أحلام الفتى النائم

26 أكتوبر 2015
نم وتأخّر في النوم بقدر ما تستطيع (العربي الجديد)
+ الخط -

ما لهذا الشارع ليس مريحاً؟ متى صارت أرض الرصيف قاسيةً إلى هذا الحد؟ أين تركتَ مخدّتك الصغيرة التي لا تلوي عنقك؟ المخدة الأكثر رقةً، على صغرها، من الباب الحديدي الذي تسند رأسك إليه. أين الفراش الذي يرمّم تعب اليوم الطويل؟ أين الغطاء؟ من ذا الذي سحب الغطاء وهرب به في هذه الليلة التي تفتقده فيها؟ من ذا الذي هرب به منذ أن وقعت الحرب؟

بماذا تحلم يا فتى وأنتَ تغطّ في نومك الساكن؟ نومك الصامت الذي لا يلفت المارّة الكثر في الشارع. أتُراكَ تحلم برفاق الصف الذين جمعهم الأمل والضحكات وطبشور اللوح يوماً، ثم جاءت اللعينة لتشتّت كل واحدٍ منهم في أرض مختلفة؟ هل ركبوا البحر مع أهاليهم لينجوا بأرواحهم أو يبتلعَ أجسامهم الصغيرة؟ هل تحلم بكرةٍ مطاطية مزّقتها الرصاصة؟ الرصاصة نفسها التي اخترقت حياتك وحياة رفاقك فنكّستها إلى أجلٍ غير منظور؟ هل تحلم بدرّاجةٍ هوائية تتراقصُ فوقها وتخفّف عن مفاصلك ألم المشي الطويل كي تبيع بضاعتك اللطيفة؟ بوجبة ساخنة؟ بقطعة شوكولاتة؟ بضحكة مستقطعة من اليوميات الكئيبة؟ هل تحلم بعالم من دون إهانات أو استغلال أو أذى؟ ببلادٍ لا تسخرُ من انكسار إنسانها؟

لن يراكَ العابرون على كثرتهم، ولن ينتبهوا لك. ربما يكونون قد رأوك، لكنهم سيشيحون بوجوههم عنك ويدّعون أنهم لم يفعلوا. فأنتَ، يا صغير، الوجهُ الذي لا يريدون أن يُلاحظوه. أنتَ الوجه الذي يشعرهم بالعجز والإحراج والفشل. لن ينتبهوا لوجودك ولا لأحلامك. لقد اختاروا السَير هائمين في الشوارع مثل الأشباح. هل لاحظتَ في يقظتك أن المارة صاروا مثل الأشباح؟ هل لاحظتَ كيف صارت وجوههم ذابلة من دون حياة؟ من دون غضب؟ من دون ملامح؟ هل رأيت كيف غابت الحياة من عيونهم، فصارت كأنها كرات زجاجية فقدت لمعانها؟
كيف هبط عليكَ النومُ بهذا الحنوّ ليسرقك من زمنك للحظات؟ أين ذهبت أمّك؟ أين ذهب أبوك؟ إخوتك؟ أين ذهب الجميع كي تنتهي وحيداً، غافياً، معانقاً نفسك على الرصيف؟

ورودك الحمراء، المحشودة في الإناء والجميلة بالعادة، حزينة. الورود التي ترسم ابتسامة عاشقين أو أكثر، حزينة. كيف دفعتك الحياة لتبيع الفرح للآخرين وأنت أكثر الناس حزناً وألماً؟ هل عرفتَ الآن لماذا ورودك، مثلك، حزينة؟

نم واحلم بأشياء حلوة لم تعد موجودة في عالمك. أشياء ضاعت كلّها. فأنتَ لن تنالها إلا في هذه الغفوة المسروقة، بين رموشك المطبقة بخفر.

نم يا صغير. نم وتأخّر في النوم بقدر ما تستطيع. لعلّ هذا يطيلُ فرحاً طال انتظاره.

اقرأ أيضاً: كأنّكَ لم تكن  
المساهمون