"عُلقت بالكلبشات، وضُربت على ظهري، وصُفع وجهي، وأخبروني أنني سأكون جمال خاشقجي آخر"؛ هذا جزء من رواية الصحافي اليمني، أحمد حوذان، لقصة اختطافه من قبل مليشيا الحوثيين لنحو عام في سجون صنعاء.
وسط زنزانة ضيّقة احتجز الحوثيون حوذان، وحققوا معه، وبدأت خلالها رحلة مأساوية في السجن تعرّض أثناءها للتعذيب الجسدي والنفسي وأجبر على توقيع اعترافات ملفقة.
اختطف المسلحون الحوثيون الصحافي أثناء تغطيته احتجاجات شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ضمن ما عُرف بـ"ثورة الجياع".
وروى حوذان لـ"العربي الجديد" تفاصيل من التعذيب والتحقيق القاسي الذي تعرّض له في سجون صنعاء على يد الحوثيين: "فجر يوم التاسع من أكتوبر حقق ثلاثة مسلحين معي، تحت إشراف الحوثي أبو فاطمة. كنت مقيداً ومعصوب العينين. كان التحقيق معي عبر هاتفي الذي استعرضوا كل المحادثات والأسماء فيه. كانوا يسألونني عن صحافيين وقيادات مناوئة لهم".
دفع الصحافيون اليمنيون خلال الحرب والاضطرابات التي شهدتها البلاد الثمن الباهظ، وقتل نحو تسعة وثلاثين صحافياً منذ عام 2011، وفق تقرير لنقابة الصحافيين اليمنيين، فيما يواصل الحوثيون اختطاف خمسة عشر صحافياً في صنعاء، وصحافي آخر يختطفه تنظيم "القاعدة"، وسجلت انتهاكات عدة بحق إعلاميين على يد قوات تابعة للحكومة ومسلحي المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة.
وقالت النقابة، في تقريرها للربع الثالث من عام 2019، إن الانتهاكات رصدت منذ يوليو/تموز إلى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، في مؤشر يوضح استمرار حالة الحرب والعدائية ضد الصحافة والصحافيين من قبل الأطراف كافة في البلاد. ووفق التقرير نفسه، فقد توزعت الانتهاكات على الاختطافات والاعتداءات والمنع من مزاولة العمل والتصوير والتهديد بالأذى والمحاكمة، فيما سجلت حالة تعذيب واحدة. وأشارت تقارير حقوقية إلى أن الصحافيين المختطفين لدى الحوثيين يعانون، إثر تردي حالتهم الصحية ومنع كشف الأطباء عنهم.
Facebook Post |
وقف حوذان طويلاً أمام تحقيقات المسلحين الحوثيين، وأجبر أكثر من مرة على الإقرار باعترافات ملفقة. وقال لـ "العربي الجديد": "كنت أرفض الاعتراف، فأُركل على ظهري، وأُصفع، ويشدون يدي بالقيود الحديدية. في ساعة متأخرة طلبت منهم كأساً من المياه، فشتموني، ثم أحضروا لي قنينة ماء، وبعد شربها أغمي عليّ، لم أعرف إلا عندما سُحبت بعد سماعي أذان الفجر".
تابع "أخذوا أصبعي وبصّموني. في اليوم التالي فوجئت بمصور أمامي، وطلبوا مني قراءة كل ما تم في الليلة السابقة معي، وعندما رفضت هددوني بالإخفاء والضرب إن لم أتحدث، فخفت أن أتعرض للتعذيب أكثر، وتحدثت عن اعترافات باطلة وتحقيق مجحف وأنا في حالة لا وعي. كان تركيزهم أني أعمل مخبراً مع منظمات عندما شاهدوا سيرتي الذاتية ومؤهلاتي من قبل منظمات كـ (اتحاد نساء اليمن) و(منظمة فريدرش إيبرت) و(الصندوق الاجتماعي للتنمية)".
وكانت تقارير حقوقية كشفت عن تصوير الحوثيين معظم المعتقلين وإجبارهم على الإدلاء بالقوة باعترافات باطلة يلفقها المحققون الحوثيون، وتُعرض على وسائل الإعلام الموالية لهم.
وأضاف حوذان: "بعد تصويري نُقلت إلى مقر جهاز الأمن السياسي (المخابرات) أنا وتسعة من المعتقلين بيننا طفل، من هنا بدأت المآسي والمعاناة والتعذيب. في أشد أيام فصل الشتاء لم يعطونا ملابسنا، حتى خاتم الزواج صادروه ونحن مقيدون ومعصوبة أعيينا، وأوصلونا إلى أسفل بدروم وكنا نسمع صراخاً وأنّات مسجون يتم تعذيبه".
وروى حوذان كيف قضى نحو شهر في زنزانة صغيرة مع سجين متهم بالانضمام إلى تنظيم القاعدة، "بقيت في تلك الزنزانة الضيقة وكنت أستخدم قنينة مياه لقضاء الحاجة، منعت المليشيا أسرتي من الحديث معي في أول زيارة لهم. التحقيقات هنا في الأمن السياسي أشد وأعنف، 5 محققين أصواتهم مرعبة وتصاحبها تهديدات وشتائم وضرب. تعرضت للتعذيب لإنكاري وعدم اعترافي بما كانوا يسألونني عنه من خلال محادثات في مواقع التواصل الاجتماعي ومراسلاتي السابقة مع صحافيين وشخصيات يسمونهم بالخونة والمرتزقة لدى دول العدوان (في إشارة للتحالف العربي)".
وتحدث حوذان عن تعرّض أسرته للتشتيت بعد مغادرتها صنعاء إثر طردها من قبل مالك المنزل، ونقله مع عشرات السجناء إلى مقر تابع للأمن السياسي في زنازين جماعية، بالتزامن مع عقد لقاءات استوكهولم بين الحكومة والحوثيين، وبعد فشلها أعيد السجناء إلى المقر الرئيس للأمن السياسي.
وأطلق الحوثيون سراح الصحافي أحمد حوذان ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين الجيش اليمني والحوثيين، وتمت عبر تبادل ثمانية أسرى من الحوثيين مقابل ثمانية مدنيين مختطفين، قرب منطقة في محافظة الجوف شمال شرقي البلاد.
تعليقاً على ذلك، أكد رئيس "المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين" (صدى)، يوسف حازب، أن الصحافيين المعتقلين لدى الحوثيين يتعرضون للتعذيب الجسدي الوحشي والنفسي. ووصف حازب، في حديث لـ"العربي الجديد"، الوضع الصحافي في اليمن، بالمحبط للغاية، خصوصاً مع ازدياد وتيرة الانتهاكات من قبل الحوثيين في صنعاء ومناطق سيطرتهم، وكذلك من قبل المجلس الانتقالي في عدن وبشكل غير مسبوق.
وتابع "ندرك أن الجهود التي تُبذل من جميع الجهات في الدفاع عن الحريات الإعلامية والصحافيين اليمنيين لا تكفي، ويجب تضافر الجهود ورفع وتيرة العمل بشكل موحد، لينال الصحافيون حريتهم ولإرغام الأطراف والجهات في البلاد على احترام حرية الصحافة والتعبير والرأي".
بعد أيام من إطلاق الحوثيين لسراح حوذان في صفقة تبادل الأسرى لم ينسَ الصحافي أياماً عصيبة قضاها في سجن الحوثيين وكتب عبر "فيسبوك": "كان الحوثيون يتلذذون بمعاناتنا في السجن، ويتعمدون نقل السجناء إلى أماكن عسكرية خاصة بالتدريب والتسليح كورقه ضغط يستخدمونها لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المستضعفين في سجونها الإرهابية".