14 نوفمبر 2024
أخبار وفتاوٍ عابرة
قرأت خبراً، وشاهدت صوراً عن حفر الجيش المصري قناة على امتداد الحدود مع قطاع غزة، وضخه مياه البحر فيها. بدايةً، فرحت، فقد حسبت أننا باتجاه مشروع اقتصادي لتطوير منطقة رفح، كأن تكون هذه القناة مخصصة للصيد في ضوء اعتداءات إسرائيل على الصيادين في عرض البحر، أو لعمل ملاحات في الأراضي الصحراوية، وربما كان الهدف منها توليد تيار كهربائي، يعطي بعض النور لغزة الغارقة في العتمة. لكن، زادت دهشتي عندما عرفت أن الهدف هو إغراق المنطقة الحدودية بالمياه، لضمان تدمير أية أنفاق متبقية، أو منع حفرها من جديد. تعجبت، وقلت في نفسي: هل يعقل أنه ما زال هنالك أنفاق باقية، بعد تدمير آلاف منها، وعمل جدار فولاذي تحت الأرض في المنطقة، وتجريف تربتها، وهدم بيوتها، وترحيل سكانها، ومنع الحركة والزراعة والتنقل فيها. أظن أنه إذا كان هنالك نفق ما زال صامدا، أو شيء من أطلاله وبقاياه، بعد كل هذا التدمير الممنهج، فإن علينا أن نحافظ عليه، باعتباره معجزة بشرية وعجيبة، يجب أن تضاف إلى عجائب الدنيا المنتشرة في أصقاع الأرض.
وإذا عبرنا الحدود من مصر إلى فلسطين، فإن أول ما يصادفنا هو قمع أجهزة الأمن في قطاع غزة تظاهرة، واعتقال بعض من كان يهتف فيها، مطالبا بتوفير الخدمات الإنسانية الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء، ومحملا السلطة وحركة حماس والانقسام والحصار الإسرائيلي والعربي مسؤولية ذلك، وأظن أنه تصرف مدان، كما التصريحات السياسية التي رافقته، واتهمت المتظاهرين بالتحريض على الفوضى والفتنة. وما أحوج المقاومة إلى اجتراح أساليب أرقى من التي تقترفها أجهزة الأمن الممتدة في وطننا كله، أساليب تليق بشعب صامد أمام الاحتلال والحصار والقصف ونقص الخدمات، بل والسعي إلى أسلوب مختلف لإدارة شؤون القطاع، معتمدا على مشاركة شعبية وسياسية أوسع وأشمل.
أما الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فقد استقبل وفداً من أهالي القدس، عشية الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى، وطمأنهم إلى أن القدس والأقصى بخير، وعليهم أن لا يقلقوا.
جميل هذا التفاؤل لدى السيد الرئيس، وكم تمنينا أن يشاركنا فيه، لكي لا نقلق، ونحن نشاهد التقسيم الزماني للمسجد قد تم، والتقسيم المكاني قاب قوسين أو أدنى، والقدس قد استفحل فيها الاستيطان الصهيوني، ونتنياهو قد أجاز استخدام القناصة طلقاتهم الحية لتفريق المرابطين في الأقصى، وأحياء القدس العربية العصية على التهويد، وأجهزة الأمن الفلسطينية مشغولة بمنع امتداد هبة القدس وحراكها إلى عموم الضفة الغربية، بقمع المسيرات المتجهة إلى الحواجز الإسرائيلية. نقبل أن لا نقلق، إذا شاهدنا الانتفاضة تمتد وتشتعل في كل فلسطين، ويترافق معها غضب عربي وإسلامي ودولي، يرغم العدو على التراجع، وإذا أصبح التطبيع والتنسيق الأمني واتفاق أوسلو خلف ظهورنا، حينها يبزغ فجر جديد في المنطقة.
وإذا كان منسوب القلق منخفضاً عند بعضهم على ما يجري في الأقصى من انتهاكات واعتداءات ورغبة صهيونية في السيطرة عليه، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، فإن ثمة فتاوي غريبة عجيبة، وتأويل للنص الديني بما لا يقبله عقل، ولا منطق، ولا شريعة ومقاصدها، وإن كان ظاهرها قد يوهم بالاهتمام بحياة المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، المدافعين عنه بصدورهم العارية، فإن حقيقتها تصب في ترك واجب الجهاد والتصدي والمرابطة في هذا الثغر الذي بارك الله فيه وحوله.
في هذا السياق، خرج علينا اثنان من قادة السلفية الجهادية ومنظرّيها، ممن لهم باع كبير في التنظير والتأويل للفكر الذي ولد داعش، قبل أن ينتقدا هذا التنظيم بعد فشل وساطة قام بها أحدهم لإجراء تبادل ما بين الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبه وسجناء من داعش والقاعدة في السجون الأردنية، خرجا بطلب غريب، نشرته صحف ومواقع عدة، مفاده، بعد تبشيرنا بأن النصر قريب، وأن الإسلام منتصر وقادم لا محالة، أن على حرائر الأقصى اللواتي يدافعن عنه أن يعدن إلى بيوتهن، حتى لا يعرّضن أعراضهن إلى الاعتداء من أراذل الأمم، وأضافا "هدم الأقصى، لا قدر الله، والكعبة، أهون علينا من المساس بأعراضكن، ودماؤكن أغلى علينا من هذه الأماكن، وإنها من مقدساتنا". وتناسيا أن عرض الأمة وشرفها ينتهك يوميا بعيداً عن هؤلاء المرابطات، بل لعلهن الوحيدات مع أقرانهن الرجال الذين يدافعون عن شرف الأمة ومقدساتها. أين هؤلاء من أم عمارة التي قال عنها الرسول (ص) "ما التفتُّ يوم أحد يميناً أوشمالاً إلا وأراها تقاتل دوني"، وقد جرحت يومها 13 جرحا وقاتلت، وهي تشد ثوبها على وسطها.
أما الشيخ سعد الدين الهلالي الذي اعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مصاف الأنبياء، فقد وسع دائرة الفتوى هذه، لتشمل كل من يرابط في الأقصى، رجلاً كان أو امرأة، ضمن تحريف واضح لحديثٍ عن الرسول (ص) عن حرمة سفك دم المسلم بغير حق، مستنداً إلى الحديث "لهدم الكعبة أهون عند لله من سفك دم مسلم"، متناسياً سياق الحديث عن القتل بغير حق وبين المسلمين، ومستدلا منه على أن دم المسلم أغلى عند الله من حجارة الأقصى. تُرى، لو حكمنا العقل قليلاً، إلى أين توصلنا أمثال هذه الفتاوي، غير طريق الخنوع والاستسلام الكامل أمام العدو، في دعوة صريحة إلى التراجع أمامه، على أساس أن للبيت رباً يحميه. وهل الأقصى والكعبة بنظرهم مجرد حجارةٍ، لا ينبغي الدفاع عنهما، أم هما بما تمثله هذه الأماكن المقدسة من مقدسات وشعائر دينية وتاريخ وحضارة.
وما دمنا في سياق تحكيم العقل، فلننتقل من المسجد الأقصى في القدس إلى المسجد الحرام في مكة، حيث وقعت رافعة فوق رؤوس الطائفين حول الكعبة، فقتلت منهم من قتلت، وأصابت آخرين بجراح. حسناً فعلت السلطات السعودية، حين أعلنت أن ما حدث نتيجة خطأ بشري، بعدما تبارى شعراء وشيوخ في وصف ما حدث بأنه فعل إيماني، أصاب الرافعة فخشعت لذكر الله، وسجدت فوق المصلين الذين تغمدهم الله سبحانه وتعالى برحمته. أحد الخبثاء حمد الله عز وجل على أن الرافعات الباقيات لم يؤمنّ ولم يسجدن، وبقين على سيرتهن الأولى.
وإذا عبرنا الحدود من مصر إلى فلسطين، فإن أول ما يصادفنا هو قمع أجهزة الأمن في قطاع غزة تظاهرة، واعتقال بعض من كان يهتف فيها، مطالبا بتوفير الخدمات الإنسانية الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء، ومحملا السلطة وحركة حماس والانقسام والحصار الإسرائيلي والعربي مسؤولية ذلك، وأظن أنه تصرف مدان، كما التصريحات السياسية التي رافقته، واتهمت المتظاهرين بالتحريض على الفوضى والفتنة. وما أحوج المقاومة إلى اجتراح أساليب أرقى من التي تقترفها أجهزة الأمن الممتدة في وطننا كله، أساليب تليق بشعب صامد أمام الاحتلال والحصار والقصف ونقص الخدمات، بل والسعي إلى أسلوب مختلف لإدارة شؤون القطاع، معتمدا على مشاركة شعبية وسياسية أوسع وأشمل.
أما الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فقد استقبل وفداً من أهالي القدس، عشية الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى، وطمأنهم إلى أن القدس والأقصى بخير، وعليهم أن لا يقلقوا.
وإذا كان منسوب القلق منخفضاً عند بعضهم على ما يجري في الأقصى من انتهاكات واعتداءات ورغبة صهيونية في السيطرة عليه، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، فإن ثمة فتاوي غريبة عجيبة، وتأويل للنص الديني بما لا يقبله عقل، ولا منطق، ولا شريعة ومقاصدها، وإن كان ظاهرها قد يوهم بالاهتمام بحياة المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، المدافعين عنه بصدورهم العارية، فإن حقيقتها تصب في ترك واجب الجهاد والتصدي والمرابطة في هذا الثغر الذي بارك الله فيه وحوله.
في هذا السياق، خرج علينا اثنان من قادة السلفية الجهادية ومنظرّيها، ممن لهم باع كبير في التنظير والتأويل للفكر الذي ولد داعش، قبل أن ينتقدا هذا التنظيم بعد فشل وساطة قام بها أحدهم لإجراء تبادل ما بين الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبه وسجناء من داعش والقاعدة في السجون الأردنية، خرجا بطلب غريب، نشرته صحف ومواقع عدة، مفاده، بعد تبشيرنا بأن النصر قريب، وأن الإسلام منتصر وقادم لا محالة، أن على حرائر الأقصى اللواتي يدافعن عنه أن يعدن إلى بيوتهن، حتى لا يعرّضن أعراضهن إلى الاعتداء من أراذل الأمم، وأضافا "هدم الأقصى، لا قدر الله، والكعبة، أهون علينا من المساس بأعراضكن، ودماؤكن أغلى علينا من هذه الأماكن، وإنها من مقدساتنا". وتناسيا أن عرض الأمة وشرفها ينتهك يوميا بعيداً عن هؤلاء المرابطات، بل لعلهن الوحيدات مع أقرانهن الرجال الذين يدافعون عن شرف الأمة ومقدساتها. أين هؤلاء من أم عمارة التي قال عنها الرسول (ص) "ما التفتُّ يوم أحد يميناً أوشمالاً إلا وأراها تقاتل دوني"، وقد جرحت يومها 13 جرحا وقاتلت، وهي تشد ثوبها على وسطها.
أما الشيخ سعد الدين الهلالي الذي اعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مصاف الأنبياء، فقد وسع دائرة الفتوى هذه، لتشمل كل من يرابط في الأقصى، رجلاً كان أو امرأة، ضمن تحريف واضح لحديثٍ عن الرسول (ص) عن حرمة سفك دم المسلم بغير حق، مستنداً إلى الحديث "لهدم الكعبة أهون عند لله من سفك دم مسلم"، متناسياً سياق الحديث عن القتل بغير حق وبين المسلمين، ومستدلا منه على أن دم المسلم أغلى عند الله من حجارة الأقصى. تُرى، لو حكمنا العقل قليلاً، إلى أين توصلنا أمثال هذه الفتاوي، غير طريق الخنوع والاستسلام الكامل أمام العدو، في دعوة صريحة إلى التراجع أمامه، على أساس أن للبيت رباً يحميه. وهل الأقصى والكعبة بنظرهم مجرد حجارةٍ، لا ينبغي الدفاع عنهما، أم هما بما تمثله هذه الأماكن المقدسة من مقدسات وشعائر دينية وتاريخ وحضارة.
وما دمنا في سياق تحكيم العقل، فلننتقل من المسجد الأقصى في القدس إلى المسجد الحرام في مكة، حيث وقعت رافعة فوق رؤوس الطائفين حول الكعبة، فقتلت منهم من قتلت، وأصابت آخرين بجراح. حسناً فعلت السلطات السعودية، حين أعلنت أن ما حدث نتيجة خطأ بشري، بعدما تبارى شعراء وشيوخ في وصف ما حدث بأنه فعل إيماني، أصاب الرافعة فخشعت لذكر الله، وسجدت فوق المصلين الذين تغمدهم الله سبحانه وتعالى برحمته. أحد الخبثاء حمد الله عز وجل على أن الرافعات الباقيات لم يؤمنّ ولم يسجدن، وبقين على سيرتهن الأولى.