أثرياء العالم يهربون من روسيا وسويسرا وأميركا الى لندن

13 مايو 2014
مبنى ذي شارد يسيطر على أفق لندن"جريق فون- Getty"
+ الخط -

 فيما يتخلص أثرياء أميركا من جنسياتهم، ويمزقون جوازات السفر لمطاردتهم من مصلحة الضرائب، وفيما تكشف البنوك السويسرية الحسابات السرية للأثرياء، يهرب مليارديرات دول عدة، منها روسيا وسويسرا وأميركا الى بريطانيا وتحديداً الى لندن، والتي أصبحت تدريجياً واحة الاثرياء بلا منازع في العالم.
وإذا كان حجم الاقتصاد البريطاني يأتي في الترتيب السابع عالمياً بناتج إجمالي يقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار، فإن لندن باتت عاصمة المال والثراء الاولى في العالم.

قائمة الأثرياء التي نشرتها صحيفة "ذي صنداي تايمز" قبل يومين كشفت أن 104 مليارديرات يعيشون في بريطانيا وأغلبهم في لندن.

وقدرت ثروة هؤلاء بـ 301 مليار جنيه استرليني "حوالي 508 مليارات دولار".
ويلاحظ أن عدد المليارديرات في لندن ارتفع من 88 في العام الماضي الى 104 مليارديرات. وذلك أعلى كثيراً من موسكو التي يعيش فيها 44 مليارديرات ونيويورك التي يعيش فيها 43 مليارديراً.
وتقول شركات تعمل في توظيفات أموال الاثرياء: هنالك عدد كبير من الأثرياء يقيم في لندن لأسباب ضريبية ولا يعلنون عن أنفسهم أو ثرواتهم، وهو أكبر من الرقم المعلن للمليارديرات.
ولا يفرض القانون البريطاني ضرائب على من لا يقيم في بريطانيا أكثر من 183 يوماً في عام مالي واحد.

ولكن لماذا بريطانيا ولماذا يحب الاثرياء لندن الى هذه الدرجة؟
الاجابة تأتي من المختصين الذين يتعاملون مع الاثرياء أنفسهم.

ليام بيلي، الشريك في وكالة "نايت فرانك" التي تصدر دراسة سنوية عن الاثرياء والثروة في العالم مع مجموعة "سيتي جروب" المصرفية قال لـ"العربي الجديد": إن أكثر ما يجذب كبار الاثرياء الى لندن "موقعها كمركز مالي ضخم في العالم، تتوافر فيها كل المؤهلات لتوظيف الاموال وعقد الصفقات والخبرات التي يحتاجونها لاستثمار أموالهم.
وأضاف، أن لندن مركز وسيط يربط بين الشرق الاوسط، حيث تتراكم الثروة، وبين أوروبا، وعليه فإن أثرياء الخليج يفضلونها كمقر لشركاتهم.
وقال: إن عائلات الاثرياء تفضل لندن كذلك لوجود المدارس الخاصة عالية المستوى.

وقال بيلي، في تعليقاته لـ"العربي الجديد": إن الاستقرار السياسي يعد أهم الميزات بالنسبة للأثرياء من غير أوروبا وأميركا.

ولكن في المقابل تعدد مصادر توظيف الاموال 5 أسباب تجعل لندن الوجهة المفضلة لمليارديرات العالم وهي:

أولاً: نظام الضرائب المرن في بريطانيا حيث تتعامل مصلحة الضرائب مع كبار الاثرياء بمرونة أكثر مقارنة بالدول الاوروبية الاخرى.

ثانياً: يوجد في بريطانيا نظام قانوني يحترم الملكية الخاصة، كما أن المليارديرات يستطيعون في لندن الاستمتاع بأوقاتهم مثل الخروج للتنزه أو الخروج مع عائلاتهم من دون أن يتعرضوا للكثير من الفضول والملاحقات.

ثالثاً: يوجد في بريطانيا نظام سياسي غير فاسد. ويقولون في هذا الصدد أن النظام السياسي البريطاني يجذب تحديداً مليارديرات روسيا وأوروبا الشرقية الذين لا يأمنون على ثرواتهم من الساسة وبطانتهم فى بلدانهم.

رابعاً: بريطانيا تحترم الملكية الفردية ولا تقوم بتجميد أو مصادرة الاموال والأملاك الخاصة الا من خلال صدور حكم ومرافعات وتوفير كامل الحقوق القانونية للأفراد للدفاع عن أنفسهم.

خامساً: لا يعتدي المسؤولون أو بطانتهم في بريطانيا على الاثرياء، مثلما يحدث من تجاوزات في البلدان العربية. مثلاً إذا اختلف الثري مع مسؤول أو أحد أفراد عائلة المسؤول، ربما يتعرض الثري للانتقام بمصادرة أملاكه أو حرمانه من المنافسة على المشاريع.

وهنالك عوامل أخرى جعلت بريطانيا تتفوق على منافساتها مثل سويسرا وأميركا، وبعض العواصم الاوروبية.

من بين هذه العوامل، الملاحقات الضريبية التي تحدث في أميركا للأثرياء وكشف الحسابات في سويسرا والضرائب المرتفعة التي فرضتها فرنسا في عام 2012 على الاثرياء.

يذكر أن سويسرا، كانت قبل سنوات أكثر جذباً لمليارديرات العالم، الا أن إلغاء قانون "السرية المصرفية" خلال السنوات الماضية ومطاردات مصلحة الضرائب الاميركية للبنوك السويسرية وإجبارها على كشف حسابات الاثرياء في أميركا وألمانيا أدى تلقائياً الى هروب بعض أثرياء العالم من سويسرا الى بريطانيا.

وفي أميركا أقرت مصلحة الضرائب الاميركية منذ عام 2011 قانوناً يجبر المواطن الاميركي في أي مكان بالعالم على تسجيل موجوداته المالية في الخارج لدى مصلحة الضرائب الاميركية. وتقوم مصلحة الضرائب الاميركية بناءً على ذلك بتحصيل الضرائب، ومن لم يفعل ذلك يتعرض لعقوبات.

ومنذ تطبيق هذا القانون في عام 2011، تخلى العديد من أثرياء أميركا عن جنسياتهم الاميركية.
وحسب إحصائيات مصلحة الضرائب الاميركية، فإن عدد الاغنياء الاميركيين الذين تخلوا عن جنسياتهم خلال عام 2013 بلغ حوالي 679 ثريّاً.
وارتفع عدد الاثرياء الذين تخلوا عن جنسياتهم في الثلاثة شهور الاولى فقط من العام الجاري حوالي 1001 ثري حسب إحصائيات مصلحة الضرائب الاميركية.

يذكر أن بريطانيا أجرت تعديلات في عام 2010 على القوانين الضريبية الخاصة بالاثرياء غير المقيمين بشكل دائم في بريطانيا.
وهذا القانون يتيح للعديد من الاثرياء أن يتخذ بريطانيا مقراً له لعدد من الايام من دون أن يتعرض لضريبة.

وحسب تعريف مصلحة الضرائب البريطانية لغير المقيم الذي لا تنطبق عليه هذه الضريبة، هو كل من يقضي في بريطانيا أقل من 183 يوماً في عام مالي واحد، أو من يقضي في بريطانيا أقل من 90 يوماً في المتوسط السنوي لأربع سنوات متتالية.
وفي الواقع فإن قانون الضرائب على غير المقيم يشمل أصحاب الثروة من غير البريطانيين، كما يشمل رجال الأعمال والأثرياء البريطانيين الذين يقيمون في الخارج ويقضون أوقاتا في بريطانيا تطول حتى تعرضهم لدفع الضرائب، كما يشمل كذلك الذين يعملون في الخارج. وهو قانون معقد جداً يصلح لتفسيرات كثيرة .

كما سنّت بريطانيا في السنوات الاخيرة ضرائب على العقارات الفاخرة التي يفوق ثمنها مليوني جنيه استرليني "حوالي 3.36 مليون دولار". وهي ضرائب تتراوح بين 15 و140 ألف دولار على المسكن.

وكانت هنالك مخاوف أن تؤثر هذه الضرائب على تدفق الاثرياء على لندن وعلى المشتريات العقارية الفخمة في لندن. ولكن وكالات التوظيفات المالية الخاصة بالاثرياء ووكالات عقارية  أبلغت "العربي الجديد" أنهم لم يلاحظوا أي تأثير على مشتريات الاجانب للعقارات الفاخرة في لندن أو في الريف البريطاني الذي تتوفر فيه مساحات واسعة وقصور وضيع.
وجاءت إحصائيات "ذي صنداي تايمز" الصادرة يوم الأحد، لتؤكد ذلك.

 

دلالات
المساهمون