أجساد بيضاء

23 يوليو 2016
لولا هذه الأجساد... صاحبة الذوق الرفيع (إندرانيل موخيرجي/فرانس برس)
+ الخط -
إنها لرغبةٌ لا تنتهي في الشراء. دائماً ما أتحوّل إلى ذلك الجسد الأبيض الثابث خلف زجاج شفّاف. ألبس كلّ تلك الأثواب. أبدّلها ولا أكترث لأجد مكاناً لها في الخزانة، أو أعدّ ما بقي معي من نقود لشرائها. أنا ذلك الجسد الأبيض الذي يمكنه ارتداء كل شيء من دون تعليقات من أحد. لا هذا قصير ولا ذاك طويل. هذا الجسد قادرٌ على حماية نفسه من عيونٍ وأدمغة تسرحُ في خيالاتها، حتى لو كان يرتدي بلوزة شفافة.

وأنا أمشي بين المحال التجارية، أصيرُ أجساداً تعلّق عليها الثياب. حين تُلقى عليها، تبدو جميلة دائماً. هذا سرّ أصحاب المحال. ولا قدرة لي على شرائها جميعها. الأسهل إذاً أن أستبدل جسدي وأصير لوناً لغير البشر. لوناً مصطنعاً قادراً على اجتذاب جميع الألوان.

زجاج شفّاف يفصل بيننا. والعين تتعب من كثرتها. هذه الأجساد تحتلّ المجمّعات التجارية الكبيرة، تسكنها أرواح ترغب في أن تكون مكانها. تختبر هذه الأرواح طبقات اجتماعية عدة، وإن كانت تميل بغالبيّتها إلى الراحة والرفاهية.

مُتعبة هذه الرغبة. تلاحقني في كلّ مرة أفقد فيها القدرة على التعبير. وإن كنتُ لا أملك المال، أسير بين المحال التجارية وأتقمّص هذه الأجساد. وأعدّ نفسي محظوظة حين يكون أحد هذه الأجساد عارياً. أدخل المحلّ وأختار ما يعجبني. لا فرق بيننا. كلانا جسدان يحتاجان إلى ألوان تعبّر عنا.

كلّ ما هو كبير لا يصمّم للصغار في هذه البلاد، وإن كانوا يقصدونه لإثبات أنهم جزء منه، أو يعزّزون مشاعر الحقد لديهم حيال حاملي الأكياس. المتاجر الكبرى ضيّقة مهما كانت ضخمة. كلّما أدخلها، أشعر برغبة في الخروج منها.. لولا هذه الأجساد، صاحبة الذوق الرفيع.
تحتجزك عن قصد في مكان كبير وبين طوابق عدة، وتجرك من محلّ إلى آخر. لا بد لك أن تضعف أمام هذا الضغط المهول. أنا من بين هؤلاء. أحدّق في حوريّاتها وأحسدهن، قبل أن أشتري أي شيء قد يكون مجرّد بلوزة قطنية عادية. لكنني لست أنا، بل ذلك الجسد الأبيض الذي تبدو الثياب عليه أثمن مما هي.

أكره المتاجر الكبرى وأقصدها. أخاف أن يفوتني شيء. ثمّ أذكر عدد الثياب في خزانتي ولا أشبع. أغفر لنفسي التي تحتاج إلى التعبير.. تعبيرٌ من خلال بكاء أو رقص أو صمت أو ثياب جديدة. في كلّ مرة ألبس قطعة جديدة وأتعرّف إلى امرأة أخرى. أسير كهذه الأخرى أو أضحك مثلها. وتسبقني جميع هذه النساء إلى المتاجر.

قبلَ أن تكون رغبة في شراء ملابس جديدة، هي رغبة في التنكّر لذات اليوم، والانتقال إلى أخرى أنيقة أو رياضية أو.. أكره المتاجر الكبرى. لكن سأظلّ أزورها إلى أن تختفي منها الأجساد البيضاء.

دلالات
المساهمون