لا يمكن بداية سوى الاتفاق مع تحليلات فلسطينية رأت، بقراءة تاريخيّة، أن أي خلافات عربية-عربية في السابق ترتب عليها ثمنٌ ما دفعه الفلسطينيون، وأن هذه القاعدة تنسحب بالحتم على الخلافات الحالية. بالتوازي مع هذا استنتج بعض تلك التحليلات، بحق، أن تلك الأثمان صبّت في نهاية المطاف في مصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلية ضمن سعيها المحموم لتصفية القضية الفلسطينية كقضية عادلة متفوّقة أخلاقيًا، تقف في صلبها غايات نبيلة على غرار تحرير وطن من وطأة مشروع كولونيالي عاتٍ بشتى الطرق الشرعية، بما في ذلك طريق المقاومة الذي تمثل عليه "حماس" وغيرها من الفصائل، وتجسيد حق شعب في تقرير المصير، وإنجاز الاستقلال الوطني. ويختفي هذا السعي وراء وسائل عديدة منها مسخ القضية برمتها إلى موضوع نزاع حدودي، كما هي حال سائر المسائل الإقليمية.
وبالإمكان إيراد الكثير من الأمثلة التي تبرهن على هذه المحصلة، بدءًا- لا على سبيل الحصر- من انخراط مصر السادات في مسار كامب ديفيد المُنفرد بعد خمسة أعوام من حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مرورًا باحتلال العراق للكويت عام 1990، وصولًا إلى ثورات الربيع العربي... والقائمة طويلة.
وبمقدورنا الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك: حتى عندما أجمعت القمة العربية في بيروت في مارس/آذار 2002 على مبادرة السلام العربية، التي ما تنفك قراءات إسرائيلية تنظر إليها بكونها "واحدة من أكثر مبادرات السلام أهمية في تاريخ الصراع الصهيوني- العربي"، فإن إسرائيل لم تأخذ هذا الإجماع في الاعتبار قطّ، لعلمها بأنه ليس ثمة ما يدجّجه في الواقع العربيّ، فما بالكم في ظلّ اندثار هذا الإجماع وتفاقم الخلافات؟
رُبما يذكر قسم منّا أن أحد التعليقات الإسرائيلية الظريفة على تلك المبادرة كان فحواه أنها تبرهن أن الأحلام في جهة والواقع في جهة أخرى تمامًا، وعلى ما يبدو أن العرب ما يزالون يعيشون في الأحلام، أما إسرائيل فتعيش في الواقع العربي وتجيّشه.
كما يشتمل تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل على أكثر من قرينة تثبت أن أطرافًا عربية كانت مستعدّة للتوصل إلى اتفاقيات منفردة مع دولة الاحتلال بمنأى عن الطرف الفلسطيني وقضيته العادلة، حتى لا نقول بتجاهلهما التام، كما حدث مع مصر والأردن، وكاد أن يحدث مع سورية ولبنان.
وحتى قبل أن تنفجر الخلافات العربية الأخيرة، طالعتنا تحليلات إسرائيلية "تُبشّر" بأن الجانب الفلسطيني كان الغائب الأكبر خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، والتي استهدفت بلورة سياسة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض إزاء المسائل الإقليمية، لكون الزيارة تجاهلت القضية الفلسطينية أثناء جزئها العربي، وغضّت الطرف عن الحقوق الفلسطينية خلال جزئها الإسرائيليّ.
وإلى أن تتبلور هذه السياسة ستظل الرسائل المُنبعثة من تلك الزيارة ثلاثًا: أولًا، أن إسرائيل هي الحليفة الأقرب إلى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ ثانيًا، إسرائيل ليست المشكلة بل بمعانٍ كثيرة هي الحل لمشكلات الشرق الأوسط؛ ثالثًا، الولايات المتحدة لا تنوي بأي شكل من الأشكال التعامل مع طرفي الصراع بصورة متساوية وهي تفضل علانية مصلحة دولة الاحتلال. ولا شك في أنها رسائل توحي جهارًا بأن الفلسطينيين سيدفعون ثمنًا ما مرة أخرى إذا لم يجدوا الطريق لاستعادة الوحدة.
اقــرأ أيضاً
وبالإمكان إيراد الكثير من الأمثلة التي تبرهن على هذه المحصلة، بدءًا- لا على سبيل الحصر- من انخراط مصر السادات في مسار كامب ديفيد المُنفرد بعد خمسة أعوام من حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مرورًا باحتلال العراق للكويت عام 1990، وصولًا إلى ثورات الربيع العربي... والقائمة طويلة.
وبمقدورنا الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك: حتى عندما أجمعت القمة العربية في بيروت في مارس/آذار 2002 على مبادرة السلام العربية، التي ما تنفك قراءات إسرائيلية تنظر إليها بكونها "واحدة من أكثر مبادرات السلام أهمية في تاريخ الصراع الصهيوني- العربي"، فإن إسرائيل لم تأخذ هذا الإجماع في الاعتبار قطّ، لعلمها بأنه ليس ثمة ما يدجّجه في الواقع العربيّ، فما بالكم في ظلّ اندثار هذا الإجماع وتفاقم الخلافات؟
رُبما يذكر قسم منّا أن أحد التعليقات الإسرائيلية الظريفة على تلك المبادرة كان فحواه أنها تبرهن أن الأحلام في جهة والواقع في جهة أخرى تمامًا، وعلى ما يبدو أن العرب ما يزالون يعيشون في الأحلام، أما إسرائيل فتعيش في الواقع العربي وتجيّشه.
كما يشتمل تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل على أكثر من قرينة تثبت أن أطرافًا عربية كانت مستعدّة للتوصل إلى اتفاقيات منفردة مع دولة الاحتلال بمنأى عن الطرف الفلسطيني وقضيته العادلة، حتى لا نقول بتجاهلهما التام، كما حدث مع مصر والأردن، وكاد أن يحدث مع سورية ولبنان.
وحتى قبل أن تنفجر الخلافات العربية الأخيرة، طالعتنا تحليلات إسرائيلية "تُبشّر" بأن الجانب الفلسطيني كان الغائب الأكبر خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، والتي استهدفت بلورة سياسة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض إزاء المسائل الإقليمية، لكون الزيارة تجاهلت القضية الفلسطينية أثناء جزئها العربي، وغضّت الطرف عن الحقوق الفلسطينية خلال جزئها الإسرائيليّ.
وإلى أن تتبلور هذه السياسة ستظل الرسائل المُنبعثة من تلك الزيارة ثلاثًا: أولًا، أن إسرائيل هي الحليفة الأقرب إلى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ ثانيًا، إسرائيل ليست المشكلة بل بمعانٍ كثيرة هي الحل لمشكلات الشرق الأوسط؛ ثالثًا، الولايات المتحدة لا تنوي بأي شكل من الأشكال التعامل مع طرفي الصراع بصورة متساوية وهي تفضل علانية مصلحة دولة الاحتلال. ولا شك في أنها رسائل توحي جهارًا بأن الفلسطينيين سيدفعون ثمنًا ما مرة أخرى إذا لم يجدوا الطريق لاستعادة الوحدة.