قال المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، عدنان أبو حسنة، في حوار مع "العربي الجديد"، إنّ المؤسسة الأممية تعاني من عجز مالي يصل إلى أكثر من 96 مليون دولار أميركي، وتحاول التغلب عليه من خلال عدد من الدول المانحة.
ولفت أبو حسنة، إلى أنّ الأزمة المالية صاحبت "الأونروا" منذ نشأتها عام 1950 كأي كيان أو دولة أو مؤسسة قائمة، مشيراً إلى أنّ "الأونروا" تحاول التغلب على هذا العجز عبر جهد متواصل من مفوضها العام، من خلال العمل على وضع موازنة ثابتة لها ضمن موازنة الأمم المتحدة، وهو ما سيريح المؤسسة الأممية التي تعتمد على التبرع الطوعي من قبل الدول المانحة.
وهنا نص المقابلة:
*ما هي طبيعة الأزمة المالية التي تعاني منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"؟
كانت السنوات الأخيرة صعبة على "الأونروا"، بسبب التطورات المتسارعة في مناطق عملياتها، لا سيما في قطاع غزة، الذي تعرّض لثلاث حروب في ست سنوات، فضلاً عن الأوضاع في سورية، وتشريد 350 ألف لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى الأزمات التي عاشتها دول كاليمن والعراق وليبيا. كل هذه المتغيرات شكلت عوامل ضغط على الأونروا كمؤسسة أممية، في ظل عدم تناسب الموازنة الموجودة مع الزيادة المتسارعة في أعداد اللاجئين. يضاف إلى ذلك الظروف التي يعيشها سكان غزة من استمرار الحصار وتلاحق الحروب.
في عام 2015، وصلت نسبة العجز في موازنة الأونروا إلى نحو 101 مليون دولار، الأمر الذي هدد برامجها الأساسية كالصحة والتعليم، في ظل وجود نحو نصف مليون طالب فلسطيني يتابعون الدراسة في مدارس تابعة للأونروا. أما العام الحالي، فإن العجز المالي في الأونروا وصل إلى 96 مليون دولار أميركي، ولا بد من توفيرها قبل حلول الشهرين المقبلين، كون العجز يدخل ضمن الموازنة التشغيلية لبرامج الأونروا كالتعليم والصحة في مناطق عملياتها الخمس. وهناك جهود كبيرة يبذلها مفوض عام الأونروا حالياً، بيير كرينبول، من أجل تجنيد المال من مختلف الدول المانحة لاستمرار تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين من دون توقف.
*هل أثرت الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا على طبيعة الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين؟
بالطبع لا، فالأونروا تقوم بعملية تحسين لجودة الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها المختلفة، طيلة الفترة الماضية. فعلى الرغم من وجود تجميد للتوظيف بفعل الأزمة المالية، إلا أن الأونروا استثنت قطاع غزة من هذا القرار، وكان هناك تعيينات في مجالات وقطاعات عديدة، الأمر الذي انعكس سلباً على العلاقة بين اتحادات الموظفين وإدارة الأونروا.
*ما هي الأسباب الحقيقية وراء الأزمة المالية، وهل من الممكن أن تدفع، على المدى البعيد، إلى إنهاء وجود الأونروا كمؤسسة أممية؟
الأزمة المالية صاحبت الأونروا منذ نشأتها عام 1950 كأي كيان أو دولة أو مؤسسة قائمة، والأونروا تحاول التغلب على هذا العجز عبر جهد متواصل من مفوضها العام، من خلال العمل على وضع موازنة ثابتة لها ضمن موازنة الأمم المتحدة، وهو ما سيريح الأونروا التي تعتمد على التبرع الطوعي من قبل الدول المانحة، وتحاول حالياً أن يتحول الدعم إلى طابع إلزامي عبر الأمم المتحدة، ينهى أي عجز مالي تعاني منه الأونروا في المستقبل.
من جهة أخرى، تأسست الأونروا بقرار أممي من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولذا فهي من تقرر بقاء الأونروا واستمرارها في عملها، وليس العجز المالي الذي تعاني منه.
*هل من الممكن أن يدفع استمرار العجز المالي الذي تعاني منه الأونروا إلى اتخاذ خطوات بتقليص الخدمات المقدمة؟
حتى اللحظة، لا نستطيع الحديث عن تخفيضات في الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين، فعلى العكس تماماً العام الماضي كان هناك زيادة في أعداد اللاجئين الذين تسلموا مساعدات غذائية، بالإضافة إلى تسليم مشاريع بنى تحتية وغيرها من المشاريع، كالمشروع السعودي الأول والثاني، والمشروع الإماراتي الأول والثاني، والمشروع الياباني، وتشييد 35 مدرسة جديدة في قطاع غزة، وغيرها من المشاريع التي نفذتها الأونروا.
*ما هي أسباب الخلافات القائمة حالياً بين الأونروا واتحادات الموظفين الموجودة بداخلها؟
يعود الخلاف إلى إجراء الأونروا عملية مسح للرواتب، لمراقبة مدى توافقها مع الدول المستضيفة لها، وبعد هذه العملية وجدت الأونروا أن الرواتب في قطاع الصحة تعتبر أقل من رواتب القطاعات الصحية الرسمية للدول المضيفة، وأبدت استعدادها لزيادة رواتب هؤلاء الموظفين، بالإضافة إلى بعض الوظائف التي تثبت أنها أقل من الطبيعي في الدول المضيفة، إلا أن اتحاد الموظفين يرفض ويريد أن تكون الزيادة شاملة لجميع الموظفين.
* هل هناك تجاهل من قبل إدارة الأونروا للعاملين ولمطالبهم واتحادات الموظفين العرب؟
لا يمكن لأحد تجاهل اتحادات الموظفين، فالأونروا تحترم هذه الاتحادات وتريد أن يستمر الحوار كما جرى سابقاً، كانت هناك عشرات الإضرابات التي وصل بعضها إلى 50 يوماً وتوّجت في النهاية باتفاق بين إدارة الأونروا واتحادات الموظفين، ونأمل أن نصل إلى اتفاق خلال الفترة المقبلة.
* لماذا تُتهم الأونروا، في الآونة الأخيرة، بشح التوظيف في قطاعات هامة كالتعليم والصحة رغم الحاجة الكبيرة إليها؟
الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا كانت سبباً رئيسياً في تجميد التوظيف، لكن قطاع غزة مستثنى من قرار التجميد، إلا أن واقع التوظيف حالياً لم يعد كما كان في السابق بفعل الأزمة المالية الطاحنة والعجز الموجود الذي يصل إلى نحو 15% من إجمالي موازنة الأونروا، وفي حال حُلت الأزمة سيجري رفع كافة القيود عن التوظيف.
*إلى أين يسير ملف إعادة إعمار قطاع غزة بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الإسرائيلية؟
إن ملف إعادة إعمار قطاع غزة يعاني من تعثر، فنحن طلبنا، في مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة، مبلغ 724 مليون دولار، لم نحصل إلا على 30% فقط من هذا المبلغ حتى الآن. لدينا تمويل لبناء 3 آلاف وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل، وقدمنا مساعدات لـ70 ألف أسرة لإصلاح الأضرار البسيطة، بالإضافة إلى مساعدات لـ90% من الذين أصيبت بيوتهم بأضرار جسيمة، عدا عن صرف بدل إيجارات، في ظل وجود عجز كبير في التمويل وتأخير في عملية إدخال مواد البناء إلى غزة، الأمر الذي قد يستغرق عدة سنوات لإعادة الإعمار.
*ما هو إجمالي المساعدات المالية التي وصلت إلى خزينة الأونروا من أجل استخدامها في عملية إعادة الإعمار؟
تلقينا 257 مليون دولار، وتستخدم هذه الأموال في مجالات متعددة من عملية إعادة الإعمار، كصرف مبالغ مالية للإصلاحات، وبناء المنازل والوحدات السكنية المدمرة بشكل كلي.
* ما هي أسباب تعثر عملية إعادة إعمار قطاع غزة؟
يعود السبب بالدرجة الأولى إلى غياب التمويل، فنحن وُعدنا بمليارات الدولارات في مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة عام 2014 ولم يصل منها إلا القليل، بالإضافة إلى أهمية وجود حكومة فلسطينية موحدة تسيطر على القطاع وتنهى الانقسام الفلسطيني، عدا عن القيود الموجودة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عشر سنوات.
*كيف تقيّمون الأوضاع المعيشية في قطاع غزة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الحصار الإسرائيلي؟
وصلت الأوضاع المعيشية في قطاع غزة إلى انحدار غير مسبوق، فقد ناهزت نسبة البطالة في صفوف الشباب في المرحلة العمرية من 18-24 سنة 60%، أما البطالة في صفوف النساء فقد وصلت إلى 80%، وهي النسبة الأعلى في العالم، بالإضافة إلى تدمير كامل لقطاعات الصناعة والزراعة، فضلاً عن تلوث المياه بفعل ضخ المياه العادمة غير المعالجة، ونقص السولار والوقود، وغيرها من الأزمات التي يعاني منها أهالي غزة.
بالإضافة لذلك، فإن إجمالي عدد الذين خرجوا العام الماضي من قطاع غزة وصل إلى نحو 9 آلاف شخص فقط، وهو ما يعني أن كل غزي له فرصة للخروج مرة واحدة كل 200 عام في ظل الحصار الحالي، عدا عن التأثيرات النفسية للحصار التي أضرت بأكثر من 400 ألف غزي يعانون من اضطرابات نفسية، وانعكست سلباً على الواقع الاجتماعي للأسر الفلسطينية كالطلاق والعنف داخل الأسر والمدارس.
* كيف تنظرون إلى استمرار الحصار بواقعه الحالي؟
الحصار خطير ومدمر، وما نشهده الآن هو تراكم للطاقة السلبية في نفوس السكان بفعل استمرار الحصار، الأمر الذي يشكل خشية بأننا قد نكون مقبلين على جولة عنف جديدة في ظل غياب الأفق لدى الفلسطينيين في قطاع غزة.
*هل تأثرت الأونروا بفعل فرض إسرائيل الحصار على غزة منذ عام 2006؟
بالتأكيد. الحصار زاد علينا الأعباء، في ظل عدم قدرة الحكومة على تغطية هذه الاحتياجات وبقيت الأونروا وحيدة. فعلى سبيل المثال، لدينا 300 ألف طلب بطالة (وظيفة مؤقتة) في غزة، منهم عشرات الآلاف من حملة الشهادات الجامعية المتنوعة كالبكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى الحرفيين والمهرة.
أدى الحصار إلى حدوث ضغط على برامج الأونروا بمختلف مجالاتها، ففي الوقت الذي كان فيه نحو 80 ألف لاجئ فلسطيني يحصلون على مساعدات غذائية عام 2000 ارتفع العدد حالياً ليصل إلى نحو مليون لاجئ فلسطيني بغزة، في الوقت الذي يعتمد فيه نحو 80% من السكان على المساعدات المقدمة من المؤسسات الإغاثية.
*في ظل الأزمات المتعددة التي تضرب قطاع غزة، هل من الممكن أن تساهم الأونروا في لعب دور لحل هذه الأزمات؟
نحن نؤدي دورنا حسب التفويض الخاص بنا، والذي يتيح العمل في مجالات التعليم والصحة، بالإضافة إلى مشروع فرص العمل المؤقتة (البطالة) الذي يتيح المجال لنحو 20 ألفا سنوياً، وبالتالي فالأونروا لا تستطيع الدخول في مجال قضايا خارج صلاحية تفويضها. فمثلاً قضايا الميناء والمطار وحل أزمة الكهرباء تعتبر مسؤولية السلطة الفلسطينية، إلا أننا مستعدون للتعاون مع الأفكار في ظل وجود تقرير غزة 2020 والذي يحذر من أن القطاع قد لا يكون صالحاً للعيش بحلول هذا التاريخ في ظل الأزمات الموجودة فيه.
*كيف يمكن للأطراف المختلفة المساهمة في إنهاء أزمات غزة الحالية؟
يجب أن يكون هناك تعاون مشترك بين مختلف الجهات، المتمثلة في السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وكل الأطراف، بما فيها الدول المجاورة، بضرورة ووضع حلول جيدة لمشكلات الكهرباء والبنية التحتية، وإفساح المجال أمام الغزيين للعيش، للحيلولة دون انفجار الأوضاع مجدداً.