مع اندلاع أحداث بلدة عين العرب السورية، عاد اسم "حزب الله" التركي، ليظهر من جديد، كلاعب رئيس على الساحة السياسية الكردية في تركيا، بعد مقتل أكثر من عشرة محتجين، في اشتباكات دموية وقعت في مدينة ديار بكر، عاصمة الحركة القومية الكردية في تركيا، بين "حزب الله" التركي، المكوّن من محافظين متدينين أكراد موالين للحكومة، ومؤيدي "العمال" الكردستاني.
وقد اعترفت شبيبة حزب "العمال" بمسؤوليتها عن مهاجمة مقرّ حزب "الدعوة الحرة"، وريث "حزب الله التركي" في المدينة، التي يتهمها العمال الكردستاني بمساندة أنقرة، والقيام بعمليات تشبيح ضد التظاهرات المنددة بالحكومة التركية، والمؤيدة لمدينة عين العرب.
وتتجدّد الاشتباكات بين الطرفين كل فترة بحجج مختلفة، كونهما خاضا حرباً طويلة، إذ إنّ "العمال" تأسّس كمنظمة ماركسية لينينية، قبل أن يتحوّل إلى حركة قومية كردية، على مدار الثمانينيات والتسعينيات. أمّا "حزب الله" التركي، فقد تأسّس في الثمانينيات أيضاً، كمجموعة إسلامية كردية سلفية، تعاونت مع الحكومة التركية في حربها ضد "العمال"، ونسبت لها الكثير من عمليات تعذيب وقتل ناشطين أكراد في التسعينيات، لتحلّ نفسها في وقت لاحق وتلقي السلاح وتؤسس قياداتها حزب "الدعوة الحرة".
برزت أهمية "حزب الله" الكردي حين واجه حزب "العمال" في 8 مارس/آذار 1991، بعد اقتحام عناصر الأخير منزل شريف كارا أرسلان، أحد أنشط عناصر "حزب الله" حينها، ليردّ الأخير بتنفيذ اغتيالات ضمن صفوف حزب العمال، وحزب الشعب الديمقراطي الكردي، دفعت حزب العمال على إثرها إلى تسميته بـ "أعداء الفدائيين". في المقابل، وفي إطار صراعه مع العمال الكردستاني، أطلق "حزب الله" شعاره المعروف "الإسلام ضد الكفر"، لمواجهة العمال الكردستاني، مطلقاً عليه اسم "حزب الشيطان".
وأودى الصراع المسلح بين "حزب الله" التركي و"العمال الكردستاني"، بين عامي 1990 و2000، بحياة ما يقارب ألفي شخص، معظمهم من المدنيين. وشملت ساحات المواجهة، المدن الأساسية في شرق تركيا: ديار بكر، وباتمان، ونصيبين، وماردين وكزل تِبة.
لاحقاً، وبعد اغتيال زعيم حزب الله في بايكوز، حسين ولي أوغلو، في يناير/كانون الثاني 2000، على يد العمال الكردستاني، بدأت فترة التغيير داخل المنظمة، ولعلّ أبرز معالمها ظهور جمعية "التضامن مع المستضعفين"، الرامية إلى مواصلة التضامن والعلاقات التنظيمية، مع أسر أربعة آلاف من أعضاء حزب الله، الذين اعتقلوا في عمليات أعقبت مقتل ولي أوغلو، أو هربوا خارج البلاد.
ونجح حزب "الدعوة الحرة" في الانتخابات المحلية الأخيرة في 30 مارس/آذار الماضي، بعد حصوله على نسبة أصوات وصلت إلى 7.8 في المائة في محافظة بطمان، و4.32 في المائة في ديار بكر، جنوب شرقي تركيا.
وتجدّد العداء التاريخي، مع التظاهرات الأخيرة، التي اندلعت في تركيا دعماً لمدينة عين العرب، على إثر كلمة ألقاها أديب غوموش، أحد زعماء الحزب، اعتبر فيها أنّ "الذين يقولون إنّهم مسلمون، لا يمكن أن يكونوا أعداء لنا"، قاصداً بذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ومع اتّهام بعض المقرّبين من "حزب الله" بدعم قوات الأمن أثناء التظاهرات والاحتجاجات العنيفة، دعماً لبلدة عين العرب في أنحاء تركيا، ولا سيما شرق وجنوب شرق البلاد، تغيّرت وجهة التظاهرات، لتبدأ هجمات العمال الكردستاني ضدّ حزب "الدعوة الحرة" والجمعيات والأوقاف التي يديرها، والمسماة بـ "منتدى محبي رسول الله". وبعد مرور 24 ساعة على الأحداث، ذكرت مصادر مقربة من "حزب العمال الكردستاني"، أن "حزب الله" تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص، فيما زعم الأخير أنه قتل ستة من عناصر "العمال".
لم يكن للأزمة السورية تبعات على العلاقة بين الحركة القومية الكردية والحكومة التركية فحسب، بل شملت العلاقات بين الأطراف الكردية. حاول "العمال الكردستاني" أن يستغلّ حالة العداء الكبير في صفوف المجتمع الكردي، بعد مهاجمة عين العرب، لشنّ حملة واسعة لتصفية الحركة الإسلامية الكردية، ممثلة بحزب "الدعوة الحرة"، والانفراد بالساحة السياسية الكردية، المنقسمة بينه وبين "العدالة والتنمية" و"الدعوة الحرة". من جهته، حاول حزب "الدعوة الحرة" استغلال موقف الدولة المرتبك تجاه عين العرب، لضخّ المزيد من الاحتقان، واستقطاب المتدينين الأكراد، الذين يصوتون عادة لـ "العدالة والتنمية"، إلى صفوفه.
لا تزال علاقات حزب "العمال الكردستاني"، سواء في تركيا أم في سورية، قائمة على أساس عقلية توليتارية، ترفض أي معارضة كردية. وكما يحاول الحزب اليوم تصفية حزب "الدعوة الحرة" في تركيا، من خلال اتهامه بمساندة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، شنّ قبل ذلك، عبر جناحه السوري، "حزب الاتحاد الديمقراطي"، حملة تصفية واسعة تجاه الأحزاب الكردية الموالية لإربيل، ممثلة بالحزب "الديمقراطي الكردستاني" في سورية، ويقيم معظم قيادييه الآن خارج سورية، وأيضاً تجاه الناشطين الأكراد من أنصار تيار المستقبل، الذي اغتيل زعيمه مشعل تمو، بعد فترة وجيزة من بدء الثورة السورية. ويتهم أنصار تمو "الاتحاد الديمقراطي" بالوقوف وراء اغتياله.
وتعرّض الشباب الكردي الذي نشط في صفوف التنسيقيات السورية، وقاد الحراك الثوري، لعمليات اعتقال واسعة، حتى أصبح الانضمام للجيش السوري الحر، تهمة يعاقب صاحبها بالسجن ضمن مناطق الإدارة الذاتية، التي يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطي.