أحزاب تونسية تصوّب على زيارة أردوغان: ابحث عن الإمارات

30 ديسمبر 2017
سياسيون تونسيون اختلقوا أخباراً كاذبة (كايهان أوزير/الاناضول)
+ الخط -
طفت على سطح المشهد السياسي التونسي، صراعات حزبيّة كشفت حجم ولاء بعض السياسيين التونسيين لمحاور عربية متصارعة.
وانكشفت هوية وملامح هؤلاء السياسيين مع فصول الخلاف التونسي الإماراتي أخيراً. فيما تعمق الصراع مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي كشفت عن حراك شق سياسيّ مناهض لتركيا، أصبح غير قادر على إخفاء قربه من محور حلفاء الإمارات.

إذ أقام حزبا "مشروع تونس" و"آفاق تونس"، الدنيا ولم يقعداها لما وصفوه بإهانة الرئيس التركي أردوغان وحرسه لرئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، وأعضاء مكتبه، عبر عدم اتباع إجراءات بروتوكولية.

وعلى الرغم من تكذيب تونس للرواية ولما أشيع حول انتهاك أردوغان للبروتوكول، تواصل كتل الحزبين كيل الاتهامات وانتقاد اللقاء الذي جرى بين أردوغان والناصر، ما أثار جدلاً واسعاً وتساؤلات حول خلفياتها.

وأصر رئيسا كتلتي "آفاق تونس" و"الحرة لمشروع تونس"، على ترويج أن الرئيس التركي وحرسه أهانوا السلطة التشريعية الأولى في البلاد بمنع محمد الناصر من دخول صالون اللقاء في قصر قرطاج وتفتيش البرلمانيين من طرف الحراس الأتراك، فضلاً عن اشتراط أردوغان الجلوس في مقعد رئيس البرلمان التونسي مما يمس سيادة البلاد والأعراف، بحسب تعبيرهم.


إلا أن قوات الحرس الرئاسي التونسية كذّبت كل هذه الروايات، وأكدت أن الأمن الرئاسي التونسي هو من تولى تأمين المقار السيادية وضيوف تونس، بمن فيهم الرئيس التركي وما حدث يوم اللقاء هو تسجيل تدافع برلمانيين حاولوا الجلوس في الصفوف الأولى. كما دعت إلى النأي بمؤسسة الحرس الرئاسي عن التجاذبات السياسية.

وأكد عضو مكتب البرلمان التونسي بدر الدين عبد الكافي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اللقاء دار في أجواء طيبة، وتناول سبل تعزيز العلاقات التونسية التركية على جميع المستويات، وأعرب عن استغرابه من أسباب انسحاب رئيسي كتلتي "آفاق" و"المشروع"، لافتاً إلى أن رئيس المجلس محمد الناصر ونائبيه ورؤساء الكتل وأعضاء المكتب حضروا اللقاء، وكان ممثل كتلة التيار الديمقراطي المعارض حاضراً أيضاً، كما أكد أنه لو حدث فعلاً أي إهانة فلن يتوانى الجميع عن المغادرة.

واعتبر مراقبون أن إصرار عدد من الأحزاب على إثارة بلبلة حول زيارة الرئيس التركي كان بهدف محاولة التخفيف من الأزمة والتوتر مع الجانب الإماراتي، ولفت الأنظار عنها بعد أن تحولت إلى قضية الرأي العام التونسي الأولى، بمحاولات خلق توتر مع تركيا ورئيسها أردوغان الذي حل ضيفاً على تونس بدعوة رسمية من الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الذي عبّر عن امتنانه لزيارة نظيره التركي، وأكد تلبيته لدعوة زيارة وشيكة إلى أنقرة لتجسيم الشراكة وترجمتها أكثر.

وكشفت البيانات والتصريحات والمواقف المتناقضة، ولاء الأحزاب السياسية التونسية لأطراف أجنبية، متجاوزة أعراف دبلوماسية وشعبية يفترض أن تصب في خانة المصلحة الوطنية التي تمثلها الدبلوماسية الرسمية، لا أن تنخرط في سياق التوزيع الجيوستراتيجي والصراعات الإقليمية، وهو ما يتعارض والثوابت الخارجية التونسية المبنية على الحياد وعدم الانحياز وعدم التدخل في الشأن الخارجي للدول الأخرى.

واصطفت الأحزاب التونسية الحاكمة والمعارضة وبدرجات متفاوتة مع الموقف الرسمي للدولة التونسية والذي جاء ليترجم طلباً شعبياً بالرد على إهانة الإمارات للمرأة التونسية وللشعب عموما.

في المقابل، عبر التونسيون عن استغرابهم من مواقف بعض الأحزاب التي لم تخف خشيتها من توتر العلاقة مع الطرف الإماراتي، بل دعت إلى الحذر واتهمت دولاً وأطرافاً أخرى في افتعال الأزمة بين البلدين بمنطق لم يستسغه الرأي العام التونسي، والذي شعر أن هذه الأحزاب لا تعبّر عن إرادته بل ابتعدت عن مقاصده وانتظاراته، ببياناتها الملاطفة لمن أهان كرامة الشعب.

وفتحت بيانات وتصريحات أحزاب "مشروع تونس" وزعيمه محسن مرزوق وموقف حزب "آفاق تونس"، تساؤلات كثيرة حول أسباب ملاطفة الجانب الإماراتي الذي أهان التونسيين في وقت كانت سليطة وراديكالية في مواقف تتعلق بدول أخرى، حتى وإن تعلق الأمر بقضايا دار حولها إجماع وطني أو قالت فيها الدبلوماسية الرسمية كلمتها.

وانتقد النائب وليد الجلاد القيادي السابق في حزب "مشروع تونس" موقف أمين عام الحركة محسن مرزوق بخصوص الأزمة مع الإمارات، مشيراً في تصريح صحافي إلى أنه موقف غير مشرّف، قائلاً إن "مرزوق يحاول تبرير الموقف الإماراتي أكثر من دفاعه عن تونس"، مضيفاً أن "موقف مرزوق من الأزمة لا يشرّف حتى حزبه، والبيان المحتشم الذي أصدره المتعلق بالأزمة غير مشرف".

كما أرجع مراقبون موقف "آفاق تونس" الملطف من الأزمة التونسية ـ الإماراتية، إلى وجود شبهات تعاطٍ مع الطرف الإماراتي، تحاول قيادة الحزب إخفاءه، على الرغم من تأكيد القيادي في الحزب، المهدي الربعاوي، للقاء بين ياسين إبراهيم والقيادي في حركة "فتح" المعزول محمد دحلان، والقريب من دوائر القرار في أبوظبي.

وإن كانت قيادتا حزب "آفاق تونس" و"مشروع تونس" نفتا ما يتداوله الرأي العام التونسي حول تنسيقهما مع دحلان، والذي سربت أصداؤه من داخل الحزبين، بما يشي بمخاوف من إظهار مضامين هذه اللقاءات وأجندتها، بالرغم من أن الأحزاب التونسية جلها تحررت في اتجاه ممارسة دبلوماسيتها الحزبية والشعبية والتي تختلف في كثير من الأحيان مع قاطرة الدبلوماسية الرسمية للبلاد بل وتشوش عليها مساراتها، على غرار اللقاء الذي جمع مرزوق بالمشير خليفة حفتر دون تنسيق مع الرئاسة وكذلك زيارة برلمانيين إلى رئيس النظام السوري من دون سابق إخطار أو تنسيق مع الخارجية التونسية.