قلبت سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء حياة علي أبو طالب، مهندس الصوت في قناة "الإيمان" الرسمية اليمنية، رأسا على عقب. على غرار نسبة هامة من الموظفين اليمنيين، لم يجد أبو طالب بديلا من البحث عن مصدر رزق آخر يعينه على إعالة أسرته.
لم يعد أبو طالب (38 عاما) يتوجه كل صباح إلى استوديو القناة، بل صار مرغما على الجلوس على أرصفة التجمعات العمالية في العاصمة صنعاء، على أمل أن ينال فرصة عمل في ورش البناء.
واوقفت جماعة الحوثي الإنفاق في أجهزة الدولة، حيث جمدت صرف الأجور الإضافية والحوافز، التي يعتمد عليها الموظفون في معيشتهم.
أكد أبو طالب أنه اضطر الى العمل في البناء كي لا يموت جوعا مع أطفاله. وقال لـ"العربي الجديد": "رسالة إلى كل مسؤول، إلى كل متسبب في قطع أرزاقنا وأرزاق أولادنا، نقسم بالله أننا لن نسامحكم نحن وأولادنا على قطع حقوقنا".
ويرى موظفون ونشطاء يمنيون، أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الحوثيون في حق الموظفين الحكوميين، تهدد بتشريد أسر الموظفين وتعميق الأزمات المعيشية.
أكثر من ذلك، كشف المذيع عبد السلام الشريحي، عن مأساة يعشيها أحد زملائه الذي زج به في السجن قبل أسابيع، بعدما عجز عن سداد إيجار البيت الذي يسكنه. الشريحي تحدث أيضا عن حالة زميل آخر له، يبدو محظوظا لكونه يمتلك بيتا، لكنه لا يدري كيف سيأكل؟ ومن أين سيعيش أولاده خلال هذا الشهر والشهور القادمة، فقد كان يعتمد على الأجر الإضافي والحافز الذي لا يتعدى ثمانين ألف ريال (400 دولار)، لكنها توقفت بحجة مكافحة الفساد.
وتساءل الشريحي، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هل يدرك القائمون على إدارة شؤون البلاد، ومن يدعون مكافحة الفساد بأن رواتب الدولة هي أشبه بضمان اجتماعي، ولا تغطي الإيجار وفواتير الماء والكهرباء؟ وهل يدركون أن تجويع الناس سينتج مجتمعا من المجرمين واللصوص وقطاع الطرق؟".
وتتراوح الأجور الإضافية بين 200 و500 دولا شهريا، لكن جماعة الحوثي ألغت هذه الأجور وأبقت على الراتب الأساسي الذي لا يتعدى 500 دولار في التلفزيون اليمني.
وقال ماجد سلمان، وهو موظف في إدارة مكلفة بتحصيل مستحقات الدولة، إن تحصيل هذه المستحقات في الإدارة التي يعمل فيها يتم ببطء، ما اضطرها لصرف نصف راتب في فبراير/شباط الماضي، مع وعد بصرف الباقي بمجرد توفر الأموال. لكنها لم تصرف الأجر الإضافي والحوافز منذ بداية هذا العام.
وفاقم الركود الاقتصادي معاناة الموظفين اليمنيين في القطاع الخاص، حيث اضطرت أغلب الشركات المتوسطة والصغيرة إلى تقليص عدد ساعات العمل، وصرف نصف راتب فقط للموظفين بدوام فترة واحدة، كما أدت مغادرة الشركات النفطية للبلاد إلى تسريح آلاف العمال، علما بأن عمليات التخريب التي طالت المنشآت النفطية اليمنية، بخاصة أنانيب النفط، أسفرت عن خسائر بمليارات الدولارات.
وتعيش اليمن مأساة انسانية، نتيجة الوضع الأمني المتدهور عقب اجتياح جماعة الحوثيين للعاصمة صنعاء، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يتمكنوا من السيطرة على محافظات أخرى شمال ووسط البلاد.
وحذر منسق الشؤون الإنسانية لمنظمة لأمم المتحدة في اليمن، يوهانس فان ديركلاو، أخيرا، من أن الأزمة الإنسانية في البلاد أصبحت من أكبر الأزمات الإنسانية على الصعيد العالمي.
ونبهت الأمم المتحدة، في تقارير سابقة، إلى أن أكثر من 10 ملايين يمني يعانون في ظل انعدام الأمن الغذائي، مؤكدة أن 4.5 ملايين منهم بلغوا مرحلة خطيرة من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من مليون طفل دون سن الـ5 من العمر، يعانون من سوء التغذية الحاد، كما أن 13 مليون شخص لا يستطعيون الحصول على المياه من مصادر نظيفة.
وتشير تقاير دولية إلى أن نحو 8 ملايين شخص يحتاجون إلى خدمات الرعاية الصحية، إضافة إلى أكثر من 300 ألف يمني هم في عداد النازحين، بعد سيطرة الحوثيون على العاصمة صنعاء وتدهور الأوضاع الأمنية.
وحذر محللون اقتصاديون من ثورة جياع قادمة؛ نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وإعلان الأقاليم استقلالها.
وتفاقم معدل الفقر ليصل إلى 35%، وقفزت نسبة البطالة إلى 47%. واعتبر محللون أن عدم الاستقرار والحروب والنزاعات الداخلية، كانت لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني؛ نتيجة توقف عملية التنمية وتدمير البنية التحتية وتعمق الأزمات المعيشية.
اقرأ أيضا:
سائق التوك توك..مهنة خريجي الجامعات والأطفال في مصر
عراقية تتحول من بائعة خضروات إلى سيدة أعمال
الحوثي يعزل اليمن اقتصادياً لصالح إيران وروسيا