاحقاً أنها كانت في إطار تهدئة الرأي العام لضمان تمرير هادئ للتعديلات.
ولا تنفصل "بشارة" رزق الجديدة عن محاولات النظام المضنية للشوشرة على الزلزال الذي أحدثته مقاطع فيديو محمد علي، وصرف الانتباه الجماهيري عنه، إما عبر تضخيم أحداث غير مهمة وترويجها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو باصطناع مقاطع فيديو ناقدة لمحتوى الشهادات ضد فساد الجيش والرئاسة. كذلك لا يبتعد مقال رزق عن سلسلة المقالات التي سبقت الإشارة إليها من حيث طبيعة المحتوى، فهناك إصرار من جانب النظام على جسّ نبض القوى السياسية الفاترة والخائفة، ببالونات اختبار خاوية من المضمون.
مصادر سياسية مطلعة قالت لـ"العربي الجديد" إن هناك رغبة من النظام لاصطناع نقاشات كبيرة تجذب قسماً من الانتباه العام من ساحة محمد علي، وهذا كان أحد أسباب الإسراع في عقد مؤتمر الشباب المقبل، لأن الرأي العام ينشغل بتصريحات السيسي في جميع الموضوعات، خصوصاً عند رده على مجموعة منتقاة من أسئلة المواطنين.
إلى جانب ذلك، كشفت المصادر أن دائرة الرئيس المصري التي يقودها مدير الاستخبارات العامة عباس كامل، ونجل السيسي ضابط الاستخبارات محمود، كلفت ستة من كبار الكتاب الموالين للسلطة – من بينهم ياسر رزق- بتقديم أفكار جديدة يمكن للرئيس الاختيار منها والحديث عنها بتوسع خلال المؤتمر.
وأضافت المصادر أن هناك موضوعاً ملحاً بالنسبة لدائرة السيسي سيتم تأطيره بشكل لافت خلال المؤتمر، وهو إبراز دور البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، والأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، في تفريخ مجموعات جديدة يمكن الدفع بها مستقبلاً في مضمار العمل السياسي، وخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة بقوة من خلال حزب "مستقبل وطن"، الذي تديره الاستخبارات. وتشعر دائرة السيسي بأن الوقت حان ليؤدي شباب البرنامج الرئاسي دوراً سياسياً شبيهاً بما كانت تقوم به منظمة الشباب في ستينيات القرن الماضي، بعدما تم الدفع بآلاف العناصر كمساعدين للوزراء والمحافظين وكقيادات وسيطة بالوزارات والدواوين الحكومية، وفي مجال الصحافة والإعلام والسلك الدبلوماسي والأكاديمي أيضاً.
وأوضحت المصادر أن هدف السيسي من التصعيد المرتقب هو اجتذاب الطاقات الشابة التي ترغب في الظهور والنجاح ولا تجد بيئة تضمنهما لها، في ظلّ ضيق سوق العمل وتزايد البطالة وهجرة الكفاءات وتراجع القدرات المالية لمؤسسات قطاعات عديدة تعمل في أنشطة ذات صلة بالشأن العام. وبالتالي، فإن البرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للرأي العام يصور أن طريق النجاح الوحيد في مصر حالياً هو الالتحاق بمجموعات شباب السيسي، في صورة مقاربة لما كان يحاول نجل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، جمال مبارك، صنعه في الحزب الوطني، تمهيداً لاعتلائه السلطة قبيل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وأكدت المصادر أن دائرة السيسي بعيدة كلياً في الوقت الحالي عن فتح نوافذ جديدة لحرية التعبير، أو تخفيف القبضة الأمنية على المجال العام والرقابية على الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن البعض يرد الانتشار الواسع لمقاطع محمد علي إلى ضعف المحتوى الإعلامي الرسمي وعدم السماح بتداول أي آراء معارضة، فإن هناك حالة استنفار حالياً خشية أن تستغل بعض الصحف ظاهرة هذا المقاول لرفع سقف تعاطيها مع الأحداث والقرارات الحكومية. وانعكس ذلك في زيادة الضغوط خلال الأسبوع الماضي على الصحف لتغيير مواد وحظر مقالات بعينها. علماً بأن قضية محمد علي لم تناقشها الصحف المصرية بصورة صحافية تحقيقية، عدا بعض المقالات التي تناولت الموضوع بخجل واقتضاب.
وذكرت المصادر أنه إذا كانت هناك نية حقيقية لدى السيسي ودائرته لإنعاش المشهد الإعلامي المختنق وإتاحة مساحة محسوبة من الحرية، لكان قد بادر إلى ذلك بعد تعديل الدستور في إبريل/نيسان الماضي، استجابة لإحصائيات أجرتها الأجهزة السيادية آنذاك، لكن هذا لم يحدث. ووفقاً للمصادر فإن هذه الاحصائيات أكدت زيادة مطردة في أعداد مشاهدي ومتابعي القنوات والمواقع المعارضة للنظام والتي تبث من قطر وتركيا، بما في ذلك المواقع المحجوبة التي أصبح الوصول إليها أسهل عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي. وبحسب المصادر نفسها تراهن مواقع وقنوات معارضة على نجاح الوصول للقارئ المصري عبر صفحات فيسبوك وتويتر مباشرة لبثّ الأخبار والرسائل، بدون الحاجة لأدوات كسر الحجب عن المواقع الأصلية.
وسيبدأ برنامج مؤتمر الشباب الثامن بحضور السيسي، اليوم السبت، بجلسة عن مكافحة الإرهاب في مصر والمنطقة، ثم تخصص جلسة للتحديات التي تواجهها الدولة في صورة الأكاذيب الإعلامية والدعاية السلبية وحروب الجيل الرابع، وينتظر أن يتخللها حديث غير مباشر عن الأثر الهائل الذي تركته شهادات محمد علي المسجلة. وبعد ذلك، ستحدد الجلسة الثالثة لإجابة السيسي على مجموعة مختارة من الأسئلة الجماهيرية، وهي الفقرة التي باتت مفضلة له في النسخ الأخيرة من المؤتمر.