آثوس: الجبل الذي لم تطأه أقدام النساء

02 يونيو 2016
الغروب في جبل آثوس (Getty)
+ الخط -
"جبل آثوس" جزيرة واقعة شمال اليونان، تحظى بخصوصيتها الجغرافية والسياسية والدينية أيضاً، فهي تتمتع بحكم ذاتي، وتسمى رسمياً "دولة الجبل المقدس الرهبانية"، وتضم هذه الدولة عشرين ديراً يعيش فيها حوالي ألفي راهب. وتحتوي كنائس الجبل على أمثلة ممتازة لفن الأيقونات البيزنطية، كما تحتوي مكتبات أديرته الباقية اليوم على كنوز من المخطوطات ترجع للعصور الكلاسيكية والوسطى. وقد أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو عام 1988.
الغريب في جبل آثوس أنه لعشرة قرون خلت، لم يكن مسموحاً للإناث الدخول للدير الرئيسي في جبل آثوس، بل إنه ليس مسموحا لهن بالوجود في دائرة قطرها 500 متر على شاطئ الجزيرة. وبالرغم من أن دولة الجبل المقدس تعدّ عملياً جزءاً من الاتحاد الأوروبي كباقي اليونان؛ فإن حركة البضائع والأفراد مقيدة بتصريح مسبق من سلطات الجزيرة. كما أن عدد الزوار الوافدين للجزيرة يوميا مقيد، ويجب على الجميع إحضار تصريح مسبق للدخول ولمدة محدودة فقط، وأيضا فإن الذكور فقط هم المسموح لهم بدخول الإقليم، الذي يسميه الرهبان كذلك بـ "حديقة العذراء مريم" ولا يسمح بالإقامة على الجزيرة إلا للذكور الذين بلغوا الثامنة عشرة، ويجب أن يكونوا تابعين للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. دستور الجزيرة الخاص الذي كتبته سلطة الرهبان في عام 1924 وأقره البرلمان اليوناني سنة 1975، ينص على أنّ انتهاك حرمة الجبل ودخول النساء إليه يعاقب عليه بالسجن من سنة واحدة إلى سنتين.


يعود الوجود المسيحي في الجزيرة إلى 1800 عام خلت، بينما تعود التقاليد الرهبانية إلى عام 800 ميلادية في إطار الوجود البيزنطي، يتنوع الرهبان بجبل آثوس من عدة دول شرقية، مثل رومانيا ومولدوفيا وجورجيا وبلغاريا وصربيا وروسيا. ويعيشون حياة منعزلة عن العالم.
دولة جبل آثوس تخضع لولاية البطريركية القسطنطينية المسكونية، ويوجد حظر على دخول النساء إلى الدولة الصغيرة، ويرى الرهبان أن وجود النساء سوف يغير من التركيبة الروحية للجزيرة، ويمكن أن يؤدي إلى بطء مسيرتهم نحو طريق الاستنارة الروحية. هذا الحظر فرضه قرار الإمبراطور البيزنطي قنسطنطين عام 1046، ويُنفَّذ التقليد بصرامة شديدة، ففي القرن الرابع عشر أحضر الإمبراطور الصربي "دوسان العظيم" زوجته هيلين إلى جبل آثوس ليحميها من الطاعون المنتشر وقتها، ولكنها لم تستطع أن تلمس أرض الجزيرة طوال فترة إقامتها بها، بل ظلت في خيمتها المحمولة بالأيدي طوال الوقت.

في عام 1930 وقعت حادثة مثيرة عندما حاولت ملكة جمال أوروبا التسلل إلى جبل آثوس مرتدية زي الرجال، وعام 1953 نزلت ثلاث نساء متخفيات على الجزيرة أيضا، مما أثار سخط الرهبان وأخبروهن بضرورة مغادرة الجزيرة. في عام 2003 صدر قرار عن البرلمان الأوروبي برفع الحظر عن دخول النساء، لأنه يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ المساواة بين الجنسين المعترف به عالميا، ولكن سلطات الجبل المقدس والبطريركية التابع لها لم تعر الأمر أي اهتمام أو تلتفت له.

وفي مايو 2006 تسللت خمس نساء من مولدوفيا عبر تركيا إلى اليونان ثم إلى الجزيرة، عندما قبض عليهن الرهبانُ أبلغوهن أنهم سيغفرون لهن تهمة التعدي على أملاك غيرهم، لكن يجب عليهن المغادرة فوراً. يذكر أن الجزيرة ممنوعة بأمر السلطات الدينية هناك على الإناث جميعاً على خلفيات دينية تقول إن "سيدة واحدة تطأ الجبل، وهي السيدة العذراء".

ويعتبر الجبل محجّة لأبناء الطائفة الأرثوذكسية حول العالم، فزارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام وسط استقبال حاشد له، حيث استقبله عدد كبير من الرهبان الذين يسكنون في الأديرة هناك.

ويذكر أن سير أغلب الآباء والشيوخ الذين تروي سيرتهم الكنيسة الأرثوذكسية عاشوا وتنسكوا في أديرة هذا الجبل المتعددة، عندما كانت الحياة فيه صعبة جداً ومقطوعة عن العالم.
دلالات
المساهمون