أختلف معك ولكني أحبك

25 يونيو 2019
+ الخط -
تحت ظل الشجرة الكبيرة التي زرعت منذ بداية بناء مدرستنا القريبة من حيّنا، نجلس تحتها مع صديقتي أسميتها (ظلنا)، فنخيم في الفرص المدرسية القصيرة منها والطويلة، فتظلنا وتسقي قلبينا، وتخبرني من الهموم ما شاء أن تسرد من واقعها، حتى أتين ذات مرة، الواحدة تلو الأخرى بجلسة جماعية، يتحدثن عن السنة والشيعة ولماذا نكره بعضنا..


فوصل الحد إلى أن تسب إحداهن الأخرى، فأمسكت بيدي وأخذتني بعيدة عنهن.. وأخبرتني: يا رفيقة ما يمنع أن أكون بغير طائفة وأن أحبك حبا جما! ما يمنع لو لم نتحدث عن كل مشاكلنا وجهلنا وبؤسنا، فكما يوجد الاختلاف هناك الحب، الحب يكفينا لنهاية مطاف عمرنا، وكلانا على أمل نولد مرة أخرى، بعد إن ولدنا مرارا، بعد أن دفنا آخر حلم، كلمة، بهجة وحزن.

ومقابل هذا يولد آلاف الملايين من البشر، وكلنا بنفس الملامح باختلاف هيئتنا! وبقيت الدائرة تطوف حولي، ترى كيف يمكن أن تفرق؟ أن تجعل الكره والحب في آن واحد، أن تضع لي مصطلحات لم أعتد عليها.. سني وشيعي، كردي وتركماني وأيزيدي، مسلم ومسيحي..

هذه المسميات التي غلبت على بصيرتنا فجعلت الرقم الأول لنيل الإنسان من الإنسان، وهي مستمرة فقط باختلاف الأوجه.. شريكنا في هذا المأزق هو مجتمعنا! الذي مهد كل السبل في الوصول إلى طرق مغلقة، والحلقة ما قبل النهاية ضمن سلسة متكاملة من فكرة وسيناريو ومصور ومخرج ومنتج.

جمال الإنسان بخضرة التعايش، تتحدث لي فأهتم بك، تشجعني فأكون معك، تزرع نخلة فأجني التمر، تبني بيتا، فأبني روحا، تتقرب وأتقرب أكثر، أبهى ما يكون عليه الإنسان هو غرس التقارب الإنساني، على أن يكون لنفسك ولأسرتك أولا، فتعهدت بسقيها حتى ارتوت ونمت وأثمرت..

يقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار"، أما الدين فهذا خصوصية لكل مجموعة وأمة دون الأخرى وأما المشترك الذي بيننا نساهم في تنميته ونسعى في تميزه، فالاسم جميعه ملكنا (الوطن)..

فالتفكر بالفكرة وتحديد الهدف هذا لن يكون إلا أن تبلغ ببصيرة تنزل بها بمنازل المحبة والتودد والتجمل في الأفعال قبل الأقوال، فتنتهي الرذيلة ويبلغ السلام محله.

المصطلح الحديث الذي علم بعد الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، فقتل الرجال وترملت النساء وفزع الأطفال من هول الحرب! وتفاقم الشأن وضاق قلب الإنسان فتحول لونه إلى رصاصي قاتم.

لنصل هنا إلى ماهية التعايش؟.. يعرف بأنه: (علاقة تفاعلية في بيئة مشتركة، بين فئات مختلفة، بغرض تحقيق استفادة أو تبادل منافع في ظل جو من الاحترام والمودة).. نحن هنا يا صديقي تحت فناء سماء وخضرة الوطن ولسان حالي كما يقول السياب

لولاك يا وطني،
لولاك يا جنتي الخضراء، يا داري
لم تلق أوتاري
ريحا فتنقل آهاتي وأشعاري.

الانتصار الحقيقي هو السعي لتحقيق السعادة، وسعادة الإنسان مرتبطة برابط قوي بين مكونات المجتمع العراقي خاصة، فلا بهجة إلا إذا نشر السلام رايته البيضاء على المجتمع البشري، فغاية الكمال هو الرقي بالإنسان..

الثورة الحقيقية، هي علاج هذا الداء، وينبغي التخلص منه قبل الانتشار أكثر فأكثر، وهذا ما لن يكون إلا بالعلم والتعلم للعيش المشترك وقبول هذا الاختلاف، ومعرفة ما جهلنا به من طرق ووسائل في تطبيق التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، ومنها: كيف يمكننا فهم مفهوم الشعور بالحاجة إلى ضرورة وجود التعايش بين الأطفال؟ وضرورة ملحة في إدراك أن عملية التثقيف بحاجة إلى أن نتحدث على كل المستويات..

فنضم السعد في روح كل روح غلبت على أمرها، بعد أن كانت مشبعة بالسواد، لنخطو بضع خطوات بلون زاهر كالثلج الأبيض. وأنا عند الوعد كما الشجرة أثمرت روحينا، فأحلامنا تثمر بأن أجعل طفلتي تحصد حبا وجمالا لكل هذه الاختلافات والمسميات ببلد واحد ينعش كالبحر الواسع، يغرق من يهدم بيتا ويقتل طفلا، وينجو لمن ينقذ روحا، وينثر الورد في ساحات الوطن.

CB3171AA-8B3D-408C-8052-462A18291439
نور العجمان

بكالوريوس إعلام تخصص إذاعة وتلفزيون.