باختصار، تريد إدارة مرفأ بيروت ردم الحوض الرابع بهدف توسيع المساحات في محطة الحاويات، الأمر الذي من شأنه رفع إنتاجية المرفأ من خلال تخزين الحاويات وعمل الشاحنات فيه وعدم انتظار السفن في عرض البحر قبل إفراغ حمولتها. ومن شأن هذه المساحة الإضافية زيادة ساعات عملية الإفراغ من ثماني أو تسع ساعات يومياً إلى 24 ساعة.
وبعيداً عن بحث الجدوى الاقتصادية والمنفعة العامة والمالية من وراء مشروع مماثل، هبّت القوى المسيحية للوقوف في وجه هذا المشروع الذي دعمه تيار المستقبل. اجتمع المسيحيون ببركة الكنيسة المارونية وفي مقرّها في بكركي (شمال بيروت)، ليعبّروا عن رفضهم الإجحاف الحاصل بحق المسيحيين! كيف ذلك؟ تحوّل الملف من مناقشة فوائده الاقتصادية من عدمها، إلى المسّ بحقوق المسيحيين ومصالحهم في لبنان، وفقاً لجملة من الأمور، منها، أن الحوض الرابع المنوي ردمه، ممرّ أساسي لأبرز الوكالات التجارية المملوكة من قبل المسيحيين، إضافة إلى أنّ وكلاء البواخر المحسوبين على هذه الطائفة يعملون بشكل رئيسي في هذا الحوض.
إضافة إلى ذلك، يتوزّع العمل في المرفأ على كل الطوائف، كما في كل إدارة أو مرفق أو قطاع في لبنان، إذ يشكّل الحوض الرابع النشاط الأكبر لسائقي الشاحنات المسيحيين. وبردمه يتحوّل هؤلاء إلى عاطلين عن العمل، بما في ذلك من ضرر على أسرهم وعلى أحزابهم والتالي على كنيستهم وطائفتهم.
كما أنه بفعل ردم الحوض الرابع، تنتقل الشاحنات المعنية إلى إفراغ حمولاتها إلى مرفأ طرابلس (شمالي لبنان)، ومعه ينتقل النشاط الاقتصادي إليه. ما يوفّر للمدينة الشمالية 2000 فرصة عمل إضافية، تكون قد سُحبت من مرفأ بيروت، مع العلم أنّ طرابلس هي المدينة الأفقر على البحر المتوسط بحسب دراسات الأمم المتحدة.
مواجهة سنّية ــ مسيحيّة
ووفقاً للحسابات المذهبية، يظهر الأمر بالنسبة للمحتجين على ردم الحوض الرابع والمعترضين عليه، بمثابة سحب مصالح اقتصادية من المسيحيين في بيروت ومنحها للمسلمين السنّة في طرابلس، خصوصاً وأنّ تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، هو العنصر السياسي الذي يقود هذا المشروع. فتحوّل ملف الحوض الرابع من ملف اقتصادي وشأن وطني عام إلى قضية طائفية أجمعت القوى المسيحية حولها. وما عزّز هذه النظرة لدى المجتمع المسيحي، بحسب ما قالته قيادات فيه لـ"العربي الجديد"، تقاطع الردم مع المصالح الشخصية لمسؤولين في تيار المستقبل، مشيرة إلى أنّ "رئيس كتلة المستقبل، الرئيس السابق فؤاد السنيورة، مستفيد من توسيع مساحة الحاويات، باعتباره يملك شركة خاصة تحتكر تنظيف الحاويات في مرفأ بيروت".
إقرأ أيضاً: الجيش اللبناني يتخبط في التجاذبات: عون يخوض معركة صهره
إقرأ أيضاً: الحريري ـ نصرالله: التعايش المستحيل في لبنان
على هذا الأساس، جمعت الكنيسة القيادات المسيحية وممثلين عن الأحزاب المسيحية الأقوى، في بكركي، وتقرّر رفض المشروع وتحويل الملف إلى قضية إجحاف بحق المسيحيين. وعلى الرغم من عدم اجتماع هذه القوى على ملفات بديهية وأساسية أخرى تمسّ التمثيل المسيحي وحقوق الطائفة، كانتخاب رئيس للجمهورية (من المذهب الماروني)، خرج عن بكركي ما يشبه "الحرم الكنسي" حيال مشروع الحوض الرابع. وتحرّكت عجلة اجتماعات رجال الدين المسيحيين وموفدي البطريرك بشارة الراعي، إلى السراي الحكومي والمجالس السياسية بهدف تعليق التنفيذ، مع العلم أن الاجتماعات السياسية الأخيرة التي تمكّنت الكنيسة من خلالها من جمع القيادات المسيحية تعود إلى منتصف يناير/كانون الثاني 2013، خلال محاولة إيجاد إجماع مسيحي على قانون للانتخابات النيابية. واعتكف بعدها البطريرك عن النشاط السياسي المباشر، بسبب عدم التزام كل القوى المسيحية في المجلس النيابي بمشروع القانون الارثوذكسي (الذي تم الاتفاق عليه في بكركي ويطرح انتخاب كل طائفة لممثليها فقط)، واستمرّ في اعتكافه بعد الشغور الرئاسي في مايو/أيار 2014، لتعثّر المفاوضات التي كان ينوي إطلاقها بين الزعماء المسيحيين.
المحاصصة: حل طبيعي
تكشف تكلفة ردم الحوض الرابع الكثير من الآثار السياسية المحيطة بهذا المشروع، باعتبار أنّ إدارة المرفأ لزّمت إحدى الشركات مهمة الردم من دون إجراء مناقصة، خصوصاً وأنّ الشركة محسوبة على مقربين من تيار المستقبل. وفي حين تبلغ التكلفة الفعلية لمشروع الردم حوالى 50 مليون دولار أميركي، غير أن التلزيم تمّ بمبلغ 129 مليون دولار. أي أنّ جميع هذه الأرباح ستذهب إلى جيوب الحريري والمقربين منه، في حين يتم سرقة العمل والأموال والتجارة من المسيحيين. وتلفت أوساط سياسية لـ"العربي الجديد"، إلى "إمكانية رفع كلفة المشروع إلى 200 مليون دولار، بهدف إدخال القيادات المسيحية في الأرباح. فتكتمل بذلك الحصص السياسية وتتوافق مع الحصص المالية، ويمرّ المشروع ولا يتعثّر سوى صغار التجار وسائقي الشاحنات في الحوض الرابع".