واعتقلت السلطات المصرية أبو الفتوح، مساء الأربعاء، كما اعتقلت ستة من قيادات بارزة من حزبه قبل أن يتم إطلاق سراحهم لاحقاً. وأعلن حزب "مصر القوية" أن اعتقال أبو الفتوح أتى بعد مداهمة قوة أمنية لمنزله بمنطقة التجمع الخامس، شرق القاهرة.
ومثل أبو الفتوح أمام نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، أمس الخميس، حيث وصلها وسط حراسة أمنية مشددة. ووجّهت النيابة إليه اتهامات "تولي قيادة في جماعة إرهابية، وإذاعة أخبار داخل مصر وخارجها من شأنها إثارة البلبلة وإحداث الفتن"، وأمرت بحبسه على ذمة التحقيقات.
وواجهت نيابة أمن الدولة العليا، أبو الفتوح، باتهامات تتعلّق بـ"الاتصال بجماعة الإخوان، والتحريض ضد مؤسسات الدولة، في محاولة لقلب نظام الحكم"، على خلفية تصريحاته عن أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "عصف ببقية المرشحين للانتخابات الرئاسية، ولا يمتلك خبرة في إدارة الدولة، أو تاريخاً سياسياً، ويحكم بطريقة يا أحكمكم (المصريين) يا أقتلكم، وأحبسكم".
ويرى مراقبون أن "أبو الفتوح سياسي محنّك، كونه انخرط في العمل الجماهيري بسن مبكرة، وعمد في مقابلاته الصحافية، إلى ترديد العبارات نفسها، وكأنه يوصل رسائل محددة، إلى بعض مؤسسات الداخل، كالجيش والكنيسة، أو قوى إقليمية ودولية، في محاولة لإظهار نفسه كرجل دولة".
وحصل أبو الفتوح على المركز الرابع في أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها مصر، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، إذ استطاع الحصول على أكثر من أربعة ملايين صوت، بنسبة بلغت 17.5 في المائة من إجمالي المقترعين في انتخابات العام 2012، بعدما حظي بدعم من قطاعات متباينة، من حزب "النور" السلفي يميناً، إلى دعم شخصيات عامة في أقصى اليسار.
بدأ أبو الفتوح العمل السياسي مبكراً، بشغله منصب رئيس اتحاد طلاب كلية طب قصر العيني، فرئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة. وتصدى في واقعة شهيرة داخل الجامعة، للرئيس أنور السادات، متهماً من يعمل حوله بأنهم "مجموعة من المنافقين"، الأمر الذي أغضب الرئيس الراحل، وقال منفعلاً حينها: "قف مكانك يا ولد... أنت تخاطب رئيس الدولة".
انضم أبو الفتوح، ومعه كوادر الجماعة الإسلامية في الجامعات، إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في سبعينيات القرن الماضي، بعد مفاوضات قادها القيادي التاريخي في الجماعة، عباس السيسي، وشغل عضوية مكتب الإرشاد فيها ما بين العامين 1987 و2009، وكان من ضمن قوائم المعتقلين في سبتمبر/ أيلول 1981، لموقفه الرافض لمعاهدة "كامب ديفيد".
دفع أبو الفتوح ضريبة معارضته لنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بالسجن لمدة خمسة أعوام في قضية عسكرية منتصف التسعينيات. وقبل النطق بالحكم، ظلّ يهتف هتافه داخل قفص الاتهام: "يسقط الحزب الوطني الفاسد"، ولم ينصَع لأمر ضابط المحكمة له بالسكوت، وتأكد الحاضرون آنذاك من أنه سيحصل على أقصى عقوبة.
صدامه مع الإخوان
اصطدم أبو الفتوح مع جماعة "الإخوان"، في أعقاب رفضها ترشيح المرأة والقبطي لرئاسة الجمهورية، في مسودة برنامجها مطلع العام 2007، وجاهر حينها بخطأ موقف "الإخوان". ومع اندلاع ثورة يناير، رفض المفاوضات التي أجرتها قيادات في الجماعة مع نائب رئيس الجمهورية الراحل، عمر سليمان، وقال في تصريح شهير: "كل من يتفاوض مع سليمان، لا يعبّر عن الجماعة".
أصرّ أبو الفتوح على موقفه بخوض الانتخابات الرئاسية، على غير رغبة جماعة "الإخوان"، فكان جزاؤه الفصل من عضويتها، ما رسّخ صورته أمام الرأي العام كقيادي منشقّ عن الجماعة، فيما ساهم هجومه المستمر على المجلس العسكري، ومطالبته بـ"خروج عادل" للمجلس من السلطة، وليس "آمناً"، في زيادة أسهمه عند قطاع عريض من شباب الثورة.
تعرّض لاعتداء من قبل ثلاثة مسلحين، في 23 فبراير/ شباط 2012، أثناء عودته من مؤتمر جماهيري في محافظة المنوفية، نتج عنه ارتجاج في المخ، تعافى منه سريعاً. وعقب خسارته للانتخابات الرئاسية، شرع في تأسيس حزب "مصر القوية"، الذي صنّفه كأحد أحزاب "يسار الوسط"، واتخذ لاحقاً موقفاً معارضاً للرئيس المنتخب، محمد مرسي، في أواخر حكمه.
موقفه من 30 يونيو
مطلع إبريل/ نيسان 2013، دعا أبو الفتوح لانتخابات رئاسية مبكرة، بحجة "الانتقال الديمقراطي للسلطة"، و"فشل مرسي في إدارة الدولة"، وهي الدعوة التي تلقفتها أغلب وسائل الإعلام المحلية بالترحيب، بدعوى "تجنيب البلاد ويلات الفوضى"، علماً أنه حذّر في الوقت ذاته من تداعيات نزول الجيش إلى الشارع، باعتبار أن عواقبه كارثية.
أيّد أبو الفتوح وحزبه تظاهرات 30 يونيو/ حزيران. وعقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، ذهب مع ما يسمى بـ"القوى السياسية" إلى لقاء الرئيس المعين من الجيش، عدلي منصور، بقصر الاتحادية الرئاسي، لطرح توجهات حزبه. غير أنّ أبو الفتوح عاد أدراجه سريعاً، وطالب بعدها بإبعاد الجيش عن إدارة المشهد السياسي، ووقف أي إجراءات استثنائية بحق مؤيدي مرسي، والبدء في إجراءات عاجلة للمصالحة الوطنية، إلى أن صعّد تدريجياً من لهجته، معتبراً أن 30 يونيو "موجة ثورية"، تحوّلت إلى انقلاب عسكري في 3 يوليو، وأن "رفض مرسي للانتخابات المبكرة، لا يبرّر الانقلاب عليه".
الدعوة لانتخابات مبكرة
رفض أبو الفتوح الترشّح لانتخابات الرئاسة في العام 2014، مؤكداً أن "جمهورية الخوف" عادت لتحكم مصر، وأن النظام الحاكم هو "قمعي"، معتبراً أن دعم الجيش لترشح وزير الدفاع آنذاك "ضربة للديمقراطية"، وأنه يربأ بنفسه من المشاركة في هذه "المهزلة" (الانتخابات)، في ظل تغييب عشرات الآلاف من المعارضين في السجون، وتعرضهم للتعذيب.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، دعا أبو الفتوح مجدداً لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأنه "لا يرى أي إيجابيات ذات قيمة تحقّقت في عهد السيسي، سوى بنائه جمهورية الخوف"، وهو ما عرّضه لموجة هجوم واسعة من وسائل إعلام النظام، التي اتهمته بمحاولة تعطيل المسار الديمقراطي بالدعوة لمقاطعة الانتخابات النيابية المنقضية.
وتقدّم المحامي طارق محمود ببلاغ حمل رقم 4632 لعام 2015 استئناف إسكندرية، اتهم فيه أبو الفتوح حينها بالتحريض على إسقاط مؤسسات الدولة، وإهانة رئيس الجمهورية، وأنّه "أداة منفذة لتعليمات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان"، مطالباً باستصدار قرار بضبطه وإحضاره، ومنعه من السفر، ووضع اسمه على قوائم الترقّب.
المحامي ذاته هو من تقدّم أخيراً ببلاغ إلى نيابة أمن الدولة ضد أبو الفتوح، بسبب تصريحاته الإعلامية، واتهمه فيه بمحاولة تعطيل الدستور، وقلب نظام الحكم، والإساءة إلى الدولة المصرية، والتحريض ضد مؤسساتها، وإجراء اتصالات مع عناصر إرهابية في الخارج، ونشر أخبار كاذبة عبر وسائل إعلامية تابعة لجماعة الإخوان.