نحن الأطفال الذين نزلوا دحرجةً إلى الملاجئ في زمن الحرب. نحن الذين حملنا مع أهلنا الشموع والملاءات السميكة وقناني المياه ومعلّبات الجبن والمرتديلا والسّردين وما توفّر من ربطات خبز انتظرناها في صفوفٍ طويلة أمام الفرن.
نحن الذين ولدنا في الحرب، وتربّينا في الحرب، وذهبنا إلى المدرسة في الحرب، ولعبنا كرة القدم في أقرب "بورة" استطعنا الوصول إليها في الحرب، ونحن الذين نفَذنا بالصدفة من رصاص الحرب. عشنا أياماً منقوصة يسرحُ فيها زعماء الحرب ويتنعّمون بالبلد المسروق الذي يقتلون الناس باسمه كل يوم.
نحن الذين كبرنا على مباريات كرة القدم بعد الحرب، ولم يكن لنا الكثير من الهوايات الأخرى لضيق الحال ومحدودية الإمكانات. نحب ناديي النجمة والأنصار، الغريمين البيروتيين اللدودين، نوالي النبيذي "حتى العظام" ونتصارع مع الخضر حول من يفوز بلقب الدوري الذي لم يسمع به أحد على وجه الأرض.
نحن الفتية الذين التقوا في مداخل البنايات وعلى زوايا الأرصفة ليتبادلوا ملصقات نجوم الكرة يوم لم يكن لا إنترنت ولا غيره. نحن الذين غضبنا من الحكام غير العادلين وشتمناهم وقرّعنا اتحاد الكرة المسيّس وانتظرنا بصبرٍ، غالباً ما خذلنا، الشماتة بخسارة الخصم اللدود.
ونحن الشبان الذين لم يحمل آباؤهم السلاح يوماً، ولم ينتموا إلى حزبٍ أو تنظيمٍ، ولم يقطعوا طريقاً على آمنين، ولم يهجّروا عائلة، ولم يخطفوا بريئاً، ولم يحرقوا منزلاً، ولم يسرقوا سيارةً، ولم يعتدوا على باب رزق. نحن الذين تربّينا على الخضوع لقوانين استنسابية التطبيق، والالتزام بنظام لا يسري إلا على الضعفاء.
نحن، هؤلاء كلهم.
نحن الذين وقفنا في جنازة الشاب المهذب الذي لم تشفع له مهنته التي تدفعه تجاه النار لإطفائها عندما يهرب من لهيبها الآخرون، ولم تحمه أبوّته حين يقرّر قاتل إطلاق رصاصته في رأسه أمام عيني واحدٍ من أبنائه الثلاثة.
نحن الذين كنا في الجنازة المكسورة أبناء منطقة وجيران وأصدقاء ورفاق مدرسة لم يلتقوا منذ زمن. نحن الذين طالما اتشحنا بأسوَد هذه البلاد وحملنا النعوش الخشبية فوق أكتافنا وسرنا بها، وبكينا النائمين فيها من دون إرادتهم.
نحن الذين نعد رؤوسنا كل يوم كلما نجونا من الرصاص أو من حادث سيرٍ تافه أو من سرطان مفاجئ. نحن الذين لا نحب الموت، ويلاحقنا، ولا يبعدنا عنه إلا حظ الآدميين.
نحن الناس العاديين. نحن الأوادم يا وسام.