إسطنبول اليوم، تختلف عن إسطنبول الحزينة التي حاول كثيرون، وربما أبرزهم، الحائز على نوبل، أورهان باموق، تصويرها في روايات عدة، كـ"الثلج" أو "إسطنبول.. الذكريات والمدينة".
كان المترجم الأشهر عن التركية، الراحل عبد القادر عبد اللي، يحكي عن إسطنبول أثناء دراسته الفنون الجميلة في جامعة المعماري سنان، خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكأنه يستشعر الفصل العاشر من رواية إسطنبول لباموق "الحزن" قبل أن يكتبها. وكانت ملامح عبد اللي، تنفرج وكأنه ممن ساهموا بمسح الحزن عن هذه المدينة، حينما يتكلم عن المدينة الفرحة والنظيفة، وكيف كان، وغيره، لا يجرؤون على المرور من بعض الأحياء والمناطق السياحية، التي باتت اليوم، من العلامات الفارقة الجميلة في إسطنبول، كحي "بلاط" الذي يذكر عبد اللي أنه كان مأوى لـ"الحشاشين والشريرين" في حين تحول اليوم إلى أكثر سواحل القرن الذهبي، جمالاً وإغراء.
كان يسرد المترجم الراحل، قصص إسطنبول عبر مراحلها "بيزنطة، أغسطا أنطونيا، القسطنطينية، إسلامبول وأخيراً إسطنبول"، ولا أعرف سبب سهولة حفظ أو تذكر أسماء الأحياء، هل لأنها ذات صلة بالتاريخ أو لأنها قريبة من أحداث وأمكنة مألوفة... أو أسماء نعرفها، كحيي كجهان غير وبيازيد، ابني السلطان سليمان القانوني، أو حي عثمان بيه المنسوب لأبي الملوك غازي سلطان عثمان خان أول ابن لأرطغرل، ما ترك سؤالاً معلقاً بذاكرتي منذ ذاك الوقت، حول سهولة أسماء أحياء إسطنبول أو شوارعها، حتى لمن لا يجيد التركية.
فكل اسم له علاقة بحدث أو تخليد لشخص، أو تذكير بمن سكن هذا الحي، فأكثر المناطق شهرة في إسطنبول، "تقسيم" اكتسبت اسمها من كونها منطقة تقسيم المياه، أما حي "الفاتح" فقد جاءت تسميته نسبة للسلطان العثماني محمد الثاني، فاتح القسطنطينية، فيما منطقة "أق صراي" أو القصر الأبيض، فجاء اسمها نسبة إلى القادمين من ولاية أقصراي وسط تركيا.
أسماء عربية
ثمة شوارع وأماكن تحمل أسماء عربية، كشارع "بغداد" في الطرف الآسيوي من إسطنبول، طريق موجود منذ أيام البيزنطيين، بحسب المصادر التركية، وفي فترة الحكم العثماني، وقت كانت القوافل تنطلق من منطقة "أوسكودار" إلى جهة دمشق وبغداد، وكذلك الجيوش العثمانية، مستخدمة الشارع، ومن هنا جاءت تسميته.
وما يتعلق باسم منطقة "طوب كابي" فكان اسم "الباب العالي" يطلق على الدوائر الحكومية، إذ إن كل مكتب حكومي بإسطنبول كان يطلق عليه هذا الاسم المأخوذ من اللغة العربية، وفي الجانب الأوروبي لمضيق البوسفور، تقع منطقة "بيبك" وتعني الرضيع، وهناك روايتان حول تسميتها، الأولى تتعلق بتعيين موظف من قبل السلطان "محمد الفاتح" يحمل اسم "بيبك جلبي"، أو "بيبك جاويش"، والثانية تعود إلى أن أحد السلاطين شاهد ابنه خائفا من أفعى في حديقة بالمنطقة، فقال له: "بيبك".
"غابة بلغراد" والتي تعد غابة بحد ذاتها ضمن إسطنبول، استقت اسمها من "قرية بلغراد الجديدة" التي بناها السلطان سليمان القانوني، ووضع فيها ألفا و521 أسيرا صربيا بعد فتح البلاد، في حين أن حي "بشيكطاش" أحد أشهر أحياء إسطنبول وأرقاها، جاءت تسميته من اسمها القديم "Kone Petro"، وتعني سرير الرضيع الحجري.
ولاسم هذا الحي حكاية، حيث جلب الراهب "ياكشا" مهد السيد المسيح عيسى الحجري من القدس، الذي غسل فيه، ووضعه داخل كنيسة أنشئت في المنطقة، وبعد وفاة الراهب وضع في "آيا صوفيا"، لكن لا دليل على ذلك.
وإلى قلب إسطنبول، حيث تقع منطقة "جراح باشا" التي سميت باسم جامع في المنطقة يعود تاريخه إلى القرن الـ 16، وأمر ببنائه الصدر الأعظم جراح محمد باشا، فيما منطقة "جيهانغير" الشهيرة وسط المدينة، تستمد اسمها من الجامع الذي أمر السلطان سليمان القانوني ببنائه، تخليدا لابنه جيهانغير، على ارتفاع 300 قدم.
وخارج أسوار إسطنبول من جهة الغرب، تقع منطقة "باقر كوي "، التي كانت مصيفا في عصر البيزنطيين، وبزمن "كونسطانطينوس" الأكبر، بنيت فيها القصور والكنائس، وكان اسم هذه المنطقة قبل الفتح العثماني "ماكرو هوري" ثم حملت اسم "ماكروكوي" في فترة العثمانيين؛ حيث تم تتريك كلمة "هوري"، التي تعني قرية باليونانية إلى الترجمة التركية لها وهي "كوي". وبعد إعلان الجمهورية (1923)، تم تتريك الاسم بالكامل ليصبح "باقر كوي"، ويعني قرية النحاس.
وفي ما يتعلق بـ"دولما باهتشه" القريبة من منطقة "باشكتاش" فكانت مصيفا خلال العصر البيزنطي، وفي فترة الحكم العثماني أمر السلطان "أحمد الأول" بردم هذا الخليج الصغير، واستكمل في فترة السلطان "عثمان الثاني"، قبل أن تتحول عام 1614 إلى حديقة باسمه، ومع مرور الوقت أصبحت تحمل اسم حديقة "دولما باهتشه".
القسم الآسيوي
في الجانب الآسيوي يقع الحي الشهير "قاضي كوي" وتعني قرية القاضي، وهو حي قديم كان مهملا، إلى أن أقام فيه السلطان "خضر بي" قاضي إسطنبول، بعد الفتح العثماني، فجاء الاسم من هنا، أما منطقة "سوتلوجة" فلها قصة تسمية غريبة، فهمي قرية بيزنطية قديمة، تضم تمثالا برونزيا لامرأة تسيل المياه من أثدائها، وكانت القناعة آنذاك بأن السيدة المرضع إذا شربت منه يزيد إدرارها من الحليب وتعني بالتركية "سوت".
منطقة "أون كاباني" وهي كلمة تركية مركبة تعني بالعربية ميزان الدقيق. إذ كانت تلك المنطقة في فترة الحكم العثماني سوقا للبيع والشراء، وبعد فتح إسطنبول كانت تأتي البضائع إليها عبر السفن المحملة بطحين القمح، والتي كانت توزن بالقبان، وهي كلمة عربية، ومن هنا جاءت التسمية.
وتمتد غرابة الأسماء إلى منطقة "شيشلي" التي كانت تقيم بها عائلة اشتهرت بصنع الأسياخ (شيش تعني سيخ) وتعود تسمية منطقة "امينونو" نظراً لوجود مسؤولين مكلفين بمراقبة التجار، كان يطلق عليهم الأمناء (أمناء الجمارك)، وذلك خلال فترة الحكم العثماني.
وربما أخذت بعض الأحياء اسمها، من أحداث سياسية وتأييد تركيا للشعوب، كـ "يني بوسنا" بعد أحداث البوسنة والهرسك، ومناطق أخرى كثيرة، أتت بعد توسع إسطنبول "الثانية والثالثة" كـ"بيلك دوزو" و"باشاك شهير" و"اسينيورت" والتي لم تخرج بتسميتها، عن الذهنية بتسمية الأحداث التي لها علاقة بحدث أو شخصية.
كان المترجم الأشهر عن التركية، الراحل عبد القادر عبد اللي، يحكي عن إسطنبول أثناء دراسته الفنون الجميلة في جامعة المعماري سنان، خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكأنه يستشعر الفصل العاشر من رواية إسطنبول لباموق "الحزن" قبل أن يكتبها. وكانت ملامح عبد اللي، تنفرج وكأنه ممن ساهموا بمسح الحزن عن هذه المدينة، حينما يتكلم عن المدينة الفرحة والنظيفة، وكيف كان، وغيره، لا يجرؤون على المرور من بعض الأحياء والمناطق السياحية، التي باتت اليوم، من العلامات الفارقة الجميلة في إسطنبول، كحي "بلاط" الذي يذكر عبد اللي أنه كان مأوى لـ"الحشاشين والشريرين" في حين تحول اليوم إلى أكثر سواحل القرن الذهبي، جمالاً وإغراء.
كان يسرد المترجم الراحل، قصص إسطنبول عبر مراحلها "بيزنطة، أغسطا أنطونيا، القسطنطينية، إسلامبول وأخيراً إسطنبول"، ولا أعرف سبب سهولة حفظ أو تذكر أسماء الأحياء، هل لأنها ذات صلة بالتاريخ أو لأنها قريبة من أحداث وأمكنة مألوفة... أو أسماء نعرفها، كحيي كجهان غير وبيازيد، ابني السلطان سليمان القانوني، أو حي عثمان بيه المنسوب لأبي الملوك غازي سلطان عثمان خان أول ابن لأرطغرل، ما ترك سؤالاً معلقاً بذاكرتي منذ ذاك الوقت، حول سهولة أسماء أحياء إسطنبول أو شوارعها، حتى لمن لا يجيد التركية.
فكل اسم له علاقة بحدث أو تخليد لشخص، أو تذكير بمن سكن هذا الحي، فأكثر المناطق شهرة في إسطنبول، "تقسيم" اكتسبت اسمها من كونها منطقة تقسيم المياه، أما حي "الفاتح" فقد جاءت تسميته نسبة للسلطان العثماني محمد الثاني، فاتح القسطنطينية، فيما منطقة "أق صراي" أو القصر الأبيض، فجاء اسمها نسبة إلى القادمين من ولاية أقصراي وسط تركيا.
أسماء عربية
ثمة شوارع وأماكن تحمل أسماء عربية، كشارع "بغداد" في الطرف الآسيوي من إسطنبول، طريق موجود منذ أيام البيزنطيين، بحسب المصادر التركية، وفي فترة الحكم العثماني، وقت كانت القوافل تنطلق من منطقة "أوسكودار" إلى جهة دمشق وبغداد، وكذلك الجيوش العثمانية، مستخدمة الشارع، ومن هنا جاءت تسميته.
وما يتعلق باسم منطقة "طوب كابي" فكان اسم "الباب العالي" يطلق على الدوائر الحكومية، إذ إن كل مكتب حكومي بإسطنبول كان يطلق عليه هذا الاسم المأخوذ من اللغة العربية، وفي الجانب الأوروبي لمضيق البوسفور، تقع منطقة "بيبك" وتعني الرضيع، وهناك روايتان حول تسميتها، الأولى تتعلق بتعيين موظف من قبل السلطان "محمد الفاتح" يحمل اسم "بيبك جلبي"، أو "بيبك جاويش"، والثانية تعود إلى أن أحد السلاطين شاهد ابنه خائفا من أفعى في حديقة بالمنطقة، فقال له: "بيبك".
"غابة بلغراد" والتي تعد غابة بحد ذاتها ضمن إسطنبول، استقت اسمها من "قرية بلغراد الجديدة" التي بناها السلطان سليمان القانوني، ووضع فيها ألفا و521 أسيرا صربيا بعد فتح البلاد، في حين أن حي "بشيكطاش" أحد أشهر أحياء إسطنبول وأرقاها، جاءت تسميته من اسمها القديم "Kone Petro"، وتعني سرير الرضيع الحجري.
ولاسم هذا الحي حكاية، حيث جلب الراهب "ياكشا" مهد السيد المسيح عيسى الحجري من القدس، الذي غسل فيه، ووضعه داخل كنيسة أنشئت في المنطقة، وبعد وفاة الراهب وضع في "آيا صوفيا"، لكن لا دليل على ذلك.
وإلى قلب إسطنبول، حيث تقع منطقة "جراح باشا" التي سميت باسم جامع في المنطقة يعود تاريخه إلى القرن الـ 16، وأمر ببنائه الصدر الأعظم جراح محمد باشا، فيما منطقة "جيهانغير" الشهيرة وسط المدينة، تستمد اسمها من الجامع الذي أمر السلطان سليمان القانوني ببنائه، تخليدا لابنه جيهانغير، على ارتفاع 300 قدم.
وخارج أسوار إسطنبول من جهة الغرب، تقع منطقة "باقر كوي "، التي كانت مصيفا في عصر البيزنطيين، وبزمن "كونسطانطينوس" الأكبر، بنيت فيها القصور والكنائس، وكان اسم هذه المنطقة قبل الفتح العثماني "ماكرو هوري" ثم حملت اسم "ماكروكوي" في فترة العثمانيين؛ حيث تم تتريك كلمة "هوري"، التي تعني قرية باليونانية إلى الترجمة التركية لها وهي "كوي". وبعد إعلان الجمهورية (1923)، تم تتريك الاسم بالكامل ليصبح "باقر كوي"، ويعني قرية النحاس.
وفي ما يتعلق بـ"دولما باهتشه" القريبة من منطقة "باشكتاش" فكانت مصيفا خلال العصر البيزنطي، وفي فترة الحكم العثماني أمر السلطان "أحمد الأول" بردم هذا الخليج الصغير، واستكمل في فترة السلطان "عثمان الثاني"، قبل أن تتحول عام 1614 إلى حديقة باسمه، ومع مرور الوقت أصبحت تحمل اسم حديقة "دولما باهتشه".
القسم الآسيوي
في الجانب الآسيوي يقع الحي الشهير "قاضي كوي" وتعني قرية القاضي، وهو حي قديم كان مهملا، إلى أن أقام فيه السلطان "خضر بي" قاضي إسطنبول، بعد الفتح العثماني، فجاء الاسم من هنا، أما منطقة "سوتلوجة" فلها قصة تسمية غريبة، فهمي قرية بيزنطية قديمة، تضم تمثالا برونزيا لامرأة تسيل المياه من أثدائها، وكانت القناعة آنذاك بأن السيدة المرضع إذا شربت منه يزيد إدرارها من الحليب وتعني بالتركية "سوت".
منطقة "أون كاباني" وهي كلمة تركية مركبة تعني بالعربية ميزان الدقيق. إذ كانت تلك المنطقة في فترة الحكم العثماني سوقا للبيع والشراء، وبعد فتح إسطنبول كانت تأتي البضائع إليها عبر السفن المحملة بطحين القمح، والتي كانت توزن بالقبان، وهي كلمة عربية، ومن هنا جاءت التسمية.
وتمتد غرابة الأسماء إلى منطقة "شيشلي" التي كانت تقيم بها عائلة اشتهرت بصنع الأسياخ (شيش تعني سيخ) وتعود تسمية منطقة "امينونو" نظراً لوجود مسؤولين مكلفين بمراقبة التجار، كان يطلق عليهم الأمناء (أمناء الجمارك)، وذلك خلال فترة الحكم العثماني.
وربما أخذت بعض الأحياء اسمها، من أحداث سياسية وتأييد تركيا للشعوب، كـ "يني بوسنا" بعد أحداث البوسنة والهرسك، ومناطق أخرى كثيرة، أتت بعد توسع إسطنبول "الثانية والثالثة" كـ"بيلك دوزو" و"باشاك شهير" و"اسينيورت" والتي لم تخرج بتسميتها، عن الذهنية بتسمية الأحداث التي لها علاقة بحدث أو شخصية.