ولا تعد مطالبة قوى سياسية عراقية بإلغائه، هي الأحدث، إذ سبق لمتظاهرين في الأنبار وبغداد وكركوك وصلاح الدين ومدن أخرى المطالبة بإلغائه، كونه مخالفاً للقانون ومؤذياً بحق المدنيين. وأثارت أخيراً تصريحات رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، مدحت المحمود، جدلاً كبيراً، فقد قال إن "هناك 498 مخبراً سرياً كاذباً في بغداد، أثاروا لغطاً سياسياً وشعبياً واسعاً في البلاد"، مطالباً بإعادة محاكمة الأبرياء الذين أبلغ عنهم المخبرون المعنيون في التصريح، منذ عملهم في المهنة لغاية اليوم، ومراجعة ملفات الآخرين". وقال المحمود في مؤتمر صحافي قبل أسابيع، "تمتّ إحالة المخبرين الكاذبين إلى القضاء بعد التأكد من كذبهم في بلاغات قدّموها بحق مواطنين عراقيين، وستوجه إليه التهم، وأبرزها تضليل العدالة".
أسّس الأميركيون نظام "المخبر السري" بعد دخولهم العراق عام 2003، وسارت عليه الحكومات المتعاقبة. ويقوم النظام على تجنيد 10 إلى 20 شخصاً في كل منطقة سكنية يزيد سكانها عن 5 آلاف نسمة. تقتضي مهمة المخبرين مراقبة تحركات السكان ونشاطاتهم والإبلاغ عن المشتبه بهم أو المشكوك بأمرهم. يتلقى المخبرون رواتب مرتفعة، فضلاً عن مكافآت مقطوعة لقاء كل شخص يبلغون عنه.
في هذا الصدد، يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، مسرو أسود محيي الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "موضوع المخبر السري، يعتبر واحداً من المشاكل القضائية التي واجهت آلاف المعتقلين الذين وقعوا ضحية تهم كيدية، وحكم عليهم بالإعدام والمؤبد"، مطالباً القضاء العراقي بأن يعيد التحقيقات في الكثير من القضايا والتهم التي شملت عدداً كبيراً من المعتقلين، بعد تأكيد السلطة القضائية أنّ معظم الأحكام كيديّة.
ويؤكّد محيي الدين أن "العراق يحتاج إلى حسم موضوع المعتقلين ضمن قانون العفو العام الذي تم إنهاء القراءة الأولى منه في البرلمان"، لافتاً إلى أن "هناك آلاف المعتقلين يقبعون في السجون من دون حسم ملفاتهم"، مشيراً إلى أنّ القضاء قادر على إنهاء هذا الملف، "لأنّ المنظمات الدولية والمعنيّة بحقوق الإنسان تراقب أوضاع السجون بشكل مستمر".
اقرأ أيضاً: "العفو العام" يتجاهل آلاف المعتقلين في السجون العراقية
ويقول أحد المعتقلين المفرج عنهم، حسين أحمد من بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "القضاء العراقي أفرج عني بعد ثلاث سنوات، وقد وّجهت لي تهم وفق المادة 4 (إرهاب). وقد وشى بي أحد المخبرين السريين، أني أعمل مع مجموعات مسلّحة. وبعد عرض أوراقي على قاضي التحقيق، لثلاث مرات متتالية، ولعدم وجود أي أدلة ضدي، أُفرج عني". ويضيف أحمد، أن "السجون العراقية تعتبر معاقل حقيقية للتطرف والانقسام، وما تجده الآن من تقسيم طائفي في الشارع، موجود في السجون. كما تعتبر السجون مركزاً رئيسياً للتشدد، لأنّك حين تدخل السجن ستصنّف على أساس مذهبي، كما يتم وضعك في الزنزانة بحسب نوعية التهمة". ويشير أحمد إلى أنّ "من لديه المال الكافي، ويحظى بدعم خاص، يستطيع الحصول على هاتف خلوي بقيمة 200 دولار".
ويوضح أنه "يجب على القضاء التعامل مع مشكلة المخبر بمهنية، لأنّ هذا الأخير، يلفّق آلاف التهم بحق آلاف المعتقلين"، متسائلاً، "هل يمكن للقضاء أن يصدّق كذبة يوصلها شخص عديم الثقة مقابل مبلغ من المال"؟ ويلفت حسين إلى أنّ "الوشاية بأي شخص، وفق معلومات كيدية، كافية لأن تبقيه سنوات في السجن من دون أي تهمة حقيقية"، مشيراً إلى أنّه، "على الرغم من كل ذلك، "الجميع متفق على أنّ القتلة والذين يتسببون بقتل العراقيين يجب ألّا يشملهم قانون العفو العام، ومعظم هؤلاء المتهمين موجودون في السجن، بسبب بلاغات كيدية وكاذبة".
ويشدّد على أنّ "السجون تدار من قبل مافيات طائفية. ولأنّك مظلوم ومتهم من قبل المخبر، يجب عليك أن تدفع مبلغاً من المال حتى لا يتعرّض لك أحد، ولتسريع إنجاز الأوراق القانونية". ويتساءل أحمد عن سنوات عمره التي ضاعت بتهمة من أحد المخبرين، في ظلّ وضع معيشي صعب، ما اضطر أولاده إلى ترك المدرسة لإعالة بعضهم.
من جانبه، يقول عضو اللجنة القانونية البرلمانية، حسن توران لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون العفو العام يجب أن يراعي أنّ هناك معتقلين في السجون العراقية أبرياء من تهم كيديّة على يد المخبرين، وعلى القضاء إعادة التحقيق". ويستبعد توران، أن "يمرّ القانون بسهولة في مجلس النواب، وتحقيق الغاية التي من أجلها تم اقتراح هذا القانون". ويشدد توران على أنه "من المهم أن يشمل العفو كل من لم يحظ بمحاكمة عادلة أو اعتقل بعد وشاية المخبر السري". ويصرّ توران على إعادة محاكمتهم، وإضافة فقرة في قانون العفو العام، "تجيز إعادة المحاكمة وأن تكون وفق القوانين والدستور العراقي، وبمعايير تحقق العدالة حتى تضمن إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من هؤلاء السجناء".
ويؤكد الناشط السياسي عمر الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن "نحو 6 آلاف مخبر سري موجودون في العراق، يدلون بالأخبار الكاذبة والكيدية ضد أشخاص أبرياء. كما أنّ هناك الآلاف في المعتقلات العراقية بسببهم". ويضيف الدليمي، أن "الحكومة السابقة نشرتهم في بغداد وبعض المحافظات للتبليغ عن أي شخص يقوم بنشاطات سياسية معارضة للحكومة، لذلك جرى تلفيق تهم كيدية بحق الآلاف من شخصيات سياسية وشيوخ عشائر وأشخاص عاديين، لأنهم يرفضون تصرفات الحكومة السابقة تجاه أبناء بلدهم". ويأسف الدليمي لزج آلاف العراقيين في السجون من دون تهم حقيقية، وبناء على بلاغات كاذبة"، مطالباً القضاء بإعطاء أدلّة قاطعة على هذه التهم، قبل إصدار الأحكام".
اقرأ أيضاً: السجون العراقية... مملكة الفساد حيث الأحياء أموات