أتراك بلغاريا تحت وطأة التمييز

13 نوفمبر 2016
ينفذ القوميون البلغار هجمات ضد المسلمين (فرانس برس)
+ الخط -
رغم التحسن الكبير في أوضاعهم بعد سقوط الحكم الشيوعي في بلغاريا ودخولها إلى الاتحاد الأوروبي، ما زال الأتراك البلغار يعانون من الكثير من التمييز في حقهم. يبدأ ذلك من التضييق على التعليم باللغة الأم، ويمرّ بمنع ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية، ويصل إلى عدم الاعتراف بوجودهم بشكل رسمي في الدستور البلغاري. كلّ ذلك بالرغم من أنّهم الأقلية الأكبر في البلاد، بنسبة تصل، بحسب الإحصائيات الرسمية، إلى عشرة في المائة من أصل 7 ملايين نسمة يشكلون عموم السكان.

دخل الإسلام إلى البلقان على يد الدولة العثمانية في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر. ويتوزع الأتراك في كلّ من اليونان وبلغاريا ومقدونيا ورومانيا والبوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو بأعداد متفاوتة. ويمكن تقسيم المسلمين في بلغاريا إلى ثلاثة أقسام، منهم البلغار الذين اعتنقوا الإسلام ويطلق عليهم اسم البوماق، والأقلية الغجرية المسلمة، أما القسم الثالث والأكبر فهم الأتراك الذين جرى توطين معظمهم خلال حكم الدولة العثمانية. ويذهب بعض المؤرخين البلغار إلى أنّ وجود الأترك في شمال بلغاريا يسبق السيطرة العثمانية ويعود إلى هجرة أعداد كبيرة من عشائر الأوغوز والبيشنك والجومان التركية من آسيا الوسطى إلى بلغاريا في العصور الوسطى.

منذ بدايات خروج الدولة العثمانية من البلقان إثر حرب البلقان (1912- 1913) تعرض المسلمون هناك إلى حملة تهجير وقتل شرسة. وبحسب الإحصائيات العثمانية، فقد قتل خلال الحرب نحو مليونين ونصف مليون مسلم. وجرى ترحيل نحو مليون آخرين إلى كلّ من تراقيا الشرقية التابعة الآن للأراضي اليونانية، أو إلى الأراضي التركية الحالية في الأناضول. وما زال الأتراك يطلقون على أولئك الذين وصلوا إلى الأناضول من أتراك وألبان وبوشناق اسم المهاجرين.

لم يدم انفتاح الحكم الشيوعي (1945- 1989) على الأقليات أكثر من تسع سنوات، لتتعرض الأقلية التركية بعد ذلك إلى حملات استيعاب شرسة ودموية، بدأت بإغلاق المدارس التركية ومنع التعليم باللغة الأم، مروراً بإغلاق المساجد ومنع تقديم الأضاحي، وحتى ختان الذكور. وأودع المعترضون في السجون، لتصل هذه الحملة إلى ذروتها في السنوات الأخيرة من الحكم الشيوعي (1985- 1989) بتدمير جميع الآثار العثمانية في البلاد بما فيها المقابر، وصولاً إلى فرض تغيير الأسماء التركية والإسلامية إلى أسماء بلغارية. وعمد الحزب الشيوعي البلغاري إلى ترحيل كلّ من اعترض على ذلك إلى تركيا، فجرى ترحيل 340 ألف تركي بلغاري إلى تركيا عام 1989، ليبلغ عددهم خلال أشهر 600 ألف شخص. وأغلقت الحكومة التركية حينها حدودها في وجههم ليواجهوا حكومة صوفيا وحيدين. فعاد 150 ألفاً منهم في وقت لاحق إلى بلادهم بعد سقوط النظام الشيوعي.


يقول المدرّس إسماعيل يعقوب (مواليد 1940) الذي عاد إلى بلغاريا بعد إمضائه في تركيا عدة أعوام في الثمانينيات: "مع قانون عملية إعادة الولادة الذي أقره الحزب الشيوعي في بلغاريا عام 1984، أجبر جميع المسلمين في بلغاريا على تغيير أسمائهم الإسلامية أو التركية إلى أسماء بلغارية. حتى إنّ السلطات غيرت لقب إمام المسجد إلى قسّ (بوبوف في البلغارية)، وبات اسمي أنا بالذات إليانوف ياكوبوف. عندما كنت ألتقي بأشقائي الثلاثة كنا نخاف أن نتحدث التركية في الشارع حتى لا يجري تغريمنا".

يضيف إسماعيل: "لا أحد يستطيع أن يقدّر الألم الذي يعيشه من يستلب منه اسمه، لكن في النهاية استعدت اسمي عام 1991 بعدما مرر البرلمان البلغاري قانوناً يسمح بذلك".
يتوزع الأتراك البلغار في عموم البلاد، لكنّهم يتمركزون بشكل أساسي في منطقتين، الأولى في الشمال وتحديداً لودوغوري أو دلي أورمان بالتركية، والثانية في الجنوب تحديداً في رودوبيس أو رودوبلار بالتركية.

بالرغم من التغيرات الكبيرة التي شهدتها بلغاريا والتحسن الكبير الذي طرأ على أوضاع الأقليات، إلاّ أنّ أبناء الأقلية التركية ما زالوا يعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبالذات مع تصاعد اليمين القومي البلغاري، الذي شن عدداً من الهجمات على المساجد متهماً إياها بأنّها مراكز لإنشاء الإرهابيين. كذلك، يدعو إلى إغلاقها، والتشدد في منع إقامة الأذان في المساجد، ويرفض وجود الأتراك كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

من جهته، يرفض محمد كهرمان (66 عاماً) من مدينة كرجالي البلغارية ذات الغالبية التركية، ويحمل الجنسية التركية، العودة إلى مدينته. يقول: "أعيش في إسطنبول منذ أواخر الثمانينيات، واستعدت جنسيتي البلغارية مؤخراً. أحب مدينتي كرجالي حيث قبْر والديّ، وحيث أيام طفولتي، وحيث ما زالت أختي تعيش. لكن، لا أفكر في العودة إليها. هنا أشعر بالأمان ولا أخاف من المستقبل. في بلغاريا لا أشعر بالأمان، تعزف ساعة مركز المدينة كلّ ستين دقيقة نشيد إنقاذ بلغاريا من العثمانيين، في رسالة موجهة إلى الأتراك، كما أنّ أوضاعنا الاقتصادية أفضل بكثير هنا في إسطنبول".