أبناء الوافدين من دون ترفيه في الكويت

04 اغسطس 2017
خيارات محدودة (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال فصل الصيف، يعاني أطفال العاملين الوافدين إلى الكويت الذين لم يتمكنوا من السفر إلى بلدانهم الأصلية بسبب ارتباط آبائهم بالوظيفة، من ارتفاع الحرارة إلى مستويات قياسية بلغت 55 درجة مئوية بالإضافة إلى ندرة الأماكن السياحية الخاصة بالأطفال وغلائها.

ويعيش في البلاد نحو ثلاثة ملايين وافد بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، غادر أكثر من 250 ألفاً منهم الكويت منذ بداية العطلة الصيفية الجارية ليتوجهوا إلى بلدانهم الأصلية، وغالبية هؤلاء من المدرّسين. أمّا الوافدون الباقون فلم يتمكّنوا من العودة إلى بلدانهم، إمّا بسبب ارتباطهم بوظائفهم أو بسبب الظروف التي تمرّ بها بلدانهم تلك.

أحمد المشهداني وافد سوري يعمل في وزارة الأوقاف، يخبر "العربي الجديد" أنّه حصل على إجازة لمدّة شهر كامل "لكنّني لا أستطيع العودة إلى بلدي لأنّ مدينتي دير الزور مدمّرة. كذلك فإنّه يتعذّر على عائلتي السفر إلى دول سياحية مثل تركيا، بسبب غلاء التذاكر والمصاريف هناك بالإضافة إلى صعوبة استخراج تأشيرة دخول من السفارة التركية في الكويت".

وكانت الإدارة العامة للطيران المدني قد أعلنت أنّ عدد المسافرين منذ بداية العطلة الصيفية الجارية بلغ 500 ألف مسافر ومن المتوقّع أن يصل العدد إلى 750 ألفاً مع نهاية العطلة وعودة المواطنين والوافدين إلى مراكز عملهم.

ويعاني محدودو الدخل في الكويت، وغالبيتهم من الوافدين، من الغلاء المعيشي في البلاد بالإضافة إلى معاناة أبنائهم من ندرة الأماكن الترفيهية وغلائها إنْ وُجدت. يُذكر أنّ شركة المشروعات السياحية التابعة للحكومة أو "المدينة الترفيهية" وهي أكبر مدينة ملاهٍ في البلاد، أغلقت أبوابها قبل عامَين بسبب أعمال الصيانة. وقد وصلت بدلات إيجار البيوت الصيفية والمصايف البحرية في منطقة الخيران جنوبيّ البلاد على سبيل المثال، إلى مبالغ خيالية تنافس أسعار الفنادق العالمية خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع.

يقول رئيس قسم الخدمات في أحد مشاريع الشاليهات، طلال البخيت، لـ "العربي الجديد" إنّ "بدلات إيجار الشاليهات في منطقة الخيران مرتفعة جداً بسبب الإقبال الشديد عليها في فصل الصيف، إذ يبلغ بدل الليلة الواحدة في عطلة نهاية الأسبوع 150 ديناراً كويتياً (نحو 500 دولار أميركي). وهي خارج متناول عدد كبير من الوافدين وعائلاتهم من ذوي الدخل المحدود والذين يفكّرون بالادّخار لبناء بيت أو تزويج أحد الأولاد في بلدانهم الأصلية".




من جهته، يقول أبو أحمد، وهو وافد مصري يعمل في شركة صرافة لـ"العربي الجديد"، إنّه يعمل في الكويت منذ عام 1993 "وقد ربّيت جميع أبنائي هنا ودرسوا في مدارسها". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأمور تغيّرت بسبب إقبال الكويتيين على السفر إلى الخارج في فصل الصيف، فأهمِلت نشاطات كثيرة كان أبنائي يستمتعون بها في فصل الصيف أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية. ففعاليات كثيرة كانت تُنظّم في الأماكن الترفيهية وعلى الواجهة البحرية في العاصمة، لكنّ ارتفاع درجات الحرارة جعل الناس يفضّلون السفر إلى الخارج". يضيف أبو أحمد أنّ "أبنائي الصغار لا يستطيعون اليوم الحصول على الترفيه في الأماكن المكشوفة، إذ إنّ كثيراً منها أُغلق مثل المدينة الترفيهية ومنتزه الشعب، ولا يمكنني تحمّل تكاليف الأماكن المغلقة الحديثة والمبالغ في أسعارها بصورة كبيرة".

ومشروع الواجهة البحرية وهو مشروع سياحي ضخم بنته الحكومة الكويتية في ثمانينيات القرن الماضي عبر شركة المشروعات السياحية التابعة لها، على امتداد نحو 21 كيلومتراً على ساحل بحر الخليج العربي، تحوّل إلى مشروع أشباح بسبب الإهمال وتدهور أوضاع الشركة المسؤولة عنه.

إلى ذلك، يقول الشاب المصري عبد الرحمن حسن تاج، والده مسؤول مبيعات في إحدى شركات السيارات في الكويت، إنّه "لم أتمكن من العودة إلى مصر بسبب عمل والدي. وأقضي معظم أوقاتي هنا في لعب كرة القدم في الملاعب المتوفّرة على شاطئ البحر، أو ألعاب الفيديو داخل المقهى حيث نشرب القهوة والشيشة (النرجيلة)". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه "لا تتوفر أماكن كثيرة هنا. فقط المطاعم الفاخرة، وهي مكلفة بالنسبة إليّ وإلى أصدقائي كذلك. لذا نقصدها مرّة واحدة في الشهر فقط، أمّا الأيام الباقية فنقضيها في المقهى أو في التسكع في المجمعات التجارية والأسواق".

ويتخوف آباء كثيرون من أن تؤدّي ندرة الأماكن السياحية والترفيهية المخصصة للشباب في البلاد إلى انحراف أبنائهم وانشغالهم في المقاهي الشعبية التي تقدّم التبغ إلى الأطفال وصغار السنّ من دون أيّ رقابة من قبل الجهات المختصة.

في السياق، يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد لـ"العربي الجديد" إنّ "عدم توفّر عدد كاف من الفعاليات الترفيهية وتواري المؤسسات الحكومية المخصصة لهذا الجانب يؤدّيان بلا شك إلى فراغ عند الشباب المنتمين إلى طبقة محدودة الدخل والذي يصادف أنّ معظمهم من أبناء الوافدين إلى الكويت والمقيمين فيها". يضيف أنّ "عدم توفّر ما يشغل هؤلاء الشباب والمراهقين بالأمر النافع من شأنه أن يؤدّي إلى تعلّمهم أموراً قد تؤثّر على مستقبلهم وتعليمهم وأسرتهم، بل تؤثّر على الدولة والمجتمع عموماً". ويعيد "عدم توفر الفعاليات الترفيهية إلى أنّ ثقافة الربح الفاحش مسيطرة على شركات الترفيه القليلة لدينا، كذلك فإنّ الحكومة تنازلت عن الدور الترفيهي الذي كانت تؤدّيه حتى تسعينيات القرن الماضي والذي تقدّمه بأسعار رمزية في متناول الجميع لصالح الشركات".

دلالات