أجساد غير مرئية

14 سبتمبر 2016
كثيرون يفضلون البقاء تحت الخطر (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -

"إنهم يعانون بصمت ولا يشاركون في التدافع للحصول على ما هم أحوج من غيرهم إليه". (كاريتاس)

لاحظت جمعية "كاريتاس" أنّ اللاجئين السوريين من كبار السن في لبنان "غير مرئيين"، ولأنّ أحداً لا يلمحهم باتوا مهمَلين، وكأنهم في طيّ النسيان. لكن، كيف يصبح لاجئون منسيين أو غير مرئيين إلى هذا الحد؟ كلّ التقارير الدولية تتحدث عن الأطفال والنساء من اللاجئين، أما كبار السن فنادراً ما يشار إليهم. شوارع المدن وأحياء القرى والمخيمات المرتجلة تعج بالأطفال والنساء لكن نادراً ما يُشاهد كبار السن فيها. في بيروت مثلاً، منذ الصباح الباكر حتى المساء، تجوب الشوارع مجموعات أطفال ونساء يتسولون. في رمضان، أقامت عائلات في أمكنة معروفة، وكان هناك من يحمل إليهم الطعام والشراب على الإفطار والسحور. وفي كلّ يوم جمعة تتقاطر نحو المساجد أعداد كبيرة تتولى جمعيات وأفراد إعداد الوجبات الغذائية لهم.

ما زال لدى اللاجئين من كبار السن بقية عنفوان في نفوسهم تمنعهم حتى من الاتجاه إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتسجيل أسمائهم في دفاترها. وعليه، فهم نادراً ما يحضرون إلى مراكز الجمعيات والهيئات والمساجد حيث يوزع الطعام. بعضهم يمنعه المرض عن الوقوف في طابور منتظراً دوره، والأغلبية تمنعها عزة النفس الباقية من منافسة أبنائهم وأحفادهم على اللقمة. في الأمس فقط، كانت لدى الواحد منهم أسرة ينفق عليها من تعبه، والآن يرى نفسه مجرد هيكل عظمي بل حطام. قد يكون هؤلاء هم أحوج من غيرهم إلى رغيف خبز وطعام يساعدهم على تجديد ما تبقى من طاقتهم. وبالتأكيد هم في أمسّ حاجة إلى المعاينة الطبية والدواء والأخذ بأيديهم في هذه الحياة القاسية. مع ذلك، هم يتنحون جانباً متخلين عن أقل القليل للصغار، تاركين لهم العراك للحصول على الإعانات. في بلادهم كان يؤمن لهم شيء من الخدمات والدواء والرعاية الصحية المتواضعة. أما في لبنان فالحصول على أقل من تلك الخدمات يتطلب موازنات ليست في متناول أيديهم. وما تقدمه لهم المفوضية لا يسمن ولا يغني من جوع، بل في الحد الأقصى يحفظ النوع البشري.

تقول التقارير إنّ عدد المسنين في سورية هو في حدود 6 في المائة من عدد السكان، لكنّ نسبة هؤلاء بين اللاجئين لا تتعدى 2.5 في المائة. أين ذهبت إذاً نسبة 3.5 في المائة المتبقية؟ لا أحد يملك إجابة واضحة. كثيرون من أمثال أم حسن يفضلون البقاء تحت الخطر في سورية بدلاً من ذل التشرد واللجوء، ففي بالهم دائماً قصة لجوء الفلسطينيين قبل 68 عاماً.

*أستاذ جامعي


المساهمون