أبو سمير "مكوجي" غزة الأقدم

30 سبتمبر 2015
أبو سمير يمارس عمله في محله بقطاع غزة(العربي الجديد)
+ الخط -
هو الأكبر سناً والأقدم في مهنة "المكوجي" في قطاع غزة. والوحيد الباقي من الجيل الأول لهذه المهنة. واحد من الذين اعتنوا بملابس الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات. يعتبر "شيخ الصنعة"، بين أوساط الجيل الحديث. كان يحلم أن يصبح طبيباً أو مهندساً كما يروي ذلك لـ"العربي الجديد"، لكن ظروف عائلته المادية حينها، منعته من تحقيق حلمه، فلجأ وهو في سن الطفولة المبكرة إلى العمل مع شقيقه الذي كان يعمل في مهنة "المكوجي".

محمد الراعي ولقب شهرته (أبو سمير) من مواليد مدينة غزة عام 1943، يعمل في مهنة كي الملابس منذ أكثر من ستين عاماً. يقول لـ "العربي الجديد" في شهادته عن مساره المهني، "تعلمت مهنة كي الثياب عند شقيقي وأنا في سن الثانية عشرة، وصادف التحاقي بالمهنة عام قيام الثورة المصرية سنة 1952. واستمريت مدة عشر سنوات، اكتسبت خلالها الخبرة العملية، فقررت فتح محل خاص بي وحققت نجاحاً كبيراً".

مهنة تقليدية
بدأ أبو سمير العمل في محله في حي الزيتون، أحد أحياء مدينة غزة القديمة، حيث يوجد حينها ثلاثة محلات فقط في غزة متخصصة في كي الثياب وهو رابعهم. وكان أصغرهم سناً. يقول أبو سمير لـ"العربي الجديد" عن بداية عمل مهنة كي الملابس في غزة قديماً "كانت أدواتنا بسيطة وهي عبارة عن مكواة تعمل بالقدم، ثم تطورت إلى مكواة تسخن على بابور الكاز، ثم مع وصول الكهرباء إلى غزة وصناعة المكواة التي تعمل على البخار جلبتها، وحرصت على تطوير أدوات العمل حتى أنني مازلت أحتفظ بالأدوات القديمة، والتى أعتبرها جزءاً من تراث غزة الذي لا يجب التفريط فيه".

ويضيف أبوسمير "إن مهنة الكي قديماً تعبرعن الذوق العام، حيث كان الناس يهتمون جداً بلباسهم، ويختارون الأنسب لهم من الأقمشة، والتي تكون من القطن والصوف الأصلي، حيث يسهل كيها، لكن اليوم تغير تقريباً كل شيء، وأغلب الأقمشة الموجودة يصعب كيه".

وعن زبائنه قديماً وأبرز الشخصيات التي عمل على الاعتناء بملابسها، يروي أبو سمير لـ"العربي الجديد"، "كنت أكوي ملابس أشخاص معينين، ذكوراً وإناثاً، كرؤساء البلديات، والأطباء الكبار، وأعضاء المجلس التشريعي، بالإضافة إلى المحامين والبعثات المصرية، حتى أنني قمت بكي ملابس الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات".

ويرى أبوسمير 72 عاماً، أن مهنة "المكوجي" في غزة من المهن القديمة التراثية والأساسية، ويجب بحسبه المحافظة عليها، لدورها في جعل الشخص يظهر بمظهر لائق وأنيق، لأجل ذلك يؤكد أبو سمير أنه متمسك بمهنته ويفتخر بامتهانها.

على الرغم من كبر سن الحاج أبو سمير، إلا أنه مستمر في عمله ويستقبل زبائنه ويلبي طلباتهم، وكي ملابسهم ويساعده في ذلك ابنه الذي تعلم المهنة منه. يقول: "يأتي زبائني من أغلب مناطق قطاع غزة، فهم يعرفونني، منذ سنوات طويلة، ويأتون سبب سمعتي القديمة الطيبة بعدما شاهدوا أباءهم يلجأون إلى محلي".

أبرز ما كان يميز أبو سمير عن غيره، أنه كان يتقن كي اللباس الفلسطيني القديم الفلكلوري، المعروف باسم "القمباز"، والمصنوع من قماش "الروزا" وكيّه يحتاج إلى صاحب خبرة واسعة.

وعن زملائه في المهنة قديماً يقول أبو سمير "كل زملائي توفاهم الله، أنا حالياً الشخص الوحيد الأكبر سناً في مجال الكي في غزة. أحمل ذكريات وتاريخ الزمن الماضي الجميل لمهنة "كي الملابس".

محل أبو سمير كان، أيضاً، عبارة عن مدرسة لتعليم مهنة الكيّ، فالعديد من أصحاب المحلات الأخرى تعلموا داخل محله واكتسبوا الخبرة منه قبل أن يفتتحوا محلات خاصة بهم.

لا يخفي أبو سمير أن حالة غزة الاقتصادية أثرت سلباً على أداء مهنته اليوم، كما أثرت على باقي المهن، ويصرح بهذا الصدد أن "المهنة سيئة اليوم، بسبب الدخل غير الكافي، أمام حجم المصروفات. قديماً كان العمل أفضل، وكان الدخل كبيراً، ناهيك عن أزمة الكهرباء التي نعاني منها في عملنا باعتبارها أساس استمرار مهنة "كيّ الملابس". إذا تحسن الحال سأقوم بتطوير محلي وعمل ديكورات وجلب مكوى حديث وغسالات للملابس".
دلالات
المساهمون