هي أختي بحكم بطاقة هويتي الشخصية، ولكنها ابنتي بواقع الظرف الذي فرض نفسه قبل 20 عاماً بالتمام، ففي عام 1996 تركها والدي للحياة – هي لا تتذكره، إذ كان عمرها يوم مات 3 سنوات – واليوم وفي 2016 أتركها أنا لحياتها الجديدة حيث تزوجت سارة، المشترك بين التاريخين أنني أقبع في نفس المكان حيث كان والدي "سجن طره".
في عام 1993 كان ميلاد سارة - آخر العنقود - رقم 7 في أبناء الأستاذ عبدالرحمن عبدالفتاح، نقيب معلمي محافظة الفيوم بمصر، وقبل أن تبلغ الفطام كان نظام المخلوع حسني مبارك، كشّر عن أنيابه لجماعة الأخوان المسلمين فاعتقل 88 من قيادييها من مختلف المحافظات ثم أحالهم للقضاء العسكرى فكانت القضية 8/95 جنايات عسكرية، والتي حكمت على والدي وقتها بالسجن المشدد 3 سنوات، وأثناء فترة العقوبة والتي كان يقضيها فى سجن ملحق مزرعة طره اشتدت عليه أمراضه فقابلتها إدارة السجن بالإهمال واللامبالاة، إذ كانت ترسله للعلاج بمستشفى المنيل الجامعي - قصر العيني القديم - حيث إن عنبر المساجين بالمستشفى لا يستقبل مرضى كونه تحت الإصلاح - وكانت ترسل معه وقتئذ رسالة خطيه مفادها: "السادة/ قصر العيني، موفد برفقة ضابط عظيم، المسجون شديد الخطورة من الفئة (أ) عبدالرحمن عبدالفتاح، برجاء تشديد الحراسة عليه ومنعه من الاتصال بذويه خشيه نقل تعليمات أو تكليفات للغير".
فما كان من المستشفى إلا أن رفض استقباله متعذراً بعدم وجود الحراسه اللازمة فعاد أدراجه لمحبسه، وتكرر ذلك الأمر مرات، حتى إذا كانت المرة التي دبرت فيها وزارة الداخلية الحراسة اللازمة لهذا المسجون، استقبله المستشفى ليلفظ أنفاسه بعد 48 ساعة من دخوله وذلك يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1996.
وقتها كانت سارة قد اتمت 3 سنوات من عمرها، وبالتالي فإن ذاكرتها لم تكن لتحتفظ بشيء عن أبيها أو عن ظروف سجنه أو عن المرات القليلة التي كانت تزوره فيها برفقتي فيحتضنها بحنان ويلاعبها بشوق.
كنت أكبر منها بـ 18 عاما كاملة، فكنت أباها بعد رحيل أبيها.. ألعب معها، أتابع دروسها ومدرستها، أصحبها للأستوديو لالتقاط أول صورة لها، أحضر معها الحفلات والمناسبات المدرسية وأعياد الميلاد. أنهت دراستها بالثانوية العامة.. ملأت معها استمارة تنسيق الجامعة، ثم أنهت دراستها الجامعية.
كبرت سارة تحت ناظري.. فكنت أتابع كل شيء في حياتها، حتى ملابسها، فكان وجهها يتلألأ نورا حين أرادت الحجاب، وقتها شعرت بأن ابنتي - أختي - أصبحت الآنسة سارة، ومن يومها بدأت أستقبل الخطّاب الذين كانوا يتوافدون لطلب يدها مني رغم أني لست أكبر أخوتي، إلا أن الغربة كانت قد أبعدتهم خارج البلاد.
اشتعلت البلاد بالثورة فاصطحبتها معي إلى ميدان التحرير خلال الـ 18 يوماً، كما كنت أنا أيضا من أصطحبها إلى اعتصام رابعة قبل أن أسقط مصابا فى مجزرة الحرس الجمهوري.
كان آخر ما يمكن أن يخطر ببالي أن تتزوج سارة في غيابي، حيث أقبع حيث كان والدي قبل 20 عاما - في سجن طره.
تزورني سارة فى السجن فأقول لها ممازحا في أول زيارة: "أهلا بك في سجن طره، الآن يمكن لذاكرتك أن تخزن ذكريات عن هذا المكان، لم تكن لتحتفظ بها قديما".
بعد عقدين من الزمان على وفاة والدي، ها أنا ذا في نفس المكان، أسترجع شريط الذكريات، أحداث كثيرة مرت، ثورة قامت ثم أجهضت، طاغية ثار عليه شعبه وإذا هو حر طلق، ورئيس مدني منتخب لأول مرة في تاريخ البلاد في انتخابات حرة ونزيهة يقضي خلف الأسوار، وفرعون طغى في البلاد وأكثر فيها الفساد، شهداء ارتقوا وجرحى سقطوا، آلاف كانت آمنه وأصبحت مطاردة داخل البلاد وخارجها.
شعب ذاق طعم الحرية ثم استلبها، جماعة تتعرض لأكبر محنة منذ نشأتها، عشرات الآلاف من الأسرى - وأنا منهم - ترقب الأوضاع وتتابع الأحداث وتنتظر من الأيام أن تأتيهم بـ "أخبار سارة".
سجن استقبال طره... الاثنين 1فبراير/ 2016، 22ربيع آخر 1437هـ (يوم زواج سارة)
في عام 1993 كان ميلاد سارة - آخر العنقود - رقم 7 في أبناء الأستاذ عبدالرحمن عبدالفتاح، نقيب معلمي محافظة الفيوم بمصر، وقبل أن تبلغ الفطام كان نظام المخلوع حسني مبارك، كشّر عن أنيابه لجماعة الأخوان المسلمين فاعتقل 88 من قيادييها من مختلف المحافظات ثم أحالهم للقضاء العسكرى فكانت القضية 8/95 جنايات عسكرية، والتي حكمت على والدي وقتها بالسجن المشدد 3 سنوات، وأثناء فترة العقوبة والتي كان يقضيها فى سجن ملحق مزرعة طره اشتدت عليه أمراضه فقابلتها إدارة السجن بالإهمال واللامبالاة، إذ كانت ترسله للعلاج بمستشفى المنيل الجامعي - قصر العيني القديم - حيث إن عنبر المساجين بالمستشفى لا يستقبل مرضى كونه تحت الإصلاح - وكانت ترسل معه وقتئذ رسالة خطيه مفادها: "السادة/ قصر العيني، موفد برفقة ضابط عظيم، المسجون شديد الخطورة من الفئة (أ) عبدالرحمن عبدالفتاح، برجاء تشديد الحراسة عليه ومنعه من الاتصال بذويه خشيه نقل تعليمات أو تكليفات للغير".
فما كان من المستشفى إلا أن رفض استقباله متعذراً بعدم وجود الحراسه اللازمة فعاد أدراجه لمحبسه، وتكرر ذلك الأمر مرات، حتى إذا كانت المرة التي دبرت فيها وزارة الداخلية الحراسة اللازمة لهذا المسجون، استقبله المستشفى ليلفظ أنفاسه بعد 48 ساعة من دخوله وذلك يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1996.
وقتها كانت سارة قد اتمت 3 سنوات من عمرها، وبالتالي فإن ذاكرتها لم تكن لتحتفظ بشيء عن أبيها أو عن ظروف سجنه أو عن المرات القليلة التي كانت تزوره فيها برفقتي فيحتضنها بحنان ويلاعبها بشوق.
كنت أكبر منها بـ 18 عاما كاملة، فكنت أباها بعد رحيل أبيها.. ألعب معها، أتابع دروسها ومدرستها، أصحبها للأستوديو لالتقاط أول صورة لها، أحضر معها الحفلات والمناسبات المدرسية وأعياد الميلاد. أنهت دراستها بالثانوية العامة.. ملأت معها استمارة تنسيق الجامعة، ثم أنهت دراستها الجامعية.
كبرت سارة تحت ناظري.. فكنت أتابع كل شيء في حياتها، حتى ملابسها، فكان وجهها يتلألأ نورا حين أرادت الحجاب، وقتها شعرت بأن ابنتي - أختي - أصبحت الآنسة سارة، ومن يومها بدأت أستقبل الخطّاب الذين كانوا يتوافدون لطلب يدها مني رغم أني لست أكبر أخوتي، إلا أن الغربة كانت قد أبعدتهم خارج البلاد.
اشتعلت البلاد بالثورة فاصطحبتها معي إلى ميدان التحرير خلال الـ 18 يوماً، كما كنت أنا أيضا من أصطحبها إلى اعتصام رابعة قبل أن أسقط مصابا فى مجزرة الحرس الجمهوري.
كان آخر ما يمكن أن يخطر ببالي أن تتزوج سارة في غيابي، حيث أقبع حيث كان والدي قبل 20 عاما - في سجن طره.
تزورني سارة فى السجن فأقول لها ممازحا في أول زيارة: "أهلا بك في سجن طره، الآن يمكن لذاكرتك أن تخزن ذكريات عن هذا المكان، لم تكن لتحتفظ بها قديما".
بعد عقدين من الزمان على وفاة والدي، ها أنا ذا في نفس المكان، أسترجع شريط الذكريات، أحداث كثيرة مرت، ثورة قامت ثم أجهضت، طاغية ثار عليه شعبه وإذا هو حر طلق، ورئيس مدني منتخب لأول مرة في تاريخ البلاد في انتخابات حرة ونزيهة يقضي خلف الأسوار، وفرعون طغى في البلاد وأكثر فيها الفساد، شهداء ارتقوا وجرحى سقطوا، آلاف كانت آمنه وأصبحت مطاردة داخل البلاد وخارجها.
شعب ذاق طعم الحرية ثم استلبها، جماعة تتعرض لأكبر محنة منذ نشأتها، عشرات الآلاف من الأسرى - وأنا منهم - ترقب الأوضاع وتتابع الأحداث وتنتظر من الأيام أن تأتيهم بـ "أخبار سارة".
سجن استقبال طره... الاثنين 1فبراير/ 2016، 22ربيع آخر 1437هـ (يوم زواج سارة)