أحياناً نتعلم من خصومنا

06 اغسطس 2016

بكري وعكاشة وموسى وزكريا .. نافقوا المزاج الشعبي العام

+ الخط -
دخل اللواء حسن الرويني، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، في 5 فبراير/ شباط 2011، ميدان التحرير غاضباً، حاول هدم جزءٍ من السور، وصاح بوجوه المعتصمين، متهماً إياهم بحرق السيارات وتعطيل البلد وطالبهم بالرحيل، ووصف الثورة بأنها "زيطة ومنظر بس، مش ده اللي هيضغط على الحكومة ويحقق مطالب فئة معينة". بعد ستة أيام، كان اللواء محسن الفنجري يوجه تحيته العسكرية الشهيرة لشهداء الثورة.
تكرّر هذا التحول الدرامي مراراً، أصبح مصطفى بكري ثائراً كبيراً، وقدّم أحد بلاغات محاكمة حسني مبارك. وتفاخر توفيق عكاشة بأنه أحد مفجري الثورة. وكتب المذيع أحمد موسى في ذكرى الثورة الأولى ممتدحاً موقف الجيش في "مساندة للثورة ومطالب الشعب". وكرّر الفنان طلعت زكريا، صاحب الاتهام الشهير للمعتصمين بممارسة "علاقات جنسية كاملة"، اعتذاراتٍ متذللة. ووصل الأمر إلى تصريح فريد الديب، محامي مبارك، بأن مبارك نفسه كان يؤيد مطالب شباب التحرير!.
لم يكن هؤلاء ينافقون شخصاً أو جهةً، بل كانوا ينافقون "المزاج الشعبي العام"، لأنه ببساطة بدون قواعد شعبية لا معنى لأي عمل سياسي أو إعلامي، وبقدر ما يهدفون إلى تغيير أفكار الشعب، بقدر ما كانوا يُحنون رؤوسهم فوراً، حين يشعرون بقوة الرياح الشعبية المعاكسة.
هل يمكن أن تتعلم المعارضة المصرية شيئاً من أعدائها؟ لا أطالب بنفاق الناس ضد قناعاتنا. لكن، يجب تغيير أسلوب الخطاب أو حتى الصمت عن أمور معينة. ليست الشعوب دائماً على حق، وليس من الصحيح تقديس الشعوب أو تحقيرها. لكن، في المقابل، على أي سياسيٍّ الاستجابة لتوجهات الناس، لأنه بدونهم لا أفراد في المظاهرات، ولا أصوات في الصندوق، بدونهم يصبح السياسي لا شيء.
وقفت المعارضة المصرية، في مشاهد عديدة، ضد "المزاج الشعبي العام"، منذ شهدنا اعتصاماتٍ في ميدان التحرير، لا يرى بها الناس إلا تعطيلاً، ومروراً بخطاب "ثوار أحرار" في وسط سأم تلك الشعارات، ونهاية بقمة الجنون السياسي بسباب الشعب "عبيد البيادة"، حتى إن بعض المظاهرات الإخوانية هتفت "مش هنعيش عبيد علشانكم، هنحرركم غصب عنكم"! وبالتوازي مع التراجع أمام الرياح الشعبية، كان أنصار النظام القديم يطوّرون خطابهم، بعد الثورة تحوّل الخطاب فوراً إلى: "الثورة الرائعة نجحت، والجيش ساندها. لذلك، أوقفوا المظاهرات"، ثم بعد فوز مرسي: "لديكم الآن رئيس فاهدأوا، واتركوا له أمور الجيش والشرطة"، وبهذه الأجواء، شهدنا امتداح بعض رموز نظام مبارك مرسي، وسرعان ما تحول الخطاب إلى الهجوم الكاسح ضد مرسي، مع استخدام الثورة نفسها سلاحاً، ثم مع سقوطه، شاهدنا ذروة الارتداد بخطاب يركّز على "نكسة الثورة". ثم استقر الوضع على صيغةٍ تلفيقية بين الروايتين، فأصبحت الثورة عملاً مجيداً ضد مبارك الذي تأخر رحيله 15 سنة، على حد قول عبد الفتاح السيسي، لكن اختطفها الإخوان الأوغاد، وما زالت ديباجة الدستور المصري الحالي تمتلئ بمديح الثورة.
بالتوازي مع تغير الخطاب، كانت الوجوه أيضاً تتغير، بسرعة تجاوزوا سقوط مبارك، وانتقلوا إلى تأييد المجلس العسكري، ثم تأييد أحمد شفيق، ثم تجاوزوا عزل قائدي الجيش، حسين طنطاوي وسامي عنان، إلى الوجه الجديد: السيسي.
في كل مرةٍ يخسرون جولةً، كانوا ينتقلون إلى ما بعدها، بخطابٍ جديد، ووجوه جديدة. اليوم، لن تجد أحدهم يتحدّث عن شرعية مبارك، أو عن أحقية شفيق بالفوز بالانتخابات، بينما مازال بيننا من يتشاجر حول أحداث شارع محمد محمود!.
وبينما يحتفون بكل مؤيد للثورةٍ انتقل إلى معسكرهم، فأصبح طارق الخولي مثلاً عضواً برلمانياً بقائمة دعم الدولة، ولم يطالبه أحد باعتذارٍ عن ماضيه، ما زال بيننا من يسخر ويعاير ويجلد بقسوة كل عائد، وبيننا من يشترط اعتذاراً على مقاسه بالضبط. من المستحيل أن تحصل على اعترافٍ ذليلٍ من الملايين بأنهم كانوا حمقى وخُدعوا، سيؤدي هذا الخطاب الاستفزازي إلى تمسّكهم بمواقعهم ضدك من باب العِناد، بينما من الممكن استمالة الشريحة المتململة بخطاب هادئ ينتقد الحاضر، ويزرع الأمل في المستقبل، إذا تغير الوضع الحالي. الحكمة ضالة المؤمن، ولو عند خصومه.