أدوية للهروب من الواقع في سورية

07 يوليو 2019
أدوية متوفّرة عشوائياً (عارف هودفردي يمن/ الأناضول)
+ الخط -

في ظلّ الأوضاع المتردية في سورية، يسعى كثيرون، خصوصاً من فئة الشباب، إلى إيجاد فسحات تتيح لهم الابتعاد عن واقعهم الأليم. اللجوء إلى أدوية مهدّئة ومخدّرة يمثّل مخرجاً ما.

في محاولة للهروب في الواقع المرير الذي يعيشه السوريون، ينتشر تعاطي الأدوية المهدئة والمخدرة في مناطق المعارضة بالشمال السوري، لا سيّما بين الشباب. يأتي ذلك في ظل الضغوط الناجمة عن الحرب في البلاد وتردّي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، فينشط الترويج لها والاتجار بها خصوصاً في مخيّمات النازحين والمناطق العشوائية، في حين تأتي مكافحة ذلك خجولة بالتزامن مع غياب الرقابة بالإضافة إلى غضّ أصحاب بعض الصيدليات الطرف عن وجهة استخدام الأدوية المطلوبة.

يقول مدير الرقابة الدوائية في مديرية إدلب، الدكتور مصطفى دغيم، لـ"العربي الجديد": "لا شكّ في أنّ ثمّة من يبيع أدوية مخدّرة وأخرى خاصة بأمراض نفسيّة، لكنّ ذلك يأتي بطريقة سريّة إذ إنّ القانون يعاقب على ذلك العمل". ويعيد سهولة القيام بذلك إلى "انتشار دكاكين بيع الدواء العشوائية التي تدار من قبل أشخاص لا علاقة لهم بمهنة الصيدلة أو أخلاقيات ممارسة المهنة، ولا يدركون خطورة التعامل مع مثل تلك الأدوية، بالإضافة إلى طمع هؤلاء في بعض الأحيان ورغبتهم في تحقيق أرباح واستغلال حالات المرضى". يضيف دغيم أنّه "لا يمكن تحديد فئات المتعاملين بهذه الأدوية، لكنّها تنتشر في الغالب في أوساط الشباب اليافع، خصوصاً غير المتعلمين والعاطلين من العمل والذين يعانون من جرّاء التهجير والنزوح، والهدف هو الهرب من الواقع المزري الذي يعيشونه".

ويشير دغيم إلى أنّ "ثمّة آليات لمراقبة ذلك من خلال منع انتشار دكاكين بيع الأدوية وترخيص الصيدليات ومراقبة دوام الصيادلة والتأكد من التزامهم بالدوام في صيدلياتهم، من خلال دوريات رقابية صيدلانية على الصيدليات إلى جانب دوريات من نقابة الصيادلة، بالإضافة إلى إغلاق دكاكين الدواء العشوائية". ويشرح أنّ "تلك الإجراءات تأتي في شقَّين، الأوّل يتعلّق بمن يبيع تلك الأدوية من دون وصفات طبية رسمية ممهورة بخاتم الطبيب، فتتخذ الإجراءات العقابية من ضمن القوانين الناظمة للاتجار بالدواء المخدّر أو الخاص بالأمراض النفسية. أمّا الشقّ الثاني فيطاول من يتعاطى تلك الأدوية من خلال التوعية حول مخاطرها على صحته، وثمّة جهات أخرى تتابع الأمر على الأرض لضمان عدم تفشّي ذلك بين جيل الشباب أو فئات أخرى".




من جهته، يقول مسؤول الرقابة الدوائية في مديرية صحة حلب، الدكتور عبد الله القاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأدوية المسبّبة للإدمان انتشرت على نطاق واسع في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أمّا الأسباب فيمكن اختصارها بسهولة الحصول عليها وعدم وجود لجان رقابة على المعابر الخارجية، بالتالي راحت تُهرَّب الأدوية ممنوعة عبر حقائب سفر في الأعوام الماضية، في حين أنّها صارت تدخل اليوم في شاحنات تجارية كبيرة. ومن الأسباب كذلك عدم توفّر رقابة جدية على الصيدليات ومستودعات الأدوية بالتزامن مع غياب المحاسبة". ويشير القاسم إلى أنّ "انتشار تلك الأدوية يطاول مختلف الشرائح العمرية وإن كان الأبرز بين الشباب، علماً أنّها بلغت حتى تلاميذ المدارس. أمّا الشريحة الأكبر التي تتعاطى تلك الأدوية فهي المقاتلون، ويعود ذلك إلى سببَين. الأوّل الإصابات والحاجة إلى تخفيف الألم، لا سيّما مع عدم ضبط الأمر لجهة حجم الجرعات ومدّة استخدامها. أمّا الثاني فهو الجهل، مع ما يشاع بينهم أنّها تساعدهم على التحلّي بالشجاعة في المعارك وتخفّف من خوفهم. بالتالي أدمنوا عليها".

يضيف القاسم أنّ "دوائر الرقابة الدوائية في مديريات الصحة هي دوائر ناشئة، وهي تحاول جاهدة ضبط تلك الظواهر. وكانت المديريات قد بدأت منذ عامَين، أو عام واحد في بعض المناطق، بترخيص الصيدليات، لأنّ واحدا من أسباب فوضى بيع تلك الأدوية هو غياب الصيدلاني والفريق الصحي الواعي وصاحب المعرفة في صيدليته. فالصيدلة صارت مهنة تجارية تهدف إلى الربح فقط ولو أتى ذلك على حساب صحة الناس. كذلك راحت المديريات تقوم بدوريات رقابية على تلك الصيدليات، لكنّ ثمّة صعوبات ما زالت قائمة تتعلّق بتنفيذ القرارات". ويتابع قاسم أنّه "في الفترة الأخيرة، بدأت السلطات التنفيذية والقضائية والمجالس المحلية، بالتعاون مع المديريات، تنفيذ العقوبات التي هي حالياً إغلاق الصيدليات ومنع العمل. ونأمل أن تتوفّر في الفترة المقبلة عقوبات أكثر ردعاً. فلتلك الأدوية آثار جانبية تتراكم مع الاستخدام الممتد، ولعلّ الضرر الأبرز يطاول الجهاز العصبي المركزي. ويأتي ذلك في غياب المصحات الخاصة بالمدمنين، والعلاج لا يتمّ إلا في نطاق ضيّق".




وعن مصادر تلك الأدوية وطرق دخولها، يوضح القاسم أنّها "في معظمها مخصصة لعلاج حالات معينة، لكنّ الاستخدام غير المدروس والممتد، والجرعات الزائدة تحوّلها من علاجية إلى مواد إدمان. بالتالي، فإنّ الأدوية متوفّرة في المنطقة، إمّا تُصنّع في معامل محلية أو تدخل عبر شحنات تجارية نظامية، ويمكن العثور عليها في الصيدليات والمستشفيات. لكن عدم توفّر الرقابة اللازمة على عمليات البيع والتقيّد بوصفة طبية يجعلها بمتناول كثيرين".
المساهمون