06 مايو 2014
أجيال مصرية بعد أجيال
عبد الرحمن يوسف
مُتْعَبَةٌ مِصْرُ اليوم بين الشيوخ والشباب. كنت أقول قبل ثورة 25 يناير إن الأزمة السياسية في مصر صراع بين الأجيال، فنحن أَمام جيلٍ من الشيوخ الذين لا يريدون ترك السلطة، على الرغم من ظهور فشلهم عشرات السنين. وفي مصر اليوم أجيال ثلاثة:
الأول: جيل الشيوخ. وهؤلاء يحتكرون قيادة الدولة، وقيادة المعارضة أَيضاً. صحيحٌ أن شيئاً من التغيير حدث بعد زلزال يناير 2011. ولكن، ما حدث أَن القيادات التي تجاوزت الثمانين عاماً سلمت القيادة "لشباب" في أواخر الستينيات، أَو أوائل السبعينيات، بإمكانك أن تتأمل رئيسي الحكومتين، السابقة والحالية، حازم الببلاوي وإبراهيم محلب، لكي تتخيل شكل الدولة المصرية، وانتماءاتها الجيلية.
بإمكانك أن تنظر في حزب مثل حزب التجمع (المفترض أنه معارض)، فقد تقاعدت قيادته التاريخية (خالد محيي الدين)، لكي تسلم قيادة الحزب إلى قيادة شابة، رفعت السعيد، وكان حينها في السبعين من عمره تقريباً!
إنه الجيل الذي احتكر السلطة والمعارضة، احتكر الشاشات والإذاعات، احتكر الكتابة والتمثيل والغناء، احتكر مجال الأعمال والتجارة. تسلّم مصر غنيةً، قويةً، فتيةً، وها هي اليوم مقعدة، على كرسي متحرك، جالسة على جهاز غسيل الكلى، تعاني من فيروس سي، وحين حاول هذا الجيل أن يحل المشكلة التي تسبب فيها، قدم لها العلاج بالكفتة!
إنه جيل الماضي الذي لا يريد أن يعترف بسنّة الحياة، ولا يريد أن يتقاعد أبداً. فيه مميزات، أهمها أن فيه كوادر وخبرات عظيمة، وخاض تحديات كبيرة (في شبابه)، لكن المشكلة أن الزمن تخطى غالبية هذه الخبرات الآن. من أهم جرائمه في حق مصر أنهم لم يورثوا خبراتهم لمن بعدهم، بل تعمدوا إخفاء أسرار التفوق، لكي تطول أعمارهم على كراسيهم، وتوريثهم الوحيد الذي قاموا به هو توريث مناصبهم لأبنائهم. وفي العادة، على حساب الكفاءات الحقيقية التي تستحق.
ولست محتاجاً، هنا، إلى أن أقول إن هذا الجيل فيه من يتحلى بروح الشباب أكثر من الشباب أنفسهم، وأن الصفات التي أتحدث عنها لا تنطبق بالضرورة على الجميع، بل هي سمات عامة لغالبية هذا الجيل، والاستثناءات موجودة طبعاً.
الجيل الثاني: جيل الوسط. هؤلاء مواليد أواخر الستينيات والسبعينيات، وهذا الجيل رباه جيل الشيوخ، لذلك أصبح في غالبيته لا يهتم بالعمل العام، يمشي جنب الحيط، ويؤمن أن للحيطان آذاناً، وإذا ضرب المربوط فيه خاف السايب، وأغلب اهتمامات هذا الجيل مادية اقتصادية، وستجد الكوادر والرموز السياسية في هذا الجيل قليلةً جداً، في السلطة والمعارضة.
هذا الجيل هو قيادات غالبية الدول المتقدمة، بل إن دولاً عربيةً كثيرة تعتمد عليه في قيادة أمور الدولة وتسييرها، ولكن مصر استثناء من ذلك.
الجيل الثالث: جيل الشباب. إنهم مواليد عصر حسني مبارك، جيل ثورة 25 يناير، هؤلاء لم يتربوا على الذل، لأن آباءهم كانوا مشغولين بلقمة العيش، ولذلك، لم يورثوهم مسلمات الخوف التي تربوا عليها. يخوض هذا الجيل معركة التغيير في مصر، وفي دول الربيع العربي، وفي دول العالم كلها. من أهم مشكلاته في مصر أنه قليل الخبرة في كل شيء، لكنه يتمتع بروح وطموحات عظيمة. وصل بعضهم إلى درجة اليأس والإحباط، وغالبيتهم ما زال يبذل كل غالٍ ونفيس، لكي تصل مصر وشعبها إلى حقوقها. هذا الجيل هو الكتلة الحرجة التي ستصنع التغيير السلمي، ولا حلَّ أمام هذا الجيل سوى أن تتغير مصر.
على هذه الأجيال الثلاثة واجبات. واجب جيل الشيوخ أن يتقاعد قولاً واحداً، وأن يضع نفسه في موضع الاستشاري، فيقدم خبراته لمن يريدها من الأجيال اللاحقة. وواجب جيل الوسط أن يكون جسراً ليعبر عليه الشباب إلى الحكم، هذا الجيل ليس أكثر من مرحلةٍ انتقاليةٍ بين الاستبداد والديموقراطية، وينبغي له أن يفسح المجال للشباب بسرعة، لأن مهمته الحقيقة رفع الأنقاض من طريق الشباب، لكي يتمكنوا من بناء مصر، بعد أن يكتسبوا الخبرات اللازمة لذلك. وواجب جيل الشباب أن يستمر في طريقه الذي بدأه في الخامس والعشرين من يناير، وأن يرفض أي شكل من أشكال الاستبداد أَياً كان، وأن يستمر في العمل العام، بعد حدوث الانقتاح الديموقراطي (وهذا قريب جداً بإذن الله)، وأن يدخلوا العملية السياسية، لكي يتمكنوا من بناء مصر، بعد أن تصقل خبراتهم السياسية والإدارية.
أؤكد، مرة أخرى، أَن ما أقوله لا أقصد منه أي إساءة لأي جيل، ولا التعميم أو إصدار الأحكام، بل أتحدث عن الأعم الأغلب، والاستثناءات كثيرة وموجودة.