أحداث 14 يناير التونسية: متى تظهر الحقيقة؟

14 يناير 2016
تونسيون يحيون ذكرى 17 ديسمبر (ياسين الجعايدي/الأناضول)
+ الخط -
لم تكشف خمس سنوات تلت الثورة التونسية، عن حقيقة كافة الأحداث التي شهدتها تلك الفترة، وخصوصاً ما حصل في القصر الرئاسي ودور الجيش حينها. ويحتفل التونسيون كل عام مرتين بعيد الثورة، الأولى في ذكرى 17 ديسمبر/ كانون الأول عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد، والثانية يوم 14 يناير/ كانون الثاني عندما أجبر المتظاهرون في العاصمة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، على مغادرة البلاد. ولم يُحسم بعد الجدل حول موعد واحد لعيد الثورة، وإن كانت النوايا تميل في البداية نحو اعتماد التاريخ الثاني، ولكن أهالي سيدي بوزيد المنسية نجحوا في فرض اللحظة التي أشعلت نيران الحرية في تونس وفي العالم العربي.

ولئن كان تاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 وما تلاه واضحاً في يوميات الثورة، فإن ليلة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 بقيت مبهمة ولم تتبيّن أحداثها للتونسيين على الرغم من مرور خمس سنوات عليها.

ولكن الاختلاف لا يدور حول تفاصيل هذا اليوم فقط، وإنما حول أهميته في مسار الثورة أيضاً. وبقطع النظر عن هروب أو إخراج بن علي، بحسب الروايات المختلفة، فإن ما حصل فيها لم يكن ليغيّر كثيراً في مسار الثورة التونسية ونتائجها التي سطّرها المتظاهرون من الشباب المهمش بكل تلقائية، فما حصل في 14 يناير/ كانون الثاني كان بالضرورة سيحدث بعدها، وكان مئات الآلاف من الغاضبين في كل تونس سيعلنون نهاية النظام المتسلط في أي يوم، مع ارتفاع عدد الضحايا يوماً بعد يوم.

وتأتي هذه القراءة، بحسب المتابعين، لتقلل من خطابات البطولات التي يطالعها التونسيون مع اقتراب الذكرى، وتضارب الروايات حول حقيقة ما حدث، وحول الأدوار التي لعبها هذا الطرف أو ذاك في الحدّ من الضحايا، أو منع حمام الدم، أو إقناع بن علي بمغادرة البلاد، علاوة على ما تلاها من خطوات قانونية وسياسية لمنع الفراغ الدستوري وتأمين استمرار الدولة.

وسيُحسب للتونسيين البسطاء وإدارتهم أن مرفقاً واحداً لم يتوقف بعيد 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ولم تنقطع عنهم الماء أو الكهرباء، وكان الموظفون يمارسون عملهم بشكل شبه اعتيادي، بلا مسؤولين، على الرغم من تساقط الضحايا بعد ذلك على يد "القناصة" الذين لم يُحلّ لغزهم إلى اليوم.

اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية تقاطع احتفالات الثورة "الرسمية"

وتُسقط هذه المعطيات عملية التشكيك في ثورة التونسيين، ونظريات المؤامرة والإعداد الخارجي للأحداث بما يحوّلها في نظر مروّجيها من ثورة شعبية حقيقية إلى مجرّد عمليات استخباراتية داخلية وخارجية، على الرغم من تأكيد أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم، ومنها الفرنسية المطلعة على الأحداث في تونس، مفاجأتها بما حصل في تونس.

وبالعودة إلى أحداث 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ورواياتها المتضاربة، يعود موضوعان بالذات إلى صدارة الأحداث مع اقتراب الذكرى في كل عام، دور الجيش الحقيقي، وأحداث ما حصل في القصر الرئاسي بعد فرار بن علي.

وتأتي تصريحات الجنرال رشيد عمار، قائد جيش البر وقتها، لتعيد الجدل حول دور الجيش وبعض الشخصيات والأحزاب، في ذلك اليوم أو ما تلاه من أحداث. وأكد عمار، في تصريح تلفزيوني، أنه عُرض على الجيش التونسي في 14 يناير/ كانون الثاني تسلّم الحكم، حتى لا تتسلّمه حركة "النهضة"، وأن المجموعة التي كانت موجودة في وزارة الداخلية ليلة ذلك اليوم والمكوّنة من وزير الدفاع رضا قريرة ووزير الداخلية أحمد فريعة ورئيس الحكومة محمد الغنوشي، هي من طلبت منه ذلك.

ولكن أحمد فريعة نفى صحّة تصريحات عمار "لأن الاجتماع الذي تم ليلة 14 يناير في مقر وزارة الداخلية لم يتطرق أبداً إلى النظر في تولي الجيش السلطة ولم يُطلب ذلك من رشيد عمار"، مشيراً في حديث تلفزيوني إلى أن "المجتمعين حينها في مقر وزارة الداخلية تباحثوا فقط في كيفية انتقال السلطة وفق الفصلين 65 و57 من الدستور وتأمين الضروريات الحياتية للمواطن التونسي، ولم يتم البحث في قضية حكم الجيش ولا قطع الطريق أمام حركة النهضة، وربما اختلطت الأمور على عمار"، بحسب أحمد فريعة.

هذا الأمر أعلنه أيضاً محمد الغنوشي، الذي قال إن كل ما قاله عمار "لا أساس له من الصحّة ولا يمتّ للواقع بأيّ صلة". ولكن عمار عاد وأكد أن كل ما ذكره صحيح، وهو ما أكده أيضاً القيادي البارز في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي، لـ"العربي الجديد"، إذ أشار إلى أنه "كان هناك تخوف أمني واضح من حركة النهضة، وأن كل التحقيقات الأمنية مع المعتقلين من الحركة في وزارة الداخلية، كانت مركزة بالخصوص حول هذه المسالة بالذات، وهو ما يمكن أن يؤكد صحة رواية رشيد عمار".

من جهته، رأى الجنرال أحمد شابير، الذي كان حاضراً في اجتماع الداخلية المذكور، أن "هناك حملات تشكيك ضد المؤسسة العسكرية"، معتبراً في تصريح صحافي أن "الحديث في هذا الوقت بالذات حول هذا الموضوع هدفه استهداف المؤسسة العسكرية، العمود الذي يريد البعض زعزعته".

وأضاف شابير أن "المؤسسة العسكرية في تونس لم تطمح يوماً للحكم سواء في الماضي أو في الحاضر، على الرغم من الفرص التي كانت تخوّل لها ذلك، لأن الجيش أشرف من أن ينقلب على الحكم، سواء مع بورقيبة أو بعده بن علي ثم فؤاد المبزع وبعده المنصف المرزوقي والآن مع الباجي قائد السبسي أو مستقبلاً مع أي رئيس آخر"، مضيفاً أن "ولاءنا للوطن ولمؤسسات الدولة وليس للأشخاص، إذ أقسمنا على العمل في إطار الدولة وتراتبية الجيش".

غير أن ما حدث يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 بقي غامضاً لدى التونسيين، ولم يفهم أحد حتى اليوم لماذا اختار العارفون في تفاصيله الصمت طيلة هذه المدة، عدا بعض التصريحات المقتضبة التي تخرج للرد على أنباء تُنشر أحياناً، مثلما حدث منذ أيام عندما قال المحامي عماد بن حليمة، وكيل مدير الأمن الرئاسي السابق سامي سيك سالم، إنه سيتقدّم بدعوى ضد كل من الجنرال عمار والجنرال فوزي العلوي، على خلفية تعرض موكّله للاحتجاز يوم 19 يناير/ كانون الثاني 2011 في القاعدة العسكرية في العوينة مدة 16 يوماً، وإطلاق سراحه لاحقاً.

وشرح أن سبب تأخّر موكله في المطالبة بحقه طيلة السنوات الخمس الماضية، يعود إلى خروجه من سلك الأمن الرئاسي وبروز قراءة جديدة للأحداث بإمكانها إظهار حقه. وقال بن حليمة إن موكله مستعد للتنازل عن القضية إذا كُشفَت حقيقة ما حدث بالتفصيل وخرج المعنيون بهذا القرار عن صمتهم.

ويبدو وفق الروايات أن سيك سالم كان وراء عملية فرض انتقال دستوري للسلطة، ودخل في مشادات مع الجنرال عمار، على الرغم من أنه لم يكن المسؤول الأول في قصر قرطاج آنذاك، وهو ما طرح تأويلات متعددة حول هذا الدور. وكان سيك سالم يشغل منصب عقيد ومدير عام في الأمن الرئاسي، إلى أن عيّنه الرئيس السابق منصف المرزوقي مستشاراً له، ورفض منذ أشهر تعيينه كقنصل عام في ليبيا.

ويتساءل التونسيون حتى اليوم، عن سبب رفض سيك سالم أو غيره، كشف حقيقة ما حدث، على الرغم من أنها لم تكن لتغيّر جوهرياً في مسار الثورة التونسية، وأسباب عدم تولي الدوائر المعنية أو هيئة الحقيقة والكرامة التحقيق في ملابسات ظلت غامضة إلى اليوم.

اقرأ أيضاً: الأحزاب التونسية تواجه عاماً مصيرياً... والانقسام يهدّد بعضها

المساهمون