أثواب الفرح في حكايا سورية

13 يوليو 2015
+ الخط -
تتراصف القصص القصيرة في ميغ 21 للكاتبة فاطمة ياسين، كثمار الفريز الناضجة متساوية في الحجم، تكتسي باللون الأحمر المميز، وتتسم بتاج أخضر صغير يعطيها علامتها الفارقة، بوصفها منتوجاً طازجاً يعبر عن الحقل الخصيب الذي خرجت منه.

بلغة يانعة مخصبة بقدرات بلاغية مميزة تختار الكاتبة لنصوصها نسيجاً أدبياً بسيطاً وقريباً من اللهجة المتداولة، لتقص علينا مجموعة متنوعة من الأحداث، وتوغل في تشكيلة واسعة من الشخصيات، على خلفية سورية موحدة، وبمنطق المُخرج الذي يهندس وضعية الكاميرات، واتجاهات أشعة الإنارة.

تسجل الكاتبة على أوراقها البيضاء لقطات متنوعة من الثورة السورية.. لا تنقل المشهد كاملاً، بل تنتزع منه الصور الأكثر تعبيراً. وبدون أي تلاعب بالفوتوشوب تضعه أمامنا، وبوسائلها التعبيرية تقدم خلاصته الكثيفة، فتلعب بالمشاعر حزناً، أو ألماً، وربما طرافةً.

لا تبدو الكاتبة مقتنعة بلغة الرصاص، لذا تبدأ حكاياتها بالموسيقى. تلاحق عازف كلارينيت وتحدثنا عن علاماته الموسيقية التي تحتفي بالشهيد، وتختار مسرحاً لمظاهرة، وليس مقبرة، فتتركه يطلق لحنه الحزين على ضفاف جثة طازجة "تازة" لشهيد.

العزف القصصي المنفرد يتحول إلى نشيد أوبرالي عندما تتوقف الكاتبة عند حكاية "الرجل الحبيب"، فتخلق مفهوماً جديداً للتضحية تمزج من خلاله بين الثورة والحب والإيثار، وتستعرض، تشريحياً، قلباً عاشقاً ينبض تحت تأثير نظرات حبيبته، ثم تتوقف وكأنها تلتقط أنفاسها السردية عند "حقيبة سفر" جمانة التي تلملم أجزاءها المبعثرة في الغرفة، ولا تنسى قلم كحلتها الأثير وتغلق سحاب الحقيبة على آخر أحلامها، مفسحة المجال لانفجار هائل أن يشظي كل البشرية بكيلو غرام واحد من الـ"تي ان تي".

تقف الكاتبة، بشكل تصاعدي، عند كل هم بشري تنتجه الحرب: الحواجز والموت والقصف ورواج القيم المزيفة.. العاهرة المحترفة التي تعرف كيف تستفيد من كل عمليات التحرير والتطهير، والجندي الشبيه بالسجين الذي يحول حيز الزنزانة الضيق إلى أفق عريض لا تحده حقول القمح البعل الشاسعة.. وكما لو أنها صانع فطائر ماهر تحول فاطمة عملية المداهمة الفاجرة إلى طُرفة حين يخرج الحي المنكوب بالعساكر المسلحة بالهمجية، فيقفون على الأبواب مبتسمين، مواسين ومعزين وقد ذهبت الآلة، المدججة بالجهل، بدون أن تعتقل أحداً، ثم ترسم طرفة أخرى تخلقها من مرارة قلب مأسور بالحب، في رحلة سيارة العروسين إلى باب المحكمة، فتجيب العروس على سؤال القاضي بشكل آلي وهي تستعرض شريط خطبتها وشخصية الخطيب قليل الكلام الفظ والبخيل، فتقول لسائلها: نعم أقبل به! لا تتكلف الكاتبة في لغتها. تختار أقرب مفردة لتتكلم بتلقائية عن شخصياتها وأحداثها، فتظهر وفاءً كبيراً للثورة، الثورة بمعناها المختلف الذي قد لا يخص إلا فاطمة ياسين، تلك ثورتها التي تبحث فيها عن تغيير نفسها في المقام الأول، حتى حين تتكلم عن الآخرين، فوضعت نفسها بقميص الثوار في ميادين المظاهرات، ولبست أثواب العرس ووقفت أمام قاضي الزواج، وجلست في المقاهي تتفرس في الوجوه، وبشكل تسجيلي كتبت بنبل، وعبرت بهدوء؛ عن معنى آخر للثورة لا يوجد فيه مكان كبير للرصاص، ولا للقتل، فامتلأت صفحاتها بالكتابة عن الموسيقى والحياة والحب في زمن القتل.

(كاتب سوري)
المساهمون